شعارات مرحلة التأسيس في الثورة السورية

شعارات مرحلة التأسيس في الثورة السورية
فيما تدخل الثورة السورية عامها الخاس، تبدو شعارات مرحلة التأسيس جزءاً من تاريخ هذه الثورة وأحلامها، وأهدافها، ومن سياق التعبير السياسي الذي كسر عقوداً من الصمت، عبر آلية عفوية شعبية حرة... نستجلي ملامحها وأبعادها في هذا الملف التحليلي الهام للباحث عمر كوش.

(أورينت نت)

ظاهرة مبدعة وغنية

كتب المحتجون السوريون آلاف الشعارات في تظاهراتهم السلمية، ورسموا، وخطّوا حروفها، التي زينتها دماء الشهداء، بتضحياتهم، وجعلوا من الجدار واللوحة واللافتة صورهم، التي حاولوا أن يفهموا العالم، من خلالها، تعبيرات ثورتهم ومطالبهم، من أجل الحرية والكرامة، والخلاص من الاستبداد المقيم عقوداً على صدروهم.

وشكلت الشعارات التي رفعتها أيادي الثائرين السوريين ظاهرة مبدعة وغنية، تدعو إلى التأمل والبحث عن مكنونات هذا المخزون ومصادره، التي تنهل من ذاكرة الإنسان السوري، ومما أنتجه عقله رداً على سنوات القهر. سنوات الرعب والصمت والقهر والإذلال والكبت، والحرمان من مختلف أشكال التعبير، وبخاصة التعبير السياسي، في ظل عهود الاستبداد الثقيلة. ولعل تعبيراتها الرمزية واللغوية والثورية، تكشف مكونات وما يكتنه دواخل السوريون من تعبيرات واحتفاليات، حرم منها الإنسان السوري لعقود طويلة، وتلقي الضوء على حصيلة وعي، استخدم الموروث التاريخي والتراث الشعبي، وكيّفه في خدمة الحراك الثوري ومطالب وتطلعات غالبية الناس في سوريا.

ولا تغادر مصادر ومراجع كتابات الثورة، ولغتها، تأثيرات ثورات الحرية والكرامة العربية، أو ما عرف بثورات الربيع العربي، إضافة إلى عمق ارتباطها بجذور عميقة، تمتد إلى الثقافة الشعبية، والحديثة، وتنهل من المعرفة، والحس السياسي، ومن التراث الشعبي، وترتبط بالزمن السوري الضارب عميقاً في التاريخ، وفي الوجدان، وحيث الأشواق والأمنيات. وعليه فإن محاولة دراسة المصادر الثقافية والتراثية التي نهل منها السوري، لا تنفصم عن فهم ظاهرة الحراك الثوري الاحتجاجي، وتبيان مصادر الشعارات والكتابات، التي تشكل ثقافة جماهير المحتجين، بوصفها ثقافة ثورة الإنسان السوري الجديد.

المنهج والمقاربة: رسائل إعلامية تنهل معين حياة الناس!

ننطلق هنا من النظر إلى اللغة بوصفها مكوناً أساسياً للتواصل بين الناس، وإطاراً للمفاهيم الثقافية والسياسية والاجتماعية، التي تمتلك رمزية خاصة ( ). ويجري الخوض في شعارات مرحلة التأسيس، والتظاهر السلمي في الثورة السورية، التي بدأت إهاصاتها الأولى مع مظاهرة الحريقة ( )، القلب التجاري للعاصمة دمشق، بتاريخ 17 من شباط / فبراير 2011، ثم مع تظاهرة سوق الحميدية ( ). لتنلطق بعد ذلك من درعا مهد الثورة في الثامن عشر من آذار / مارس 2011، وامتدت على طوال فترة سبعة أشهر من الحراك السلمي لناس عزّل، لتنتهي في "جمعة ماضون حتى إسقاط النظام"، المؤرخة في 16 أيلول / سبتمبر 2011، ورفع خلالها شعارات عديدة، أهمها: "عندما نقتل نزداد إصراراً"، و"عندما نعتقل نزداد إصراراً"، وشعار "الثورة انطلقت، ولن يوقفها، سوى إسقاط النظام"، بوصفه الشعار، الذي نفترض جدلاً أنه أعلن اكمتال مرحلة "التظاهر الأعزل" في الثورة السورية، وسيرها نحو مسارات متعددة ومتغايرة.

ويرتكز الاهتمام بالشعارات من زاوية النظر إلى رمزية الشعار السياسي في الثورة السورية، لكن من منطلق اعتبار أن الشعارات السياسية، في زمن الثورة، تشكل ظاهرة، تنهل من معين حياة الناس وذاكرتهم، وتعكس طموحاتهم ومطالبهم وآمالهم وتطلعاتهم، ولها تفاعلاتها الداخلية والخارجية.

وتتأسس مقاربتا للغة الشعار السياسي على إدراك وفهم عام لعلاقة التناسب الطردي المتبادلة بين اللغة والفكر من جهة أولى، وبين اللغة وطبيعة الثورة السورية من جهة أخرى. ولا شك في أن هذا يستلزم تحديداً أوليًا، لتبيان وظائف لغة الشعار السياسي، والنهج الذي تعمل به، والإرهاصات والتداعيات التي تنتُج عن استخدامها، إلى جانب تحديد كيفية انتشارها وامتداد جذورها.

وقد مثلت الشعارات والكتابات الجدارية، في مرحلة التأسيس والتظاهر الأعزل للثورة السورية، رسائل إعلامية، وراءها مرسل يبعثها ومستقبل يتلقاها، مثلها في ذلك مثل أية رسالة إعلامية أخرى، يضع المرسل في اعتباره وجهة الرسالة، وغايتها، والهدف المتوخى منها، ولذلك يتأثر شكل الرسالة ومضمونها على الداوم بطبيعة المرسل والمستقبل .

ويمكن القول أن الثورة السورية تميزت بشعاراتها السياسية والمطلبية والاجتماعية( )، واختلفت مضامينها ولغتها، باختلاف مراحل أو أطوار الثورة، التي بدأ حراكها الشعبي سلمياً، ثم بات لها مركبات ومكونات وأطر تنظيمية وسياسية وإعلامية وعسكرية.

3- مركبا التأسيس: الشعب السوري ما بيذل!

صدحت حناجر المحتجين في التظاهرات السلمية بشعارات عفوية أحياناً، ومفكّر فيها في غالب الأحيان، لكنها اكتسبت حمولات عديدة مع تحول التظاهرات اليومية إلى مشهديات بصرية وجسدية، وتشكيلات فنية، تمازجت فيها شعارات وأغاني الثورة الجديدة مع ما يختزنه الموروث الشعبي، من أغاني وأهازيج وعراضات، محلية شعبية، مع ابتكارات فنية جديدة، لم تشهد سائر ثورات العالم الحديث مثيل لها.

وركزت الشعارات المرفوعة على الكرامة والحرية، حيث انطلق شعار "الشعب السوري ما بينذل" بوصفه أو شعار في الثورة السورية، هتفت به جموع من السوريين في منطقة "الحريقة" بدمشق، وتأقلم نفس الشعار في درعا في صيغة "الموت ولا المذلة"، بعد سقوط عدد من الشهداء، ثم تحولت لغة الشعارات، من رفض المذلة وإعلاء قيمة الكرامة، وتفضيل الموت على الخضوع، إلى المطالبة بالحرية، وجعلها مقام تشييد للغة الثوار، وذلك بالتلازم مع رفض الاستمرار في العيش في ظل الوضع القائم. وبات شعار "الله سوريا حرية وبس"، يكمل ثنائية الكرامة والحرية، بوصفهما مركبا التأسيس للثورة السورية.

وجرى التأسيس للثورة السورية حول مطالب وشعارات وطنية جامعة لكافة الفئات، تمحورت حول الكرامة والحرية، إضافة إلى مطالب اجتماعية، وتجاوز التحريض والنزعات الطائفية، وصولاً إلى المطالبة بإسقاط النظام.

وإذا كانت الشعارات الأولى تتمحور حول الحرية والكرامة، إلا أنه مع الامتداد الأفقي للحراك ( )، كرّس الالتفاف حولهما تعاضد فئات اجتماعية وسطى وفقيرة واسعة، أجمعت بواسطة الدم والتضحيات على لحمة خيوط النسيج الوطني الحديث، وعلى وحدة السوريين، بمختلف مدنهم وبلداتهم وقراهم، وبمختلف أطيافهم الدينية والمذهبية والاثنية، جسدها شعار "واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد"، بل إن الشعار ذاته، "بالروح بالدم نفديك يا درعا"، أعلن امتداد التعاضد والتكاتف إلى مختلف المناطق، حيث تناوبت وتتالت أسماء المدن والبلدات السورية الأخرى فيه، من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق.

وبالرغم من محاولات تنمية وتقوية مختلف الانتماءات ما قبل المدنية، من مناطقية وعشائرية وطائفية ومذهبية، التي فعلت فعلها على مدى عقود عديدة من الزمن، وأنتجت وعياً إيديولوجياً زائفاً، بل ومقلوباً وعصابياً، وسلوكاً أقلّوياً لدى البعض، إلا أن جموعاً هامة من الناس لم تنكص إلى انتماءاتها الضيقة، بل تبنت انتماءات إنسانية واسعة، من دون القفز على - أو تجاوز - انتمائها الوطني، ولم ترتهن إلى نزعات جهوية أو فئوية أو أنانية وذاتوية. وانطلقت شعارات ترد على الشحن الطائفي الذي قام به النظام منذ اليوم الأول للثورة، مثل "نحنا بدنا الحرية..إسلام ومسيحية..ودروز وعلوية". "لا إخوان ولا سلفية..نحنا بدنا الحرية". و"لا سلفية ولا إخوان..ثورتنا ثورة شجعان". و"لا سلفية ولا إرهاب..ثورتنا ثورة شباب".

ولا يعدم الأمر وجود ارتكاس في بعض الحالات إلى مختلف الانتماءات ما قبل المدنية، بسبب غياب المواطنة، إلى جانب ممارسات وسياسات التمييز، والاضطهاد والقمع والتهميش، من طرف سلطة طاغية، عاملت الناس على أساس كونهم رعايا لها، وليسوا مواطنين في دولة، لهم حقوقهم، وعليهم واجبات، يضمنها دستور البلاد. إضافة إلى تعميم الخوف، ونشر ثقافة الخوف، التي سادت، بوصفها ظاهرة مقيمة، تحول - في ظلها - ناس كثر إلى كتلة صماء من الخانعين، الذين لا يتفوهون، إلا ما تقوله السلطات والأجهزة السياسية والإعلامية، وليس لهم إلا السمع والطاعة، وترداد الشعارات الطانة.

التحول نحو إسقاط النظام!

ومع تزايد سقوط الشهداء وسيلان الدم في الشوارع والساحات تغايرت الشعارات، لتطالب بإسقاط النظام ورحيل رمزه، ولإظهار التضامن والتعاضد مع مختلف المدن والبلدات التي تعرضت للقمع الشديد. وعند بروز المكون العسكري من منشقين عن الجيش النظامي ومدنيين، راحت الشعارات تطالب بحماية المدنيين، وتحيي الجيش الحرّ، وتطالب بالتسليح، وسوى ذلك ( ).

في شعارات التأسيس للثورة، اُختصر الشعار السياسي في أبسط صوره، في كلمة واحدة، هي "حرية"، يؤطرها الترداد وحركات الأيادي والأجساد، وتصدح بها حناجر المحتجين، صغاراً وكبار، نساء ورجالاً. ويستمد اقتضاب الشكل روحيته من تركيب المعنى، بالنظر إلى أن هذا اللفظ البسيط يحيل في البداية إلى معرفة ثقافية خاصة في اللغة العربية، لكن هذه المعرفة تتجاوز حدود ما تمثله الدائرة اللسانية، لأنه اكتسب بعداً عربياً ثم بعداً عالمياً. والفضل يعود إلى الثورات العربية في تحول الشعار إلى مفهوم له أبعاد إجرائية متنوعة على مستوى القراءة، حتى باتت كلمات مثل "حرية" و"ارحل" مقروءة عالمياً، وغدت كل منها علامة من غير تركيب، تقترح خطابات عالمية، وتدرك ضمن المقولات المشكلة.

ولا يغيب عن لغة شعارات الثورة عنصري الذات والذاكرة، فـ "أنا" المحتج ليست حاضرة في صرخاته فقط، بل حاضرة في أكثر من خطاطة وشعار( ). وتحول العديد منها إلى مقولات مفهومية في الثورة، حولت أصحابها إلى أيقونات.

الذاكرة والتاريخ:

جرت الإحالة في أكثر من شعار إلى الذاكرة السورية والتاريخ السوري، حيث راح المحتجون في درعا، مثلاً، يرددون شعاراتهم على وقع الأهازيج، التي تزخ بها منطقة حواران، من "الميحة"، و"السحجة"، و"الدرازية"، و"الجوفية"، و"الشعرافية، و"الحورانية"، و"الشمالية" و"النسورانية"( ). ولعبت الأهازيج والعراضات ومختلف أنواع الدبكات والرقص دورها الخاص في التأثير المباشر في الناس، وفق طبيعة تعبيرية خاصة. وباتت تتحكم في الانفعالات ولا تكترث للمفاهيم، بوصفها شعلة تضيء ظلاماً. وفي حالات الانفعال لا يفكر الإنسان، لذلك ارتبطت الموسيقى والأهازيج بالجسد الفاعل، والجسد المتحرك. وهذا ما يميز طبيعة الهوى، بوصفه تجاوز الحدود العادية المحرر للانفعال والدافع به في كل الاتجاهات. وقد تتحقق ذلك في التظاهرات التي عمّت مختلف المدن والبلدات والقرى السورية، من خلال تلاطم أمواج أجساد المتظاهرين في مشهديات، لم تعرفها سوريا من قبل( ).

ولعل الجديد الذي قدمته الثورة السورية في حركات الجسد هو تسونامي الأجساد، والكرنفالات أو الاحتفاليات المرافقة لها، حيث، وبتنظيم متناغم ومدروس، تصطف أجساد المتظاهرين بشكل خطوط وصفوف أو دوائر في ساحة أو شارع، ثم مع ترداد الشعارات يجلسون دفعة واحدة، وحين تشتد الحماسة في مقطع معين من الشعارات أو الأغاني، تنهض الأجساد دفعة واحدة، يليها الارتفاع ثم الانخفاض في حركات تشبه الأمواج المتتالية بتسارع متناغم، مشكلة تسونامي أجساد بشرية.

ولا شك في أنه لا يمكن للمحتجين أن يتظاهروا لساعات وأيام وشهور دون أن يغنوا، وينتجوا أغانيهم الخاصة بهم في كل منطقة أو حي أو بلدة، ويرددوا شعارات لها وقع وتأثير في الأذن قبل العقل. وباعتبار أن الدبكات المرافقة للأهازيج والعراضات تطاول الجانب الحسي من الإنسان، فإن هذا الجانب عندما يتجسد في الجسد الثائر، فإنه يحتاج إلى طاقة روحية، لكي يستمر، ويفرز كل طاقاته ومكنوناته، فكثير من المتظاهرين اكتشفوا أجسادهم وأصواتهم، لأول مرة، في حياتهم في ميادين التظاهر وخلال فسحات الحرية.

مشهديات التشييع:

لعل ما يلفت النظر هو الشعارت التي تطلق في مراسم الدفن، مثل "يا شهيد ارتاح ارتاح… رح منواصل الكفاح". و"يا شهيد و يا مجروح… دمك هدر ما بروح". "والله لناخذ بالتار… جهّز حالك يا بشار".

وتحولت مراسم دفن الشهداء، الذين يسقطون يومياً برصاص وقذائف وصورايخ وبراميل قوات النظام، إلى طقوس احتفالية، تروي وتجدّد حكاية الشهادة، حيث يستحضر مشيعو مواكب أموات السوريين التاريخ ويبعثرونه، ويُعيدون ترتيبه، بغية صناعة مستقبل جديد.

وأمام مشهديات التشييع، يتوجب الوقوف طويلاً، لتفحّص ملامح الثائرين، أولئك الذين يخرجون – كل يوم - إلى التظاهرات رافعين جثامين الشهداء، قبل أن يرفعهم رصفائهم في نعش جديد. أبطال حالمون بالحرية، مجهولو الاسم والعنوان. أشادوا مقام البطولة الماثلة في إسقاط الخوف. ومن يقتل الخوف يمكنه أن يفعل ما يريد.

ويمتد الأمر إلى معنى أن يشيع إنسان أحد رصفائه، وهو يعلم أنه قد يأخذ مكانه في تابوت التشييع في يوم ما، لذلك يأخذ طقس التشييع معنى مختلفاً في زمن الثورة السورية، ويثير انفعالات خاصة، حين يحمل نعش الشهيد، الملفوف بعلم الثورة، على أكتاف المشيعين الذين يدورون على محيط دائرة، تتسع مع الهتافات والصصيحات، فتزداد الحمية، ويتصاعد الهوى، ويصل الانفعال إلى حدّ النشوة الروحية، ويبلغ الحال أوجه.

لقد باتت مشاهدة الموت في سوريا يومية، ويمكن أن تحدث في أية لحظة، ولعل الموت فجائي، ولحظته أقصر من أي تسجيل مصوّر يُبثّ على "يوتيوب". ويمكن مشاهدة الموت عبر لقطة تظهر رجلاً ملفوفاً بكفن أبيض، تحيط برأسه شرائط بيضاء، وتحشو أنفه قطعة قطن بيضاء. لكن الموت أيضاً تحول إلى شبح يحوم فوق الأطفال والرجال والنساء والشيوخ، حيث يحولهم إلى مجرد أجساد أطفال مكدسة فوق بعضها البعض، في خطوط طويلة لا تنتهي. إنه موت السوريين المكدسين بسرعة خارقة، ومع ذلك يمكن القول أن لا شيء يخفف من رغبة السوريين في الانعتاق والتحرر، والرغبة في الوصول إلى فضاءات جديدة، وبناء صروح الحرية وتشييد مقاماتها.

لغة الشعارات:

تشير لغة الشعار السياسي في الثورة السورية إلى رمزية خاصة، وإلى تحولها وتجسدها في ثنايا خطاب يتوجه إلى عموم السوريين، حتى باتت مكوناً أساسياً للتواصل بين المحتجين والجمهور العام، الأمر الذي شكّل ظاهرة لمأسسة مفاهيم الثورة، ومخاطبة جموع الداخل والخارج.

غير أن من ينظر في لغة شعارات الثورة السورية التأسيسية، يجد أنها لم تك أسيرة التظاهرات والاحتجاجات وظرفيتها، بل إن كثيراً منها لا يصلح للإنشاد في المظاهرات، مثل شعار: "مظاهراتنا سلمية.. مطالبنا شرعية". "أثبت العرب والمسلمون أن المعتصم أسطورة وان مقولة واه معتصماه خيال علمي بعد تجارب كثيرة على نساء وأطفال سورية". "النظام اللي بيجيك منو شبّيح سقّطوا واستريح". "الشعب الفلسطيني المذبوح يتضامن مع الشعب السوري المذبوح". "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا". "تصبحون على وطن". تصبحون على حرية"... و"عمو الشهيد عدنان وهبة سلمّ لي على رفئاتي أطفال الحولة". ثم "سوري = علوي + درزي + مسيحي + سني + اسماعيلي + إلخ".. "الفرق بين العدل والانتقام كالفرق بين الثورة والنظام". "رصاصكم لن يقتل سوى الخوف فينا".

وتنطوي كلمات مثل هذه الشعارات على أبعاد، تتجاوز ما يخاطب وجدان المتظاهر، ففيها خيبة ورجاء وحزن وفرح، تشكل ما هو أعقد من توظيفها في تظاهرة أو حراك احتجاجي إلى ما هو وطني. وبالتالي، يمكن القول بأن لغة بعض شعارات الثورة، تسعى إلى تجاوز الثورة للوصول إلى ما هو دائم ومستمر في الناس، أي تجاوز الجوهر السياسي للشعار السياسي إلى جوهر إنساني، الأمر الذي يكشف أن الثورة السورية هي ثور إنسانية بالدرجة الأولى، قبل أن تكون ثورة سياسية واجتماعية.

..............................

المراجع:

1- بنكراد سعيد، الصورة الإشهارية آليات الإقناع والدلالة، المركز الثقافي العربي، ط1، بيروت، 2009.

2-بكراد سعيد، استرتيجيات التواصل الإشهار، دار الحوار، اللاذقية، ط1، اللاذقية، 2010.

3-بشارة عزمي، سورية: درب الآلام نحو الحرية - محاولة في التاريخ الراهن، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ط1، 2013.

بالفرنسية:

-1 Jürgen Habermas, Theorie de l’agir communicationnel, Trad .JM. Ferry, Paris, 1987.

............................

الهوامش:

- مانفريد فرانك، حدود التواصل، ترجمة عز العرب الحكيم بناني، الدارالبيضاء، 2002، ص 15،

وكذلك: J.Habermas, Theorie de l’agir communicationnel, Trad .JM. Ferry, Paris, 1987, T.1, p.9

- انطلقت مظاهرة عفوية في سوق الحريقة في دمشق، للمرة الأولى منذ أربعة عقود، وصل عدد المتظاهرين إلى ما يقارب الألفي شخص، احتجاجاً على إهانة أحد رجال الأمن لابن أحد التجار، ردد خلالها المتظاهرون، شعار "الشعب السوري ما بينذل"، لأول مرة، وخوفاً من امتداد المظاهرة، حضر وزير الداخلية في محاولة لامتصاص غضب المتظاهرين والتفاهم معهم، ووعد بمعاقبة رجل الأمن والضابط المسؤول عنه.

- شهدت العاصمة دمشق، يوم الثلاثاء 15 مارس 2011، مظاهرة احتجاجية في سوق الحميدية والجامع الأموي، تطالب بالحرية، شارك فيها العشرات. واعتقلت قوات الأمن ستة من المحتجين. وأظهر شريط فيديو عرضته، بعض المواقع المعارضة للنظام، عشرات المواطنين نساءً ورجالاً، وهم يتظاهرون في سوق الحميدية المجاور للجامع الأموي في وسط العاصمة دمشق. وردد المتظاهرون شعار "الله سورية وحرية وبس"، لأول مرة، بينما كان مصور الشريط يعلن انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضة السورية، انظر: . www.youtube.com/watch?v=NwagE-jPSXA

- جمال شحيّد، شعارات الانتفاضة والموالاة في سوريا، مبادرة الإصلاح العربي، كانون الثاني/ يناير، 2012، أنظر: https://www.arab-reform.net/ar

- بدأ الامتداد الأفقي للثورة السورية منذ الأيام الاولى لها، حيث خرجت في أول يوم جمعة (جمعة الكرامة: 18/3/2011) مظاهرات في العديد من المدن والبلدات السورية، منها: درعا وحي الميدان والمزة والمرجة في دمشق، وفي الزبداني، وفي منطقة القامشلي وعامودا واللاذقية ودير الزور، وفي حمص وطرطوس، وإدلب وحماة وسواها. وفي جمعة الإصرار (15-4-2011) ، التحمت مظاهرة دوما بمظاهرة حرستا في مشهد مهيب، هز وجدان السوريين، ثم انضمت روافد من عربين وزملكا، وسارت الحشود الكبيرة إلى ساحة العباسيين في دمشق، كي تلتقي بمتظاهريين آخرين، وحاول المتظاهرون الاعتصام في الساحة لكن قوات الأمن واجهتهم بإطلاق الرصاص. وقبل ذلك بثلاثة دخلت الاحتجاجات أيضاً حرم الجامعات السورية لأول مرة ، في دمشق و" حلب " يومي الاثنين والثلاثاء 11- 12/4/2011 .

-حسب إحصاءات قاعدة بيانات شهداء الثورة السورية"، بلغ عدد الشهداء خلال الشهر الأول للثورة 119 شهيداً، بينما ارتفع في الشهر الثاني إلى 724 شهيداً، ووصل إلى 1107 شهداء في الشهر العاشرمع عمر اللثورة، أنظر: https://syrianshuhada.com/?a=st&st=8 .

-مثل شعار: "علمني التاريخ...الذي يكتب بالدم لا يمحى".

4- تزخر حوران بالعديد من أنواع الدبكات الشعبية، أهمها "الميحة والسحجة والدرازية والجوفية والشعراوية والحورانية والشمالية والنسوانية"، التي اقترنت بالعادات الاجتماعية، وطبيعة العمل الزراعي، ومناسبات الأعراس والتقاليد الاجتماعية بالحقل والبيدر. وهي أنواع من الرقص، تعبر عن الأحزان والأفراح والاحتفالات، وتتميز بطابعها الجماعي التراثي.

-مشهديات تلاطم أجساد المتظاهرين، بدأت في أحياء مدينة حمص القديمة، في وقت مبكر من الثورة، لكن من أقوى المشهديات هي تظاهرة حماة في "جمعة إرحل" (1/7/2011)، التي شارك فيها أكثر من نصف مليون متظاهر، أنظر على اليوتيوب:

https://www.youtube.com/watch?v=8-QFVL5rDyI

وكذلك:

https://www.youtube.com/watch?v=LUfwil1bF38

التعليقات (5)

    ميمون نبهان

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    مرحبا

    أبو القاسم مصياف

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    جزء كبير من العنف المضاد المتشح بالتطرف الديني: هو رد فعل ظرفي من قبل جزء من المجتمع يتلقى ضربات دموية من عصابات الاسد الإرهابية .. وليس ظاهرة اجتماعية سورية تاريخيا إنها ثورة بألف ثورة كما قال الشهيد اسماعيل الشيخ حيدر والذي ثار بسياق ثورته على مافيا الاسد: على أبوه وزير مصالحة التركيع المخابراتي!

    اياد

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    لانصر لكم الا بطائفيتكم والعلويين ليس لنا باخوة فمن لم يشبح علينا بالسلاح شبح علينا على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي

    Soree

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    شعار الثورة الاول والاهم و بلا لف و دوران. العلوي عا التابوت و المسيحي عا بيروت ، لان من قام بثورتكم هم الحشاشة ، و بياعين البسطاط ، والعاطلين عن العمل و الأميين و المجرمين ، وانا من باب السباع و رافقت ثورتكم السوداء من أولها ،

    أبو القاسم مصياف

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    هذا الشعار كتبه عناصر مخابرات في حمص ومن فضحهم علويين مناصرين للثورة .. من بينهم صبية من آل عمران .. فحاجتكم كذب لعمى ما بتملو مافيا الاسد عصابة إجرامية وشرف كبير لمن يثور عليها وعار كبير لمن ينبطح لها
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات