الإعلام الصيني ينافس وسائل الإعلام الغربية على التمدد في أفريقيا

أصبح الإعلام جزءا من استراتيجيات الدول في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم، وهو ما تنتهجه الصين لتأكيد حضورها الإعلامي في أفريقيا بمحتوى عالي الجودة يتحدى وسائل الإعلام الغربية الكبرى ويحقق أهدافها في التوسع عبر العالم.
الأربعاء 2017/05/10
وجود الإعلام الصيني في أفريقيا أمر لا مفر منه

بكين – اتجهت مؤسسات الإعلام الصينية مؤخرا إلى الاهتمام بالقارة الأفريقية وإنتاج تقارير ومواد صحافية عالية الجودة تنافس ما تقدمه وسائل الإعلام الغربية الكبرى، وذلك بالتوازي مع توسيع العلاقات السياسية والاقتصادية في القارة السمراء، وفق ما أكد خبراء.

واهتمت التقارير الميدانية، التي أنتجتها وسائل الإعلام الصينية بتمويل من الحكومة، بصحافة التنمية على وجه الخصوص، واعتمدت على صحافيين محليين يسعون إلى تصدير صورة إيجابية عن بلادهم، بحسب ما ذكر أندريا أندريا بريغا في مقال للموقع الإيطالي للمرصد الأوروبي للصحافة.

وقال بريغا إن اهتمام وسائل الإعلام الصينية بالدول الأفريقية لا يمثل نوعا من أنواع تطور الصحافة ومحاولتها استكشاف مناطق أخرى على سبيل التنوع الثقافي، وإنما هو انعكاس للأزمة المهنية التي تعيشها الصحافة العالمية، فقد أصبح الإعلام جزءا من استراتيجيات الدول في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم.

وبعد أن ازدهرت العلاقات بين الصين وأفريقيا سياسيا واقتصاديا، كان هناك جهد منسق من بكين لبناء وكالات الإعلام في أفريقيا وحول العالم حتى تتمكن من المنافسة مع القنوات الغربية، وخصصت بكين في عام 2009 حوالي 7 مليارات دولار لزيادة وجود وسائل الإعلام المملوكة للدولة في الصين بجميع أنحاء العالم ومن بينها وكالة “شينخوا” للأنباء وتلفزيون الصين المركزي وإذاعة الصين الدولية وصحيفة الشعب اليومية وصحيفة تشاينا دايلي.

ويعد توسع وسائل الإعلام الصينية في أفريقيا مؤشرا قويا على تحولات جيوسياسية تضع الصين في واجهة الساحة الدولية، كما يضع وسائل الإعلام والصحافة الصينية في مفترق طرق: إما تطوير صحافة مميزة وذات جودة عالية لخدمة الجمهور وإما اتباع ما تمليه الحكومة المركزية في بكين المتمثلة في الوضع الراهن في الدولة الاشتراكية “إنتاج أنباء صينية مخصصة لجمهور صيني”.

التقارير الصينية تميل إلى النموذج الغربي في الديناميكية لجذب جمهور جديد بشكل دائم وخلق تنافسية دولية

واسترعى توجه الإعلام الصيني إلى أفريقيا انتباه الباحثين إيجيليو غالياردوني من جامعة “ويتواترسراند” بجنوب أفريقيا ونييري بال من جامعة “فيريخ” بأمستردام اللذين قاما بدراسة حول الموضوع وخلصا إلى نتائج أخرى تقول إن الظاهرة تنطوي على نوع من التناقض في العمل الصحافي الصيني في أفريقيا.

وجاءت الدراسة تحت عنوان “تحرر لكنه غير كاف؟ الصحافيون الصينيون يجدون موطئ قدم في أفريقيا” لتؤكد أن الهدف من التقارير الصحافية الصينية عن أفريقيا يتمثل أساسا في إرضاء المشاهد الصيني الذي يهمّه التعرف على الفرص الاقتصادية ومجالات العمل الجديدة.

فالاستثمارات الصينية في البنية التحتية والفلاحة والمعادن تعد من أكثر المواضيع متابعة لدى القارئ الصيني حول أفريقيا.

وأضاف الباحثان في الدراسة أن الحضور الصحافي الصيني في أفريقيا يتمثل في نقطتين أساسيتين: الأولى تأكيد وجود وسائل إعلام صينية بأفريقيا على مستوى عال من الجودة وأن التنافسية تتحدى وسائل الإعلام الأجنبية الأخرى الموجودة مثل “بي بي سي” و“سي إن إن”.

أما النقطة الثانية فهي أن الصين تستعمل الإعلام كأحد وسائل القوة الناعمة الصينية في العالم، فالحديث عن إعلام صيني في أفريقيا هو ـ ضمنيا ـ حديث عن حضور الصين في شتى أنحاء العالم.

وقام الباحثان بين عامي 2012 و2014 بسلسلة من المحادثات المكثفة والعميقة مع صحافيين سابقين وحاليين من المتحدثين باللغة الصينية والإنكليزية في كل من نيروبي وأديس أبابا وهراري وأيضا مع المحررين في بكين.

وكشفت المحادثات مع الصحافيين أنه لا توجد روابط وثيقة بين المراسلين الصينيين والصحافيين الأفارقة المحليين، وذلك على الرغم من أهمية العمل الجماعي في مثل هذه الحالات، إلا أن الاختلاف الثقافي والخلفية الاجتماعية لعبا دورا أكثر أهمية من التعاون المهني.

وتكمن الفروقات بين الصحافيين الصينيين والأفارقة في كيفية النظر إلى العمل الصحافي من حيث المبدأ، فالمراسلون الصينيون يرون أن العمل الصحافي في أفريقيا يرتكز على صحافة المؤسسة مع الاحتفاظ بزاوية نظر “صينية” مهيمنة على نقل الأحداث في حين ينتهج الصحافيون الأفارقة مقاربة أكثر بساطة وآنية وهو ما يتطابق مع تراثهم الصحافي.

وذكرت الدراسة أيضا أن هناك نوعا من السيطرة والتوجيه الممنهج على الصحافيين المحليين لإنتاج ما يريده الصينيون.

وتتجسد الفروقات بين المراسلين الصينيين والصحافيين المحليين في ثلاثة عوامل رئيسية: أولها هو عدم وجود مصلحة ذاتية في القيام بأعمال صحافية استقصائية من قبل الصينيين في أفريقيا، لأن ذلك يظل مرتبطا بترقيتهم الوظيفية في الصين وبالتالي فمن المخاطرة القيام بنشاط صحافي ربما يضع المصالح الصينية في خطر.

ويتعلق العامل الثاني بهيئة التحرير في الصين، فالصحافي الصيني لا ينشر عمله مباشرة بل تمر مواده بعدة مراحل للتعديل أو ربما رفض النشر، وذلك وفق معايير تحريرية ومؤسساتية دقيقة.

أما العامل الثالث فيكمن في اختلاف العمل الصحافي الصيني عن نظيره الأفريقي في مسألة تقنيات العمل، فالتقارير الصينية تميل إلى النموذج الغربي في خلق ديناميكية في التقارير التي يتم بثها مع الإثارة ونقل أنباء سلبية أو محايدة عن الواقع الأفريقي لجذب جمهور جديد بشكل دائم وخلق تنافسية دولية.

وفي الجهة المقابلة ترى وسائل الإعلام الأفريقية أن وجود الصين في أفريقيا أصبح اليوم أمرا لا مفر منه، بدءا من مشاريع البنية التحتية الضخمة إلى السلع الرخيصة في كل مكان.

وتعتبر الكثير من دول القارة ذلك صعودا للدعاية الصينية، حيث كانت بكين واضحة في إبداء رغبتها في خلق نظرة أكثر إيجابية في أفريقيا، وفق ما روّجت وسائل الإعلام الصينية.

18