خطورة المشترك اللفظي على المعرفة… الدولة المدنية والمجتمع المدني نموذجا

تمهيد:

لقد عُني الأصوليون بالمشترك اللفظي، وهو ذلك اللفظ الذي يحتمل معانيَ عدة بدرجة متساوية، مثل كلمة العين فقد تستخدم للتعبير عين الماء، أو عين الإنسان، وسلك الأصوليون مسالك عديدة لإزاحة الاشتراك، وتعيين المعنى المراد في قصد المتكلم، ومع ذلك نجد أنفسنا اليوم أمام مشتركات لفظية، لها استخدامات متعددة مختلفة، وتؤدي في العادة إلى تشويه المعرفة، ونصبح أمام معرفة هلامية ليست منضبطة، وقد أردت أن أشير إلى بعضها.

1-الدولة المدنية، المجتمع المدني:

يمكن أن تستعمل الدولة المدنية باستعمالات عدة، منها مجتمع المدينة المقابل للقرية، أو المدني المقابل للعسكري، أي الحكم فيه للمدنيين لا للعسكريين، وقد يكون بمعنى سيادة القانون وتحقيق العدالة بعيدا عن الواسطة والمحسوبية، وقد يكون المدني مقابل الدين، كما يقال زواج مدني مقابل الزواج الشرعي، ومن الواضح أن استخدام المفردات السابقة هو استخدام لفظ واحد في معانٍ مختلفة، بل متعارضة، وهذا يؤدي إلى أن يتداول الأفراد مفردات غير محددة المعنى، مما يعني أن المتحدثين يضطربون في أفهامهم نتيجة الاضطراب في الاستعمال، والذي أدى إلى اضطراب الفهم في المجتمع نتيجة اضطراب الكلمة نفسها، وأنها تحمل شحنات متضادة من المعاني.

2- البديل:مجتمع العمران، دولة العمران:

أ-إن الحل هو الكَفّ عن استعمال المشترك اللفظي، ومنع تداوله إلى حين تحريره، وتحديد محتواه في المعنى، أو علينا أن نجد بديلا دقيقا، وبمان أن  التحديد مع هذا الاضطراب صعب، سنجد أن من الأجدى لنا أن نصنع معرفتنا، لا أن نتسول المصطلحات والمفاهيم، ومما يمكن أن نستعمله بديلا: مجتمع العمران، ودولة العمران، حتى يتسنى لنا أن نتعامل مع ثقافتنا نحن، ولا نستورد قطع الغيار الفكرية من الخارج، وهو المتناسب مع مهمة الاستخلاف، وقد استخدمه ابن خلدون بمعنى الاجتماع، فيكون بذلك المصطلح، من بيئتنا وثقافتنا، وليس متسوردا.

ب- ونصبح أمام فقه العمران، وهو فقه أصيل يعنى بمسائل الفقه على مستوى المجتمع والدولة، كفروض الكفايات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومأسسة (تحويله إلى مؤسسات) ذلك، بحيث يصبح فرض الكفاية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على شكل مؤسسات رقابية تحت أصل شرعي، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك فرض الكفاية، فهو فقه الجماعة، وليس فقه الأفراد.

3-رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا استقلال المفاهيم وضبط المعرفة:

فالنبي صلى الله عليه وسلم حريص على أن تكون أمته مستقلة ليست فقط المضمون، بل بالمفردات والمصطلحات، فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه: عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء، وهم يعتمون بالإبل»، فقد حذر النبي صلى الله وسلم من تسمية الأعراب العشاء بالعتمة، وماذا يمكن أن يترتب على تسمية العشاء بالعتمة من ضرر، ومع ذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من مصطلح الأعراب الذين يسمون العشاء بالعتمة، فكيف لو جاء النبي صلى الله عليه وسلم، ووجد هذه الأكوام من المفردات العائمة في التداول، التي أدت إلى تشويه المعرفة، وعدم انضباطها، لذلك فإن ضبط المفاهيم، والتحذير من المفردات المشتركة التي تشوه المعرفة، أمر من الدين وواجب التحذير منه.

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة

29-4-2017

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top