هل بقي من شيء يمكن إنقاذه؟

03:53 صباحا
قراءة 4 دقائق
عائشة عبدالله تريم

منذ عام 2011، يضيف الاقتصاديون التكاليف المتراكمة للحرب الجارية في سوريا، حيث يسجلون، عاماً بعد الآخر، الأرقام التي جاءت لتشير مباشرة إلى زوال وشيك للاقتصاد السوري، ودراسة ما يبدو الآن تصور طريقة ما لإنعاشه. أحدث التقديرات التي كشف عنها البنك الدولي يتوقع أن هناك حاجة إلى 180 مليار ذاتها دولار لإعادة بناء ما دمرته الحرب في سوريا. وتقدر دراسة أخرى أجرتها منظمة «ورلد فيشن» و«فرونتيرز إيكنوميكس» أن الحرب تكلف سوريا 4 مليارات دولار شهرياً في النمو الضائع. لقد حولت الحرب في سوريا المدارس والمستشفيات والبنية التحتية الرئيسة إلى أنقاض، ولا تزال سوى 43٪ فقط من المرافق الطبية مستمرة في عملها، كما انخفض متوسط ​​العمر المتوقع 15 عاماً. حذرت منظمة «ورلد فيشن» من أنه إذا لم تتوفر استراتيجية إعادة إعمار متفق عليها دولياً، بحيث تكون جاهزة للتنفيذ عندما تنتهي الحرب، فإن مصير سوريا لن يكون مختلفاً عن مصير كل من أفغانستان والعراق.
إن التخطيط وإعادة الإعمار، جميعها كلمات تضيف بعض الأمل في واقع قاتم بطريقة أو بأخرى، ولكن نظراً إلى الحقائق يبدو أن هذا الأمل بعيد المنال. بعد سقوط ليبيا القذافي أنفقت المملكة المتحدة وحدها على القصف 13 مرة أكثر مما أنفقته على إعادة بناء البلاد. وتفتخر وزارة الدفاع الأمريكية بالتكلفة اليومية التي تقدر بـ 11.5 مليون دولار تنفقها على قصف العراق، وفي عام 2009 كانت تنفق حوالي 7 مليارات دولار شهرياً في أفغانستان. وبالنظر إلى أن التاريخ يبين لنا مراراً وتكراراً نماذج مظلمة حدثت، فإنها توحي بأن سوريا لن تسترد عافيتها لفترة لا تقل عن 50 سنة. المشكلة مع التاريخ هو أنه يميل إلى تكرار نفسه، وإذا فشلت الدول العربية في التعلم منه، فإنه بعد ذلك نجد كل دولة عربية، واحدة تلو الأخرى، مقدر لها أن تتعرض للهلاك.
إن القرميد والأسمنت يمكن إحصاؤهما وقياسهما وإعادة بنائهما، ولكن ماذا عن الأرواح المفقودة؟ ماذا عن أمة أصبحت مهجره تجوب العالم مستجدية مأوى؟ ماذا عن الضرر النفسي الذي ألم بها نتيجة لهذه الفوضى التي لا معنى لها؟ إن كلفة الحرب تشبه هزة أرضية صعبة القياس، التي لا تعرف حدوداً لموجات صدمتها تدوي في جميع أنحاء العالم، وتخلف وراءها معاناة شاملة.
وقال محللون إن الدمار الذي سببته الحرب السورية قد وصل إلى مستويات الحرب العالمية الثانية. مع أخذ ذلك في الاعتبار، في الواقع هناك حروب صغيرة تحدث تقريباً في كل بلد عربي، بشكل أو بآخر، وهي نتيجة الإغواء بـ«ربيع» مزيّف، وهذا يدفعنا إلى القول إن هذه المنطقة تمر بحرب عالمية ثالثة على أرض الواقع. عندما هدأ غبار الحرب العالمية الثانية، أصبحت أجزاء كبيرة من أوروبا وآسيا ركاماً، لم يتبق شيء يمكن إعادة بنائه في1945، وأصبح يطلق عليها اسم «سنة صفر». قتل الملايين، وفر الملايين من منازلهم، لرؤية ولادة مصطلح جديد، وهو «نازح»، وفي العصر الحديث، المصطلح معروف لدينا اليوم باسم «لاجئ». مرة أخرى يظهر لنا التاريخ أنه بينما تتغير المصطلحات، فإن دورة الحرب، هي نفسها، وربما تتفاوت في حجمها بعض الشيء.
شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية تحول مدن كبرى مثل وارسو وطوكيو وبرلين إلى أكوام من الرماد، وفي واقعنا اليوم أيضاً لقيت المدن العربية الكبرى مثل بغداد وطرابلس وحلب المصير ذاته. ومن اللافت أن نهاية الحرب العالمية الثانية خلقت أيضاً قوى عظمى عالمية جديدة، حيث كانت اليابان وألمانيا منشغلتين بالتعافي، ما كان أمامهما إلا أن أفسحتا المجال واسعاً للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لاستعراض عضلاتهما السياسية. أما في الوضع الراهن، فقد أدت الحرب في سوريا إلى تحول في القوة بشكل لا يمكن إنكاره في العالم العربي، فقد شهدنا إضعاف العراق وليبيا وسوريا، وهذا أفسح المجال أمام بلدان إقليمية أخرى لتفرض هيمنتها وتتسلم دفة القيادة.
ومع ذلك، ما كانت أوروبا تعيشه من واقع أسود في فترة ما، إلا أن الأمر انتهى مع هزيمة أدولف هتلر، وأصبح التعافي ممكناً بالنسبة لهم، لأنهم وجهوا قوتهم لتشكيل تحالف كبير مع تحديد شيء واحد على جدول أعمالهم وهو، إحياء أوروبا، كل أوروبا. وإذا كان لسوريا أن تنهض من تحت الركام، فهي تحتاج إلى عالم عربي موحد، لديه شيء واحد على جدول أعماله، ليس سقوط الديكتاتور، لأننا رأينا العديد منهم يسقطون، ولكن إعادة ظهور أمة عربية مزدهرة لا تعتمد على المساعدات الخارجية، بل تكون مكتفية ذاتياً، وتمضي في طريقها لتصبح قوية مرة أخرى.
دعونا نفترض أن هذا الفرضية ليست سراباً، وأن وجودها في متناول اليد، ولكن يبقى السؤال: ماذا ستعلمنا كتب تاريخنا؟ هل سيتم تدريس الحقائق بحيث أن أجيالنا في المستقبل يمكن أن تتعلم من ماضينا أم أنه سيتم تجاهلها، وستتخطى إلى أوقات أفضل، مثلما حدث في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا، حيث أهملت إيطاليا ذكر ماضيها الفاشي، وتم تحرير صفحات التاريخ الفرنسي من الفترة الفيشية الموالية للنازية.
إن التاريخ ليس متشائماً على الدوام، لأنه إذا كانت الحرب العالمية الثانية في أوروبا علمتنا شيئاً، فهو أن إعادة بناء المدن ممكن، وأن إصلاح روح الأمة يمكن أن يتحقق، وبالتالي فإنه لا يزال الأمل يعترينا أن القوى العربية الجديدة سوف تسعى إلى تشكيل قوة من تحت الرماد، وتنقذ ما يمكن إعادته، وتبعث الحياة فيما كنا نظن أنه في عداد الموتى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"