(١) رأينا فى المقال الفائت أن المرشد محمد مهدى عاكف كان يريد تغيير تركيبة مكتب الإرشاد، على اعتبار أن الأعضاء الموجودين غير قادرين على تحقيق أهداف الجماعة.. وقد عرض الأمر علىّ بطريقة عجيبة وغريبة، ولما أخبرته أن هذه الطريقة مخالفة للائحة، وأنه أولى بنا أن نناقش ابتداء أوجه الخلل المتعددة والمتنوعة داخل الجماعة قبل النظر فى أى أمور أخرى، لم يجد اقتراحى هذا أى قبول لديه.. وفى أول اجتماع لمكتب الإرشاد، فوجئت به يطرح رغبته فى تغيير اللائحة عبر ٣ مواد(!) حاولت إثناءه عن عزمه، وقمت بشرح فكرتى عن تطوير الأداء، وأنه لا بد من النظر -على الأقل- فى مواد اللائحة الموجودة ومحاولة علاج ما بها من ثغرات وتفعيل المواد التى تحتاج إلى ذلك قبل أن نقوم بأى تعديل حتى لا نحدث تناقضات نحن فى غنى عنها.. لكن، كان واضحاً أنه رتب مع بعض الأعضاء لإجراء التعديل.. وفى صبيحة يوم الثلاثاء الموافق ٤ مايو ٢٠٠٩، أى اليوم السابق على موعد انعقاد مكتب الإرشاد، حضر المرشد إلى مكتبى -كما هى العادة- وتكلمنا فى عدة أمور، ولم يكن من بينها مشروع التعديل.. وقد ظننت ساعتها أن المشروع لم يتم إعداده بعد، إذ من المفترض أن أى شىء يعرض على المرشد لا بد من عرضه فى نفس الوقت على نائبه الأول، على اعتبار أنه يقوم مقامه حال غيابه أو تعذر وصوله إلى مقر مكتب الإرشاد لأى سبب كان.
(٢) فى ذلك اليوم، وعقب صلاة الظهر مباشرة، فوجئت بعبدالمنعم أبوالفتوح يحضر إلى مكتبى، ويسألنى: ما رأيك فى مشروع التعديل؟ لقد أرانيه الآن الأستاذ «عاكف».. قلت: ليس عندى فكرة عنه.. قال عبدالمنعم (مستغرباً): معقول؟! لقد ظننت أن لديك نسخة من المشروع.. قلت: لا.. لقد كان المرشد عندى منذ نحو ساعتين ولم يتحدث معى بشأنه، وربما -والله أعلم- لم يكن مشروع التعديل قد وصله إلا بعد خروجه من عندى.. ثم أردفت: عموماً، أنا ذاهب إليه الآن للاستفسار عن ذلك.. قال عبدالمنعم: لقد غادر الأستاذ المكتب! أسقط فى يدى، وتساءلت: إن من عادة المرشد أن يمر علىّ قبل مغادرته المكتب، فلماذا خرج اليوم قبل موعده المعتاد؟ هل أهمه شىء جعله يغادر مسرعاً دون المرور علىّ؟ اتصلت به هاتفياً للاطمئنان عليه، ولما وجدت الأمر عادياً، قلت: أستاذ «عاكف».. لى عتب عليك، قال: خيراً، قلت: كيف يبلغنى شىء من عبدالمنعم، ولا يبلغنى منك؟ وهل يجوز أن تكون العلاقة بين المرشد ونائبه الأول على هذا النحو؟ إن غرفة مكتبك تبعد عن غرفة مكتبى ٤ أمتار.. وكنت معى فى هذا الصباح، ولم تشر لموضوع مشروع اللائحة بشىء، ولا أدرى هل كان ساعتها موجوداً لديك، أم جاءك بعد ذلك؟ أحسست أن المرشد أصابه ارتباك شديد، إذ لم يحر جواباً.. مرت فترة صمت قصيرة، جاءنى صوته بعدها، يقول فى تلعثم: أنا.. أنا كنت سأنظر فيه، قلت (مقاطعاً): أنا أسألك عن شىء محدد، لكنك للأسف لم تجبنى، قال: ده.. أنا كنت فاكر إن المشروع عندك.. قلت: يا أستاذ «عاكف».. أنت تعلم أن أعضاء المكتب يتجاوزوننى فى بعض الأمور، برغم أهميتها، وقد أبلغتك بذلك مراراً، لكنك لم تفعل شيئاً.. وقد راجعتهم فى هذا الأمر كثيراً، ولفت انتباههم إلى أن هذا السلوك معيب وغير لائق.. للأسف، كان تشجيعك لهم غريباً، وليس له ما يبرره.. يا أستاذ «عاكف» نحن لسنا أضداداً، فأنت المرشد وأنا نائبك الأول.. عند هذا الحد، قال المرشد: يا أخ محمد، الموضوع سوف يعرض عليك غداً.. قلت: المفترض يا أستاذ «عاكف» أن يكون بين يدىّ قبلها بيوم على الأقل لدراسته، فقد تكون هناك أشياء تحتاج إلى مراجعة أو تعديل أو إضافة.. ثم لنفرض جدلاً أنك لم تستطع الحضور غداً لأى سبب كان.. ساعتها سوف أترأس الجلسة بديلاً عنك، فماذا يكون الحال؟ ولما لم يكن لدى الرجل ما يقوله، سلمت عليه، وأغلقت الهاتف وأنا حزين..
(٣) فى صبيحة يوم الأربعاء الموافق ٥ مايو ٢٠٠٩، وصلنى مشروع التعديل قبل اجتماع مكتب الإرشاد بـ٣ دقائق فقط(!) قرأته سريعاً وأحطت بما فيه من ثغرات.. وفى بداية الاجتماع، قال المرشد: مشروع التعديل بين أيديكم، فهل منكم من يريد التعليق؟ قلت: يا أستاذ «عاكف».. أرجو أن تعطينا فترة لدراسته، ويمكن أن ننظره الأسبوع المقبل.. رد المرشد بانفعال (متجاهلاً ما قلت): الموضوع أمامكم، وسوف ننتهى منه اليوم.
(٤) قلت: يا إخوان.. أنا لست ضد مشروع التعديل.. فقط أريد وقتاً للدراسة، حتى يصل لأعضاء مجلس الشورى فى صورة جيدة.. لكن، لا حياة لمن تنادى.. لقد لاحظت وجود ثغرات بالمشروع.. فالمادة التى تنص على أن يظل عضو مكتب الإرشاد المحبوس أو المحكوم عليه محتفظاً بعضويته، تضر به أكثر مما تفيده، بل تجعل السلطة متحكمة فى مكتب الإرشاد.. ولسنا فى حاجة لإضافة هذا النص، لأنه معمول به فعلاً، ولم يحدث أن خرج عضو مكتب من السجن إلا وعاد إلى ممارسة عضويته.. ثم إن نص المادة المتعلقة بـ٨ سنوات كحد أقصى لعضو مكتب الإرشاد تحتاج إلى تفاصيل من حيث التطبيق.
طلبت الكلمة للمرة الثانية، وقلت: إن هناك إجراءات يتضمنها مشروع التعديل لا بد من الوقوف عندها ومناقشتها قبل عرضها على مجلس الشورى.. لكن للأسف، لا أحد يريد أن يستجيب.. قال أحد الأعضاء: إن اللائحة تعطينا الحق -كمكتب إرشاد- فى أن تؤول إلينا كل صلاحيات مجلس الشورى، حيث إننا فى حالة اضطرار.. قلت: ومن له الحق فى تفسير هذه الحالة الاضطرارية التى تتحدث عنها؟ قال: نحن (يقصد مكتب الإرشاد).. قلت: أنتم إذن تجعلون أنفسكم أوصياء على مجلس الشورى وتسلبونه حقه.. أرجو أن ترجعوا إليه، وأن تأخذوا رأيه، فلربما أوصى بما تريدون.. رفض القوم.. وتدخل «عاكف»، وقال: نريد أن نأخذ تصويتاً، قلت: يا أستاذ.. أرجوك أن تتمهل، ولا داعى للعجلة.. إن هناك مخالفة صريحة لما تفعلون ولما هو منصوص فى اللائحة العامة.. لكن للأسف، ذهب رجائى سدى.. قلت: إذن أنا مستقيل من موقع النائب الأول.