أحمد عز "مواطن شريف"

أحمد عز "مواطن شريف"

05 مارس 2018

أحمد عز.. أقوى رجال جمال مبارك وأكثرهم توحشاً اقتصادياً

+ الخط -
صار من حق رجل المال والأعمال المصري، أحمد عز، أن يمارس حياته بشكل طبيعي، لينضم إلى قائمة "المواطنين الشرفاء" الذين ينعمون بصكوك البراءة من الخطايا والنزاهة من كل نقيصة. هو مهندس الاقتصاد والسياسة في مصر في السنوات الخمس الأخيرة من عهد حسني مبارك، قرّرت الحكومة المصرية التصالح معه في قضايا الفساد الاقتصادي، مقابل مليار وسبعمائة مليون جنيه مصري (حوالي 59 مليون دولار). هذا المبلغ الزهيد لا يقارن بمئات المليارات التي حصل عليها عز في بضع سنوات بأساليب قانونية، وإن كانت غير أخلاقية. لكن هذا المبلغ يكفي تماماً، من وجهة نظر الحكومة المصرية، لإجراء تصالح، وإنهاء القضايا المفتوحة ضده.
استندت المصالحة مع عز إلى تعديل قانوني، استحدث ليسمح بالتصالح في قضايا إهدار المال العام والإضرار المتعمد بالاقتصاد المصري. وللإنصاف، عز ليس الوحيد ولا الأول الذي استفاد من التعديل، فقد سبقه عدد من رجال مبارك الذين عادوا سالمين غانمين إلى شركاتهم وأنشطتهم الاقتصادية والصناعية. استفادوا جميعاً وحصرياً من هذا التعديل، حتى بدا كما لو أنه كان قد تم إعداده وتفصيله مخرجا قانونيا لتبرئة المتهمين في قضايا فساد اقتصادي من رجال مبارك وابنه.
إن كان في توقيت تبرئة أحمد عز دلالة ومغزى، فليس أهم من أنه أقوى رجال جمال حسني مبارك، وأكثرهم توحشاً اقتصادياً في حينه. كما لعب دور المهندس والمخطط لآخر انتخابات برلمانية في عهد مبارك (في العام 2010)، وكان يجهز أوراقه وتحالفاته وشبكات المصالح التابعة له وللحزب الوطني، لإجراء انتخابات الرئاسة عام 2011 ثم بعدها انتخابات المحليات. وعلى الرغم من أن الطريقة التي جرى بها ترتيب انتخابات 2010 و"تزبيطها"، فإنها كانت انتخابات فاشلة بامتياز، وكانت سبباً مباشراً في تأجيج الاحتقان وتهيئة الأجواء لإشعال ثورة 25 يناير. إلا أن الطريقة التي أديرت بها الاستحقاقات السياسية التي جرت في مصر بعد يونيو/ حزيران 2013، لم تختلف، في منهجها، عن طريقة أحمد عز ومنطقه. شهدت مصر استفتاء دستوريا، وانتخابات رئاسية، وأخرى برلمانية. وفي المرات الثلاث، كان الشبه شكلاً ومضموناً. في الأجواء، ونسبة المشاركة، وطريقة هندسة العملية برمتها، بما فيها القوانين المنظمة والحملات الإعلامية والإجراءات المصاحبة للتصويت، وأخيراً النتائج.
صحيح أن أحمد عز كان لا يزال رهن التحقيقات والمحاكمة، لكن شبحه، أو بالأحرى روح "المواطن الشريف" الذي فيه، كانت حاضرة وطاغية. كذلك الأمر في إدارة السياسات العامة، خصوصاً الاقتصادية. حيث جرت وتجري عملية إعادة هيكلة وتوزيع جديد لمراكز القوة ومفاتيح السيطرة والتحكم في الاقتصاد والخدمات والقطاعات الحيوية، على نمط أحمد عز، حيث الاحتكار و"التكويش" والمركزية في التخطيط والتنفيذ. بل يمكن بسهولة تذكُّر تسلطية عز، وقلة الخبرة السياسية لديه، عند التنكيل بالخصوم والاستهانة بوطأة الأوضاع الضاغطة بشدة على المواطنين البسطاء.
من المستبعد أن تتم الاستعانة بشخص أحمد عز، على الأقل علنا في المدى القصير. فهو من ناحية رجل جمال مبارك، ومن ناحية ثانية سيئ الذكر، إذ يحمّله المصريون وزر الكوارث الاقتصادية، وتردي مستوى المعيشة في أعوام مبارك الأخيرة. لكن النأي عن أحمد عز شخصياً، لا يعني بالضرورة قطيعةً مع منهجه ومنطقه وأدواته وأسلوبه في إدارة الاقتصاد، وأيضاً السياسة. وإلا لكانت القطيعة معه (شخصاً وتوجهاً) أولى، وهو متهم حبيس قيد التحقيق. فكيف الحال وهو حر طليق استعاد صفة "المواطن الشريف"، ويستطيع مباشرة كل حقوق المواطنة الكاملة، بما فيها الحقوق السياسية، انتخاباً وترشحاً. "المواطن الشريف" فكرة، وأحمد عز "نموذج" يجسدها. والفكرة والنموذج لا يموتان، بل يحيا كل منهما بالآخر.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.