لم يكد يُناقش البند 27 في جدول أعمال مجلس الوزراء المتضمن عرض وزارة الطاقة والمياه للإجراءات المطلوب اتخاذها بأسرع وقت ممكن لإنقاذ قطاع الكهرباء حتى طارت الجلسة. لكن التقرير الذي أعدّه وزير الطاقة سيزار أبي خليل وزّع على أعضاء مجلس الوزراء عشية الجلسة، وفيه 13 قراراً يرى الوزير أنه ينبغي تطبيقها بأسرع وقت ممكن لإنقاذ قطاع الكهرباء. في البند الخامس من التقرير إشارة إلى تأمين طاقة إضافية بقدرة 850 ميغاواط.اللافت في هذا البند تضمينه ثلاثة احتمالات هي بالترتيب الموضوع من قبل الوزير: استجرار الطاقة من سوريا أو من معامل على الأرض أو في البحر. هل هذا يعني أن التيار الوطني الحر صار مقتنعاً بأن خيار البواخر لم يعد متاحاً، وفق الآلية الحالية؟ وهل يشكل استجرار الطاقة من سوريا خياراً جدياً بديلاً من خيار البواخر المتعثر، لأسباب قانونية وسياسية ومالية؟
عندما أثار رئيس الجمهورية موضوع الكهرباء منذ نحو شهرين، قال إن المطلوب كهرباء بأي طريقة كانت. ويبدو أن ثمة من اعتمد على هذا الموقف ليؤكد أن خيار استجرار الطاقة من سوريا هو خيار جدي وعملي وسريع، وحتى أوفر من البواخر.

لا كهرباء من سوريا حالياً
في تموز من العام الماضي، كانت بداية العودة إلى الاستفادة من الكهرباء السورية. حينها كان وضع التغذية سيئاً، وكان لبنان بحاجة ماسة إلى نحو 100 ميغاواط. تم التواصل مع دمشق. وفي غضون أسبوع تأمّنت كمية الطاقة المطلوبة، ثم تلاها استجرار 50 ميغاواط إضافية قبل أن يصل مجموع الطاقة المستجرة من سوريا في الخريف الماضي إلى 276 ميغاواط.
في ذلك الوقت اتفق على آلية دفع فعالة، تضمن عدم دفع عمولات، تنص على تحويل وزارة المالية لثمن الكهرباء إلى حساب في مصرف لبنان باسم كهرباء لبنان وخاص بالطاقة المشتراة من سوريا. بعد ذلك يقوم المصرف بتحويل المبلغ المرصود إلى المصرف التجاري السوري ـــ فرع لبنان، الذي يقوم بدوره بتحويل المبلغ إلى مؤسسة الكهرباء السورية.
هذه الآلية لم تكن بحاجة إلى أي ترتيبات قانونية، فقد جرت وفق اتفاقيات سابقة مع سوريا، لكن الاتفاقيات تتحدث عن 100 ميغاواط، لذلك طُرح الموضوع في مجلس الوزراء، وتم تمريره من دون أي اعتراض من رئيس الحكومة أو غيره من الوزراء.
الأهم أن آليه الدفع المطروحة لم تكن تخالف العقوبات الأميركية؛ فبيع الكهرباء ليس موضوعاً على لائحة العقوبات (بعكس النفط الذي يحظر بيعه أو شراؤه من سوريا)، كما أن الدفع لم يكن يتم لا بالدولار ولا باليورو بل بالليرة اللبنانية، قبل أن يقوم المصرف السوري بتحويل الأموال إلى سوريا بالعملة السورية.
سعر الكيلوواط 14 سنتاً ينخفض لاحقاً... والكمية تصل إلى 550 ميغاواط


تعثرت هذه الآلية عندما تأخرت وزارة المالية اللبنانية بالدفع، بالرغم من أن مؤسسة كهرباء لبنان كانت ترسل كتب موافقة على الدفع من موازنتها. واللافت هنا أن وزارة الطاقة التي لا تترك مناسبة لشنّ هجوم على وزير المالية، لم تحرّك ساكناً عندما تأخر عن الدفع، بل تعاملت مع الأمر بعدم مبالاة، أدت في النهاية إلى تخفيض سوريا للكميات المبيعة للبنان، وصولاً إلى توقف استجرار الطاقة منها تماماً في شهر تشرين الثاني (دفعت الدفعة الأخيرة منذ نحو شهر فقط).
التواصل مع سوريا تجدد منذ مدة. والأخيرة أبدت استعدادها لإعادة بيع الطاقة للبنان. وكانت المفاجأة في تأكيد السلطات السورية إمكان رفع الكمية المرسلة إلى لبنان إلى حدود 1000 ميغاواط، أي ما يتخطّى ما يمكن أن تؤمنه البواخر بـ150 ميغاواط. طبعاً لا يمكن للشبكة اللبنانية نقل هذه الكمية حالاً، بل ثمة حاجة إلى إعداد البنية التحتية لتلائمها، والأمر نفسه مطلوب في حال اللجوء إلى خيار البواخر. لكن الأهم أن 350 ميغاوط يمكن أن تصل إلى لبنان خلال نصف ساعة وعبر اتفاق يمكن أن تجريه مؤسسة كهرباء لبنان لا الحكومة. كذلك يمكن لهذه الكمية أن ترتفع ما بين 150 و200 ميغاواط في غضون ستة أسابيع فقط، لتصل في مجموعها إلى ما بين 500 و550 مغاواط يمكن أن يستفيذ منها لبنان في غضون شهرين فقط.

أسعار جديدة
تبقى مسألة الأسعار. لكن لا بد قبل ذلك من الإشارة إلى أن لبنان يستورد الطاقة السورية عبر ثلاث مناطق وبثلاثة أسعار مختلفة (يرتبط السعر بقدرة شبكة النقل). وبحسب الأسعار الرسمية، المبنية على سعر معياريٍّ لطن الفيول يبلغ 350 دولاراً، فإن استجرار الطاقة من «خط الـ400» عبر محطة كسارة للتحويل كانت كلفته 13.71 سنتاً للكيلوواط (تنقل الطاقة المنتجة بتوتر 400 ك. ف. إلى محطات التحويل الرئيسية التي تقوم بتحويل التيار من تيار عال إلى تيار متوسط ليتم بعدها تحويله إلى تيار منخفض يوزع على المشتركين)، ومن «خط الـ220» (نقل الطاقة بتوتر 220 ك. ف.) عبر محطة دير نبوح كانت الكلفة 16.25 سنتاً ومن «خط الـ66» (نقل الطاقة بتوتر 66 ك. ف.) عبر محطة عنجر 17.71 سنتاً (كلما نُقلت الطاقة بتوتر أقل كلما ازداد ثمنها). في المقابل، فإن سعر الشراء من الباخرتين الحاليتين (وفق سعر 350 دولاراً لطن الفيول) هو 13.98 سنتاً. وهذا يعني أن تكلفة شراء الكهرباء من سوريا عبر إحدى المحطات أقل من الباخرتين، فيما تكلفتها عبر المحطتين ذات التوتر المنخفض أعلى من تكلفة البواخر.
لكن المفاوضات الجديدة مع المسؤولين السوريين، بحسب مصادر مطلعة، أفضت إلى تخفيض سعر الطاقة المستوردة عبر خط «الـ400» نصف سنت، مع إمكانية استجرار 200 ميغاواط عبره فوراً. وكذلك تم التوصل إلى تخفيض سعر الطاقة المستجرة عبر «خط الـ220» 1.5 سنت، مع إمكانية استجرار 100 ميغاواط منه فوراً. وكذلك الأمر بالنسبة لـ«خط الـ66» الذي يمكن الحصول على 50 ميغاواط من الطاقة عبره فوراً.

استجرار أم بواخر؟
في المحصلة، فإن معدل كلفة استجرار 350 ميغاواط من الطاقة السورية عبر المحطات الثلاث، هو 14 سنتاً، أي إنه يساوي سعر استجرار الطاقة من البواخر تقريباً، علماً بأن تساوي السعر يعطي الأفضلية تلقائياً لخيار استجرار الطاقة لأسباب عديدة أهمها:
توفير 3 ملايين دولار سنوياً هي قيمة التأمين على البواخر.
توفير أكلاف الخدمات الإدارية وكلفة رسوّ الباخرتين في المياة اللبنانية.
توفير كلفة تجهيز البنية التحتية لربط المعامل العائمة بالشبكة.
تحرير الأجواء اللبنانية من التلوث الذي ينتج من المعامل.
زيادة ساعات التغذية بالتيار بشكل أسرع.
سهولة انخفاض سعر الاستجرار مع انخفاض سعر الفيول، بعكس البواخر، التي لا تتأثر أسعارها جوهرياً بتغير أسعار الفيول، على ما تشير التجربة.
عدم تمكن مافيات الفيول من الاستفادة من بيع الفيول على حساب الخزينة اللبنانية.
وكل ذلك إلى تعهد السلطات السورية، بحسب المصادر، بإعادة النظر بكل الأسعار بعد فترة، ربطاً بالتوفير الذي تحققه الدولة السورية في عملية إنتاج الكهرباء دورياً.
مع إضافة 200 ميغاواط المتاح استجرارها خلال شهرين فقط، إذا أنجز لبنان تأهيل شبكة النقل لتتمكن من نقل هذه الكمية (الأمر نفسه مطلوب في حال اللجوء إلى خيار البواخر)، يكون 70 بالمئة من الطاقة التي كان يفترض أن تشترى من البواخر قد تأمنت بسرعة أكبر، ومن دون الحاجة إلى مخالفة القوانين أو إجراء مناقصة جديدة، علماً بأن الـ300 ميغاواط المتبقية يمكن تأمينها عبر خيارات عديدة كالمولدات الحالية (طالما أنه حتى في حال اللجوء إلى خيار البواخر لن يتم الاستغناء عن المولدات) أو شراء معامل صغيرة، أو حتى اللجوء إلى مناقصة جديدة للبواخر، لكن هذه المرة لتأمين 300 ميغاواط لا أكثر.
تبقى العقدة السياسية والحساسية من مسألة التعاون مع سوريا. لكن حتى ذلك لا يشكل مشكلة فعلية، أولاً لأن الحكومة سبق أن مررت هذا الخيار، وثانياً لأن حتى أشد المعادين لسوريا، كحزب القوات اللبنانية، لا يعارضون هذا الخيار، وتقول مصادرهم إن الأولوية هي لبحث الأسعار.