تحليل: العمليات النفسية .....وتليين العدو


منذ فجر التاريخ البشرى المعروف حتى الأن ، وتطور مجتمعه البشرى إبتداءً من نطاق الفرد الى القبائل والعشائر وصولاً الى نطاق الأمم ، وظهور غرائز  الغيره والطمع والإستحواذ دون حق ، عَرِف الإنسان معنى التنافس و الصراع والحرب ، فبدءً من الفرد الذى كَرِه أخاه ولم يرضى بأمر الله فيهم الى أن قتله كهابيل ، وصولاً الى أمه إسْتَعلتْ على أوامر خالقها فشتّتها لكى تَفيق ولكنها إستكبَرت حتى إنتزعت الأرض من أهلها ظُلماً وعدوانا كبنى إسرائيل .


ومع تطور العصر وتقنياته إتسمت الصراعات والحروب بين الأمم وبعضها البعض بأشكال عده ، فبدءً من القتال الجسدى المباشر بين الجيوش وتطور أدواته وتقنياته لهزيمة أحدهم فى ساحات النِزال ، وتطور ذلك من خلال إضافة بعض الإجراءات والأشكال التى تَستهدف بالأساس كَسر/ هزيمة الجانب النفسى للمُقاتل فى ساحة المعركة لإفقاده روحه القتالية والتى تُعرف بأسم الحرب النفسية ، وصولاً الى شكلً جديداً من أشكال الحروب يعمل أساساً قبل بدء العميات الحربية – غير محددة الفتره – مستهدفاً بشكل رئيسى أسُس و مفاهيم وعقائد المجتمع المستهدف ، والعمل على هدمها أو تشتيتها أو تغيررها من الأساس ، حتى يصل ذلك المجتمع الى مرحلة يَفقدُ فيها بوصلته المُحَدِده لما هو صديق وما هو العدو ، وقد يصل الى مرحلة لا يعرفُ المجتمع ذاته نفسها وهو ما يُطلق عليه هنا العمليات النفسية .


هنا تتصادم الأمم فى نقاط جغرافية – بحرية أو برية – تسعى للحصول عليها منفرده ، فنجد بأن أرض فلسطين منذ عام 1948 هى نُقطة الإرتكاز للصراع بالمنطقة ، والتى بدأت بما أُطلق عليه حرب فلسطين بين كيان الإحتلال الإسرائيلى وبين الجيوش العربية والتى إنتهت بإعلان دولة الإحتلال ، ثم تلاها هجمة إنتهازية لكيان الإحتلال لإجهاض بناء الدولة المصرية العصرية والتى فَشلت وأُطلق عليها العدوان الثلاثى ، وما لبث أن حققت نكسة 67 هدفها فى كسر شوكة المشروع العربى لتحرير فلسطين ، ولكن حرْبَى الإستنزاف وأكتوبر  أثبتت للجميع شيئين مهمين للغاية ، الأولى أن ذلك الصراع لن يُحسم عسكرياً – مع وجوب الإستعداد - ، والثانى هو وضوح مركز الثِقل للكُتله العربية والذى يجب العمل عليه جيداً وهو مصر .


لذلك نجد بأن محاولات الإحتلال الإسرائيلى للنَفاذ للمجتمع المصرى بعد عقد إتفاقية السلام تتم بشكل مُستَميت ، إذ إتسمت فترة الثمانينات والتسعينيات بمحاولات الإحتلال للنفاذ من أعلى ، عن طريق تفعيل بنود إتفاقية السلام التى تسمح بالتعاون الثقافى والإقتصادى والسياسى ، ولكنه قوبِل بالرفض التام – مع الإستثناءات الشْكليه - من قبل الشرائح الثقافيه والسياسية التى وجدها عصية على الإختراق ، وعلى الرغم من بعض النقاط الإقتصادية المحدوده التى إستطاع النفاذ منها لكنه لم يستطع من خلالها إنشاء أرضية تمكنه من الوصول الى جسد المجتمع الذى يسعى الإحتلال الإسرائيلى جاهداً ليتقبله .


ومع التطور التكنولوجى المتسارع بالإضافة الى الأجواء السياسية المواكبه له خصوصاً ما بعد أحداث 2011 ، ظهر للإحتلال الإسرائيلى نافذة جديدة تُمكنه من الوصول بشكل مباشر الى المجتمع العربى رأساً دون أى حواجز مانعه ، فقد سَمحت الوسائط التكنولوجية المختلفة لكل فرد فى المجتمع أن يطّلع ويصل ويتصل بأى بُقعه جغرافية أو أى شخص على وجه الأرض ،  وبالتالى فإن مراحل التنقية والفرز والتوجية التى كان تتم لأى محتوى قبل أن يصل بالوسائل السابقه ( تليفزيون – راديو – جريده ) للفرد لم تَعُد موجوده ، مع الوضع فى الإعتبار الكم الهائل من المعلومات التى يجب فرزها وإستيعابها وربطها بالإضافة الى النُضج الفكرى لمستوى الفرد الذى يمكنه من التعامل معها  والتى ستؤدى الى تطوير فكر الفرد وبالتالى المجتمع أو تؤدى الى تشتته أو إيتقطابه وبالتالى تشتيت وإستقطاب المجتمع .


لذلك فقد إستغلت أجهزة الإحتلال الإسرائيلى المختصة ( النفسية – المخابراتية – التكنولوجية ) تلك المساحات المفتوحه مع المجتمع العربى وقامت ببناء مِنصات على موقع FaceBook فى شكل صفحات رسمية وفديوهات موجهه باللغة العربية للبدء فى كسر النزعه العدائية للشعوب العربية – مع التركيز على المجتمع المصرى – فيما يمكن أن نُسميه " تليين العدو " ، والتى كانت صفحة المتحدث بإسم جيش الإحتلال أفيخاى أدرعى هى نُقطة الإنطلاق الرئيسية تلاها منصة تحت مسمى إسرائيل بالعربية ، بالإضافة محتويات على شكل فديوهات بتقنيات ثنائية الأبعاد تبرز الجانب التاريخى المشترك ما بين الشعب اليهودى والمنطقة العربية منتشرة بشكل أكبر على منصة YouTube .


يسعى مبدأ "تليين العدو " لتحقيق الهدف النهائى وهو كسر نَزعة العدائية للشعوب العربية ضد الإحتلال الإسرائيلى ، ويستخدم إستراتيجية متعددة المراحل :
المرحلة الأولى : وهدفها تحقيق التواصل بأكبر شريحة عربية عن طريق إسلوب الإستفزاز المُتعمد ، والذى يسعى لإرغام الأفراد دون وعى فى التفاعل مع تلك المنصات – خصوصاً صفحة أفيخاى درعى – والتى قد تكون فى الأغلب تفاعلات إستهجانية من قبل الأفراد سواء ضد منشورات دينية دورية – يوم الجمعه والأعياد – أو مناسبات تاريخية وحتى مشاركة أكلات عربية خصوصاً المصرية – كشرى / ملوخيه - والتى لها صدى أوسع فى نفوس كافة الشعوب العربية .


المرحلة الثانية : وهدفها إحداث الصدمه المعرفيه للمجتمع العربى من خلال نشر معلومات – تاريخية بالأساس -  تختص بالمجتمع اليهودى بالمنطقة العربية ، الى جانب إبراز بعض عناصر الصدمه الحاليه كإلتحاق بعض الفلسطنيين المسلمين بجيش الإحتلال ، وإبراز بعض المواقف التى تُظهر الإحتلال كمن يحمى ويرعى كل من داخل الأرض المحتله كإنقاذ طفل أو سيدة فلسطينية بظرف طبى ، الى جانب تسريب حاله من التواصل التاريخى تؤدى الى إنشاء أرضية مشتركة يستطيع من خلالها الإحتلال الإسرائيلى التمهيد للمرحلة التالية .


المرحلة الثالثه : وهى النهائية التى تستهدف بُناءً على المرحلتين السابقتين إقناع الشعوب العربية بأحقية إقامة دولة يهودية على كامل الأرض المحتله بشكل سَلس والتى ظهرت بوادرها فى الحمله التى اُطلِقت على صفحة المتحدث بإسم جيش الإحتلال والتى كانت تحت إسم ( خلص إيران ) والتى ظهر فيها عدد من الشباب العرب يحملون ذلك الشعار .


وفى النهاية لا يمكننا أن نمنع موجة التقدم التكنولوجى أو صدها ، فمبدأ المنع أثبت عدم جدواه فى كافة المجالات ، ولكن الأهم الأن أن نبنى إستراتيجية مواجهة أو بالأحرى إستراتيجتى مواجهه إن كنا نريد إجهاض ذلك الإتجاه الذى يكتسب زخماً يوماً بعد يوم ، والذى لن تُرى نتائجه فى الجيل الحالى ، ولكنها ستظهر وبشكل فج خلال العشر سنوات القادمة بشكل لن نستطيع مقاومتة أو إقافة لإن تكلفته ستكون قاسيه للغاية .