بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 تشرين الأول 2018 12:01ص فضائح التوظيف السياسي: عشوائية ومحاصصة وفساد

تعاقد الخارجية مع ملحقين اقتصاديِّين نموذج لمخالفة القوانين

حجم الخط
يتزايد الانهيار والتدهور في مؤسسات الدولة بفعل فساد السلطة السياسية، وتتفشى ظاهرة التعاقد الوظيفي السياسي والعشوائي في الادارة اللبنانية، وتتصاعد رائحة المحاصصات والتقاسم السياسي لجميع وظائف الدولة دون مراعاة لأدنى المعايير التي تقوم عليها الوظيفة العامة. ولعل اخر هذه الفضائح والتي نضعها بتصرف مجلس الخدمة المدنية الذي يبقى الرهان والملاذ الأخير لأي محاولة جدية لاحياء الادارة العامة ونهضتها بعد تدهورها، هو اعلان وزراة الخارجية والمغتربين في قرارها رقم 78/و بتاريخ 20/12/2017 عن تنظيمها امتحان للتعاقد مع ملحقين اقتصاديين لدى البعثات الدبلوماسية في الخارج واصدارها لاحقاً القرار رقم 61/و بتاريخ 21/5/2018 نتائج هذه الامتحانات.
وفي نظرة سريعة للقوانين المرعية الاجراء لمبدأ التعاقد الوظيقي السائد في الجمهورية اللبنانية فلقد نص المرسوم الاشتراعي رقم 112 تاريخ 12/6/1959 تحت الفصل الرابع «المتعاقدون» وتحديداً في المادة رقم 87 «على أن الوزير يتعاقد مع لبنانيين او اجانب لمدة محددة للقيام بعمل معين يتطلب معارف ومؤهلات خاصة، ضمن حدود الاعتمادات المخصصة لهذه الغاية في الموازنة وفي نطاق العدد المحدد فيها»، وبتاريخ 2 أيار سنة 1997 صدر المرسوم رقم 10183 المتضمن: «تحديد اصول التعاقد واحكامه المنصوص عليه في المادة 87 من نظام الموظفين» حيث ينص في المادة «3» في الفقرات «1، 2، 3» على: «ان تضع الادارة الراغبة في التعاقد بيانا يحدد حاجتها الى هذا التعاقد وبالتعويضات المنوي تخصيصها لكل صفة تعاقدية، ويحال طلب التعاقد مرفقا بجميع مستنداته الى مجلس الخدمة المدنية على أن يحيل المجلس في حال توفر كافة المستندات, كامل الملف الى ادارة الابحاث والتوجيه للتحقق من الحاجة الى التعاقد المطلوب بجميع الطرق ووسائل الاثبات التي ترتئيها»، كما نص نفس المرسوم في المادة «6» «على أن يتم التعاقد على أساس مباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية»، وبتاريخ 9 حزيران 2000 صدر المرسوم رقم 3194 معدلاً المرسوم 10183 تاريخ 2/5/1997 حيث أضاف الى المادة الثانية من المرسوم 10183 تاريخ 2/5/1997 فقرة جديدة وهي: «تحدد المعارف والمؤهلات الخاصة الواردة في الفقرة 3 من هذه المادة بقرار من هيئة مجلس الخدمة المدنية بعد استطلاع رأي الادارة طالبة التعاقد على أن تكون المعارف والمؤهلات غير واردة في شروط التعيين لأي من الوظائف الملحوظة في الملاك الدائم للادارة المعنية». وأخيراً جاء القانون رقم 23 الصادر عن مجلس النواب اللبناني ليعدل المادة 87 من المرسوم الاشتراعي رقم 112 تاريخ 12/6/1959 وفقاً لما يلي: «يتعاقد الوزير مع لبنانيين لمدة محددة وللقيام بعمل معين يتطلب معارف أو مؤهلات خاصة، ضمن حدود الاعتمادات المخصصة لهذه الغاية وفي نطاق العدد المحدد فيها وذلك بموجب مباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية وفقاً للأصول».
مما لا شك فيه وبناءً على ما تقدم أعلاه، أراد المشترع صراحة ودون اجتهادات اسناد الدور الرئيسي والمحوري لمجلس الخدمة المدنية للقيام بأي تعاقد وظيفي مستنداً في ذلك الى المعايير العلمية والموضوعية والمرتكزة على الشفافية والكفاءة والابتعاد على التحاصص السياسي، كل ذلك في سبيل حسن سير الادارة العامة ونهضتها وزيادة كفائتها الانتاجية. 
بالعودة الى موضوع التعاقد مع الملحقين الاقتصاديين في البعثات الدبلوماسية والتي نستعرض هنا مخالفتها لقوانين كمثال عن التعاقد الوظيفي العشوائي بكل ادارات ومؤسسات الدولة، فلقد ضربت وزارة الخارجية والمغتربين عرض الحائط هذه القوانين والمراسيم المرعية الاجراء، وقامت لجنتها الفاحصة المشكلة في الوزارة والتي يرأسها الأمين العام لوزارة الخارجية والمغتربين بتجاوز القوانين وتهميش دور مجلس الخدمة المدنية، بل والغاء وجود هذه المؤسسة وحصرت الدور الرئيسي بها، ومنحت نفسها سلطات وصلاحيات لانتقاء والتعاقد مع مرشحين حسب ميولهم ومشاربهم السياسية والطائفية ودون أي اعتبار لمعايير الكفاءة التي لا يمكن للمقابلة الشفهية القصيرة المدة اكتشاف كفاءة المتباري بل يتطلب ذلك العديد من الاختبارات لاكتشاف هذه الكفاءة، وهذا الامر درج عليه مجلس الخدمة المدنية منذ القدم حتى يومنا هذا.
ومن اللزوم هنا، ولتفسير السلوك المريب لوزارة الخارجية والمغتربين في هذا الموضوع أن نعود الى الكلمة التي ألقاها الرئيس السابق لمجلس الخدمة المدنية الدكتور خالد قباني في المؤتمر العربي الأول للخدمة المدنية تحت عنوان الخدمة المدنية في بيئة متجددة الذي أشار الى أنه: «لم يزل التصرف في الإدارات العامة والمؤسسات العامة، من قبل بعض ممن يتولون المسؤولية، وكأنها اقطاعات للطوائف أو للعشائر والأحزاب والقوى السياسية، بل مقتنيات، يتم تقاسمها، بالتوافق طبعاً، ومن ثم استتباعها ، والتصرف بها، بعيداً عن مفهوم الخدمة العامة، والمصلحة العامة، وما يتضمنه مفهوم المرفق العام، من احترام لمبدأ المساواة بين المواطنيـن، وبما يعني التعامل مع الأفراد، باعتبارهم مواطنين، ينتمون إلى دولة قانون ومؤسسات. ولم يتم بعد مقاربة مفهوم دولة القانون، بما ينطوي عليه من خضوع الحكام والمحكومين، في تصرفاتهم وسلوكهم وكل أعمالهم إلى احكام القانون، واحترام القاعدة القانونية، وتطبيقها، وعدم الخروج عليها، أو التباهي في الخروج على أحكام الدستور والقوانين، واعتبار ذلك مصدر قوة ومدعاة افتخار. ولم يتم التوصل بعد، إلى تحييد الإدارة عن السياسة، وإبعادها عن الصراعات والنـزاعات السياسية، بل تستخدم الإدارة كسلاح وأداة استقواء في هذه الصراعات والنـزاعات، ويزج الموظفون والمواطنون في أتونها ونارها، فتقع الإدارة فريستها وأولى ضحاياها».
وأخيراً، لا يزال الرهان الأول والأخير اذا ما أردنا نهضة الادارة اللبنانية أن نعود الى المؤسسات الادارية وأولها مجلس الخدمة المدنية التي يجب ان يبادر فوراً الى وقف هذه المهازل الادارية وان يفرض دوره المركزي في التوظيف داخل الادارة اللبنانية دون ضغوط سياسية، وفي ما خص الموضوع أعلاه يجب على مجلس الخدمة المدنية التسلح بالشروط الأساسية التي فرضها المشترع لدخول القطاع العام سواء بالتعيين أو بالتعاقد وهي النجاح في مباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية لمختلف الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات الكبرى متحصناً بما يلزم اتخاذه من تدابير وإجراءات تنفيذاً لنص المادة /8/ من نظام الموظفين والمادة /54/ من القانون رقم 583 تاريخ 23/4/2004 (قانون الموازنة العامة لعام 2004) والمادة الأولى من القانون رقم 23 تاريخ 5/9/2008 (تعديل المادة /87/ من نظام الموظفين)، مما يحول دون قيام كل إدارة على حدة بإجراء المباراة الخاصة بها واختيار موظفيها بمفردها، لذلك فالمطلوب فوراً من مجلس الخدمة المدنية رد كل ما أقدمت عليه وزارة الخارجية والمغتربين، بل عليه أيضاً محاطاً بالشعب اللبناني الذي هو مصدر السلطات الضغط لكي يتم الأخذ بالنتائج النزيهة للامتحانات التي أجراها المجلس على مر السنوات السابقة بدلاً من الرضوخ للسلطة السياسية وفسادها المستشري، وستكون أعين الشعب اللبناني شاخصة لقرار المجلس فيما خص الموضع أعلاه تحت طائلة فقدان الثقة بأخر حجر صامد في المؤسسات الادارية وحينها سنكون أمام الانهيار المحتم للادارة اللبنانية.
«اللواء»