حتى لا ننسى.. عن دور الإمارات المستمر في دعم الثورات المضادة

عدد القراءات
2,047
عربي بوست
تم النشر: 2019/04/13 الساعة 07:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/13 الساعة 07:06 بتوقيت غرينتش
الأمم المتحدة تحقق في مساعدة الإمارات للواء خليفة حفتر/ رويترز

لا يخفى على أحدٍ ما تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة ضد رغبة الشعوب العربية في الانعتاق من الاستبداد الذي جثم على صدورها فترات طويلة، وتبذل كل الجهود في دعم الانقلابات العسكرية بالمنطقة العربية، ونشر الفوضى في ربوع العالم العربي، ولم يدّخر محمد بن زايد جهداً في السعي بكل الوسائل إلى زعزعة استقرار تلك الدول، والعمل على خلق حالة من العداء للتيار الإسلامي؛ الذي أسهم بشكل أو بآخر في مجابهة الفساد والاستبداد.

لقد دعمت إمارة أبوظبي مُبكراً قوى الثورة المضادة في مصر وليبيا واليمن، على سبيل المثال، من خلال الأذرع المالية والأمنية والعسكرية والسياسية للأنظمة التي ضربتها أمواج الثورات، حيث آوت عدداً هائلاً من القيادات التابعة للنظام القديم بدول الثورات العربية، وشكّلت بشكل سريعٍ غرف عمليات معقّدة، لإجهاض تلك الثورات، وضرب المسارات الانتقالية، وإعادة المنظومات القديمة إلى سدة الحكم.

بل شرع محمد بن زايد بكل ما يمتلك من قوة، في السنوات الأخيرة، في إجهاض تلك الثورات، من خلال تدعيم صفوف قادة الثورات المضادة، حيث سُربت في عام 2017 وثيقة إماراتية تسعى إلى تشكيل كتلة سياسية موالية لدولة الإمارات عن طريق دعم شخصيات سياسية، وأحزاب، ومنظمات، ووسائل إعلام معارضة للإسلام السياسي، وذلك بالاستفادة من هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد بعد الثورة، حسب ما ذكرته قناة الجزيرة، في وقت سابق.

ولم يقتصر المشهد على دعم التجارب الانقلابية، بل تجاوزها إلى ضرب خطوط إمداد الثورات سواء مادياً أو إعلامياً أو سياسياً؛ بدعم حرب الانقلابات على الأنظمة والقوى الداعمة للثورات، سواء خليجياً بحصار قطر، والعمل على تغيير نظام الحكم فيها بالتآمر العلني، أو بالعداء الصريح لدولة تركيا، بدعم انقلاب يوليو/تموز الفاشل في عام 2016 بمليارات الدولارات.

دعم الانقلاب العسكري في مصر

كانت البداية بالتخطيط للانقلاب على المسار الديمقراطي في مصر، بدعم السيسي للانقلاب على الرئيس المنتخب، وتقديم العون لكل أشكال المعارضة للرئيس مرسي، لزيادة القلاقل، وعدم الاستقرار، حتى لا يتمكن من بسط نفوذه أو السيطرة على قيادة الدولة المصرية، وكان الدعم الواضح، ولا يزال، للإعلام الذي خلق صورة ذهنية لدى عموم الشعب المصري بفشل تجربة الإسلاميين في قيادة مصر، مع إفراز حركات شبابية تواجه النظام المنتخب من خلال نموذج "تمرد"، التي قام شبابها المدعوم من الإمارات بجمع آلاف التوقيعات، لرفض الرئيس المنتخب.

ودعمت الإمارات عبدالفتاح السيسي سياسياً ومالياً وإعلامياً بعد توليه الرئاسة، وحصلت على امتيازات اقتصادية كبيرة، وعملت على تشويه صورة مرسي، وتلميع صورة السيسي على أنه رجل المرحلة في مناهجها الدراسية، وعبر القنوات الإعلامية.

وأدى ذلك في النهاية إلى تدمير أول نموذج للحكم المدني الديمقراطي في مصر، بسجن الرئيس المنتخب محمد مرسي، وإحلال الحاكم العسكري الانقلابي مكانه، وسط بِركة كبيرة من دماء المصريين وأشلائهم المحترقة في ساحات الحرس الجمهوري، والمنصة، ورابعة، والنهضة، وغيرها من أماكن عديدة بمحافظات مصر.

الدعم اللوجيستي لميليشيا حفتر في ليبيا

في منتصف فبراير/شباط عام 2011، انتفض الشعب الليبي في وجه العقيد معمر القذافي، وتمكنوا من قتله بعد 8 أشهر تقريباً، واستمرت حالة اللاستقرار في ليبيا بعد سقوط النظام السابق، حيث تصدّر اللواء المتقاعد خليفة حفتر المشهد الليبي بدعم مصري-إماراتي، للقضاء على الجماعات الإسلامية المتنامية هناك، فقد أرسلوا طائرات تجسس وسيارات دفع رباعي، وشاركوا في القصف الجوي بالطائرات، وقامت الإمارات بمساعدة السعودية على نقل 195 آلية (بيك-آب) قتالية إلى طبرق لصالح حفتر، كما دعمته بطائرات عمودية هجومية من طراز (إم آي 24 بي) بيلاروسة التصنيع، بالإضافة إلى تطوير قاعدة الخادم "الخروبة" جنوب المرج بتزويدها بالطائرات وبناء حظائر لها.

ومن شأن استمرار تدفق السلاح إلى ليبيا وخرق الحظر الأممي، إطالة أمد الحرب، وإبقاء ليبيا فريسة لحالة الفوضى والانقسام.  

إن الدور المشبوه الذي تلعبه إمارة أبوظبي يرمي إلى تدمير ليبيا، وتحويلها إلى منطقة صراع دائم، وتفكيك نسيجها الاجتماعي، فبالإضافة إلى الدعم السياسي والعسكري لحفتر في ليبيا، استحدثت أبوظبي أساليب جديدة، واستخدمت أسلحة غير مألوفة لدى العرب، على رأسها "شراء الذمم والضمائر"، والتي باتت أحد محددات السياسة الخارجية الإماراتية، حدث ذلك مع الوسيط الدولي الذي عمل في ليبيا لسنوات "برنارد ليون".

تآمرها على الشعب السوري

حينما وصل قطار الثورات العربية إلى سوريا في 15مارس/آذار عام 2011، ثار الشعب السوري على نظام بشار، وسيطر الثوار خلال سنتين على أكثر من نصف مساحة سوريا، لكن لم يسعد السوريون بإزاحة هذا النظام الذي ارتكب عديداً من المجازر في حقه، فقام الاحتلال الروسي بالتدخل إلى جانب نظام بشار بتمويل إماراتي؛ خوفاً من سقوط سوريا بيد الثوار، حيث ذكرت تقارير إعلامية عديدة أن الإمارات دفعت تكاليف التدخل العسكري الروسي في سوريا، كما أنها متهمة بمسؤوليتها عن اغتيال عديد من قادة الفصائل، وكانت الإمارات أول دولة تعيد فتح سفارتها في دمشق منذ بداية الثورة، وفتحت أبوابها لأقارب النظام المجرم.

لقد وقفت الإمارات ضد النظام سياسياً، لكنها بقيت معه ومع حلفائه اقتصادياً؛ حيث خاض أبناء زايد حربهم في سوريا كجزء من صراعهم الإقليمي على المنطقة، ضد أعدائهم الواضحين: "الثورات العربية"، وما يطلَق عليه "الإسلام السياسي"، وضمن شبكاتها السياسية والعسكرية الممتدة، التي يجلس في منتصفها سمسارها وعرّابها محمد دحلان.

السيطرة من خلال خلق الفوضى في اليمن

تدخَّل التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن عام 2015 بعد سيطرة ميليشيا "الحوثي" على صنعاء؛ بحجة دعم الشرعية، حيث شكلت الإمارات ميليشيات موالية لها في الجنوب اليمني، وحرّضت على الانفصال عن الشمال؛ طمعاً في الموانئ والموقع المهم للجنوب، وأنشأت شبكة من السجون السرية داخل اليمن، واتهمت "هيومن رايتس ووتش" بعضَ الميليشيات المدعومة من قِبل الإمارات كقوات الحزام الأمني، وقوات النخبة الحضرمية باعتقال وإخفاء نحو 38 شخصاً قسراً، بالإضافة إلى تصفية عدد كبير من قيادات حزب التجمع للإصلاح، في اليمن.

ومن الواضح أن الإمارات جاءت إلى اليمن منذ البداية بأجندة احتلالية واضحة، لتحتل المحافظات الجنوبية وتخلق واقعاً جيوسياسياً جديداً، وتعبر عن حالها كإمبراطورية إقليمية تريد أن تفرض نفسها وهيمنتها العسكرية على هذا الجزء المهم من اليمن. وبذلك ستتمكن الإمارات من تأمين خطوط التجارة عبر ميناء عدن الجنوبي نحو بقية أنحاء العالم، إلى جانب استغلال الموارد الطبيعية في اليمن، وبسط الهيمنة على المنطقة.

العبث بالمشهد التونسي

تمثل تونس مهد الثورات العربية، التي قدّمت نموذجاً عالمياً في قدرة القوة الشعبية السلمية على إسقاط رأس النظام الاستبدادي وتهديد بقية النماذج. هذه الرمزية الثورية التونسية تجعل من هذا النموذج هدفاً رمزياً في وعي الثورة المضادة، وعقلها الانقلابي.

ولعل هذا من أهم الأسباب التي جعلت غرف العمليات الإماراتية تراهن بقوة على وأد التجربة التونسية، خاصة بعد نجاحها في نسف الثورة المصرية. فدعمت الإمارات كل أذرع الدولة العميقة في تونس إعلامياً وسياسياً ومالياً؛ ونجحت إعلامياً في تأسيس شبكة مهمة من الصحف والقنوات والإذاعات والمواقع الإلكترونية، التي تدعمها بشكل مباشر عبر مجموعة من رجال الأعمال، وبالتمويلات التي لم تعد تخفى على أحد.

ولم تكتفِ إمارة أبوظبي بذلك، بل سارعت إلى شيطنة الفصيل الإسلامي في تونس، وسعت، ولا تزال، إلى تدمير تجربة التوافق في أعلى هرم السلطة، كما تعمل جاهدة بكل الوسائل على إفشال التجربة التونسية، وإيقاف كل ما له علاقة بالثورات العربية.

موقفها من احتجاجات السودان والجزائر

شهد السودان منذ 19 ديسمبر/كانون الأول عام 2018، احتجاجات مندّدة بتدهور الأوضاع المعيشية، عمّت عدة مدن بينها العاصمة الخرطوم، وما زالت مستمرة حتى الآن.

هذا الحراك أزعج إمارة أبوظبي، فهي لا تزال بحاجة إلى البشير، فأدواره بالنسبة إليها لم تنته بعد، حيث دعمها في اليمن، ولعل زيارته الأخيرة لدمشق تندرج ضمن الأدوار التي يُراد للبشير أن يلعبها، لإعادة صياغة المشهد السياسي بالمنطقة، وهذا ما تريده الإمارات في هذه الآونة.

وقد صرّح البشير (المعزول) نفسه في أكثر من موقف، بدعم الإمارات له اقتصادياً، حيث قال: "هناك ترتيبات لتوفير الوقود عبر الموارد المحلية وبدعم من الإمارات العربية المتحدة". وعلى ذلك ربما يستمر دعم الإمارات للسودان اقتصادياً، حتى لا تفقد دور البشير في المنطقة.

وفي الجزائر انطلق نقاش حول تدخُّل إماراتي في الاحتجاجات الجزائرية، بعد لقاءٍ بين الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي، والفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش الجزائري في فبراير/شباط 2019، وتزامن اللقاء مع تصاعد الاحتجاجات، وهو ما أثار جدلاً على مواقع التواصل حول دور الإمارات في تأجيج الفوضى بالشارع الجزائري، وتسربت معلومات في وسائل الإعلام حول تشكيل غرفة عمليات على مستوى رفيع من الإمارات، والسعودية، وفرنسا، لمتابعة الشأن الجزائري.

وبدأ النقاش يظهر في لافتات بالشارع الجزائري، كُتبت عليها عبارات تهاجم الإمارات، منها "تسقط الإمارات"، و"لا للإمارات في بلد الشهداء".

أقول: من الملاحظ أن حكومة الإمارات اتخذت مسلكاً معادياً لشعوب المنطقة، ووقفت عائقاً أمام تحقيق تطلعاتها التي تصبو إليها من حرية، وكرامة، وعدالة اجتماعية، وأنفقت مليارات الدولارات في دعم الثورة المضادة بالمنطقة العربية.

على الرغم من ذلك، فسوف تقف الشعوب الحيّة اليقظة بكل حزم ضد هذه المؤامرات، وسوف تنقشع الغمَّة قريباً، وستدور الدائرة على الباغي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

جمال نصار
كاتب وأكاديمي مصري
أستاذ الفلسفة والأخلاق والفكر المعاصر
تحميل المزيد