في الستين ومابعدها

عبد الغفار حسين

خلفان الرومي رجل المجتمع العالي

صادف يوم 6 إبريل/نيسان من هذا العام 2018، مرور عامين كاملين على رحيل بوفيصل خلفان الرومي، الشخصية المجتمعية المتميزة، التي تركت بصمات واضحة تدل على علو المقام والسيرة الحسنة. وكان خلفان الرومي، ثالث الشوامخ من الإماراتيين الذين رحلوا في أوقات ليست بينهم فواصل بعيدة من الزمن، كما كان الثلاثة متقاربين في العمر، تريم عمران وشقيقه عبدالله عمران وخلفان الرومي، الذين كانوا زملاء ومن جيل واحد، ونشأوا في بقعة واحدة في الإمارات وهي مدينة الشارقة.

كما صادف أن يكون الثلاثة من أوائل من تلقوا التعليم النظامي المتكامل الذي بدأت بواكيره في الشارقة في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وسبقت بذلك بقية مدن الإمارات العربية المتحدة، كما كان الثلاثة من الإماراتيين الأوائل الذين انتُدبوا في بعثات لتكميل تعليمهم إلى البلاد العربية، حيث كان خلفان الرومي أحد الذين بُعثوا إلى العراق، وفي بغداد أكمل الرومي تعليمه الجامعي، بينما أكمل زميلاه تريم وعبدالله عمران التعليم في مصر في جامعة القاهرة.

وبالرغم من أن العراق كان يومئذ يموج بالصخب الثوري والإيديولوجيات القومية والتشنجية في المجابهة، شأن العراق شأن عدد من الدول العربية التي حدثت فيها تغييرات في أنظمة الحكم، كمصر وسوريا وليبيا واليمن، والنتائج من هذا الصخب التي أصابت مناحي الحياة المختلفة وخاصة الأساليب الإدارية والاتجاهات السياسية ومناهج التعليم التي سُخّرت تسخيراً تاماً وذات تبعية مُسيرة لإدارة الثورة والثوار، لكن بوفيصل، خلفان الرومي، رحمه الله، لم يتأثر تأثيراً يغير من شخصيته الوادعة وميوله الهادئة وطباعه الإنسانية ودماثة خُلقه، تلك الصفات التي حالت بينه وبين التشنجية والتشددية، التي انتابت الكثيرين ممن تلقوا دراساتهم في تلك الأيام وسط الصخب الذي أشرنا إليه، ووسط الانفعالات العاطفية القومية والإيديولوجية، حتى أن البعض من هؤلاء لم يستطع العيش العادي ومسايرة التغييرات التي فرضت نفسها وواقعيتها بعد ذلك، فانكمش خاوياً في انزواء ملحوظ، بخلاف الشباب الأكثر وعياً الذين أدركوا كنه التحولات وما صاحبها من تغيير جذري في النظريات وواقع الحياة، من أمثال بوفيصل خلفان الرومي وتريم عمران وعبدالله عمران، ومن على شاكلة هؤلاء ممن برزوا في المجتمع الإماراتي وكانوا من المساهمين الأوائل في المشاركة في المسيرة نحو التقدم المطرد، تحت قيادة أولي أمره الواعين.

وفي الثلث الأخير من عقد الستينات في القرن الماضي، عاد بوفيصل من العراق، وعمل في بعض الدوائر التعليمية المحلية في الشارقة، ولكن الإعلان الإنجليزي للانسحاب من الخليج في عام 1968، أدى إلى خلق جو نشط للجان التي أنشئت للترتيب المطلوب لإعداد الدستور، واقتراحات القوانين والنظم لقيام دولة مستقلة، مما حدا بالمسؤولين أن يختاروا عدداً من الشباب المتعلم للمشاركة في هذه الترتيبات، وكان بوفيصل أحد هؤلاء الشباب الذين تم اختيارهم، وكانت لهم مساهمات كبيرة في اللجان والترتيبات المعدة لتشكيل الحكومة الاتحادية القادمة، وبوعي وإدراك، أثبت خلال الأحداث أنه أحد أكثر المؤهلين لتبوؤ مراكز عليا في إدارة الدولة الجديدة.. وكان بوفيصل العضو البارز في الوفد الذي انتدب إلى البلاد العربية لشرح المشروع الاتحادي المزمع قيامه.

وكان بوفيصل خلفان الرومي من أكثر المقربين إلى المغفور له الشيخ زايد وكذلك المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، اللذين وجدا في خلفان الرومي أحد أكثر الإماراتيين تأهيلاً للاعتماد عليه في المهمات من الأمور، كما كان خلفان الرومي أحد الأركان المهمة في مجلس الوزراء الذي كان يرأسه المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد، كما كان بوفيصل محل تقدير واحترام من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، وتلقى بوفيصل من الشيخ محمد تكريماً خاصاً في مناسبات عدة.

رحم الله أبا فيصل، خلفان الرومي، الذي فقدناه وهو في قمة عطائه، حيث كان مجموعة من الرجال تتجسد في شخصه، وكان بالفعل قامة من العلوّ والشموخ

جريدة الخليج