إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراعات في دول حول النيل والتغلغل الأجنبي، وأثره على الأمن القومي






جنوب شرق آسيا
دول الخليج العربي



المبحث الأول

المبحث الرابع

الصراعات في دول الحوض الجنوبي

ترتب على استقلال الدول الأفريقية ظهور دول حديثة تفتقر إلى مقومات التجانس العرقي، بفعل ظاهرة التقسيم الحدودي، خلال الحقبة الاستعمارية، خلال فترة صراعها المستمر للاستيلاء على القارة. لقد نُفّذ هذا التقسيم لأسباب اقتصادية وسياسية، ولم يراعِ الحدود الطبيعية أو حركة القبائل واستقرارها داخل المناطق، أو الوحدة القومية لشعوب المناطق المقسمة. فالمجتمع الأفريقي له طبيعة خاصة، فهو يتألف من جماعات قبلية، وعلى الرغم من أن القبيلة لعبت في الماضي دوراً إيجابياً، إلا أنها أصبحت في الحاضر عاملاً معوقاً أمام تحقيق الوحدة القومية وبناء الدولة الحديثة، حيث إن الولاء القبلي يعلو على الولاء للدولة.

إن وجود جماعات إثنية متعددة داخل الدولة الواحدة يثير النزاعات بين هذه الانتماءات، التي تسعى للوصول إلى السلطة، وفي هذا مدخل للتدخل الأجنبي، أو قد تلجأ هذه القوى المتعددة إليه. ويُعد الصراع الإثني في أفريقيا أكثر وضوحاً، لأن الحدود السياسية للدول في الأغلب الأعم لم تتطابق مع حدود الجماعات الإثنية، وهذا منشأ الصراع.

أولاً: جذور الصراع في دول هضبة البحيرات العظمى

شهد الوضع الأمني في إقليم البحيرات العظمى نوعاً من التأرجح بين الهدوء والتوتر، وقد تعرض هذا الوضع إلى اختبار مهم، خلال عام 2004، حيث وردت تقارير عديدة عن أنشطة عسكرية عبر الحدود المشتركة بين الكونغو الديموقراطية وكل من رواندا وأوغندا، بالإضافة بالقطع إلى الحرب الدائرة بجنوب السودان بين قوات الجيش السوداني وحركة تحرير الجنوب، التي تهدأ لفترة ثم سرعان ما تشتعل مرة أخرى (اُنظر خريطة الدول المتشاطئة على البحيرات).

1. الصراع في الكونغو الديموقراطية وتدخل دول الجوار

مع تولي "جوزيف كابيلا" السلطة خلفاً لوالده "لوران كابيلا"، أعلن استعداده للتحاور مع أطراف الصراع الأخرى، وخاصة رواندا وبوروندي وأوغندا. وبالنسبة للاتفاقات مع أطراف الصراع، فقد اجتمع "جوزيف كابيلا" مع وزير خارجية بوروندي في كينشاسا، في يناير 2002، واتفقا على استعادة الثقة ومطالبة الأمم المتحدة بنشر مراقبين عسكريين على الحدود بينهما، وتعهدت الكونغو الديموقراطية بالموافقة على مشاركة الجماعات البوروندية المسلحة في عملية أروشا للسلام في بوروندي.

والتقى "كابيلا" أيضاً مع الرئيس الرواندي والرئيس الأوغندي، حيث كان البحث عن وسيلة سلمية للصراع تضمن إنهاء أعمال القتال وانسحاب القوات المتداخلة في الكونغو. ونجحت بعد ذلك جنوب أفريقيا في إقناع الكونغو الديموقراطية ورواندا بتوقيع اتفاق سلام، في بريتوريا، في 30 يوليه 2002. كما نجحت الوساطة الأنجولية في إقناع الكونغو الديموقراطية وأوغندا بتوقيع الاتفاق الذي عُقد في لواندا، في سبتمبر 2002، وقد تم الاتفاق على انسحاب القوات الأوغندية من الكونغو الديموقراطية، في مقابل تعهدها بعدم دعم المعارضة الأوغندية.

كذلك نجحت حكومة كينشاسا في التوصل لاتفاق سلام مع حركات التمرد المسلحة والقوى السياسية، بوساطة جنوب أفريقيا، في ديسمبر 2002. وقد تضمن الاتفاق تشكيل حكومة وحدة وطنية تتقاسم فيها الحقائب الوزارية بالتساوي.

ورغم تولي "جوزيف كابيلا" الابن السلطة خلفاً لوالده، بعد إجراء أول انتخابات رئاسية تعددية، في إطار عملية انتخابية، تمكنت الأمم المتحدة من إدارتها ومراقبتها بقدر كبير من الحياد والشفافية، وتوقع الكثيرين اتجاه البلاد للاستقرار، إلا أنه في نوفمبر 2006، انطلقت من إقليم كيفو الشمالي حركة تمرد مسلحة، تولاها ما يُعرف باسم "المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب" الذي يبلغ حجم قواته المسلحة خمسة آلاف مقاتل. وقد سعت الحكومة لاحتواء هذا التمرد من خلال تسوية تقضي بدمج المقاتلين (قوات الجنرال نكوندا) في وحدات القوات المسلحة الكنجولية، ووقع اتفاقان للسلام ولوقف إطلاق النار مع الجيش الحكومي، في سبتمبر 2007، ويناير 2008.

وعلى الرغم من ذلك استأنفت قوات "نكوندا" القتال ضد القوات الحكومية، في نهاية أغسطس 2008، وأعلن "نكوندا" عن نيته في الاستيلاء على جوما عاصمة إقليم كيفو، ثم الزحف إلى العاصمة لإسقاط نظام "جوزيف كابيلا".

وأشارت التقارير إلى دور مهم لدول الجوار لدعم المتمردين من جانب رواندا وأوغندا المجاورين لإقليم كيفو. أما رواندا فواصلت التهديد بالتدخل في الكونغو ما لم توقف الهجمات المتصلة التي يشنها المتمردون من جيش رواندا السابق والجماعات المتمردة من الهوتو، مثل القوى الديموقراطية لتحرير رواندا. وأما دعم أوغندا للمتمردين فقد أكدته الحكومة الكونجولية عندما اتهمت أوغندا صراحة بتوفيرها الدعم والإمدادات العسكرية للمتمردين.

وقد علل "نكوندا" هذا التمرد بدعوى حماية المواطنين التوتسي من الهجمات التي تقوم بها جماعات الهوتو الروانديين، وتواطؤ الحكومة مع القوات الأجنبية، وعدم اتخاذ خطوات إيجابية لوقف الاعتداءات على التوتسي، بل اتخاذها سياسات تمييزية ضد التوتسي. بينما تلخص الموقف الحكومي الكونغولي بمطالبة المتمردين بوقف إطلاق النار والانضمام للجيش الحكومي، ورفض الدخول في مفاوضات مباشرة مع المتمردين.

2. الصراع في أوغندا

تضم أوغندا خليطاً من الجماعات الإثنية ذات الديانات واللغات المتنوعة، ورغم أن التنوع لا يمثل مشكلة في كل الأحوال، إلا أن الوعي بالتنوع والاختلاف الإثني ظل ولا يزال يمثل مشكلة وأزمة حقيقية في أوغندا، حيث ينقسم سكانها إلى شمال يمتلك القوة العسكرية ولكنه محروم اقتصادياً، وجنوب غني اقتصادياً ولكنه يفتقد إلى القوة العسكرية، ما أثر على عملية الاندماج الوطني، وساعد على نشأة العديد من جماعات المعارضة المسلحة ضد النظام، الأمر الذي يؤثر بقوة على الاستقرار السياسي في البلاد.

كما يوجد أيضاً نوعاً من التداخل الإثني بين الجماعات الأوغندية وغيرها من الجماعات في دول الجوار. ومن ذلك التداخل بين التوتسي الأوغنديين والجماعات التوتسية في كل من رواندا وبوروندي وتنزانيا والكونغو الديموقراطية، وهذا ما ترك أثراً واضحاً على السياسة الخارجية الأوغندية إزاء قضايا التوتسي في إقليم هضبة البحيرات الاستوائية.

أما السودان، فإن الوضع فيه يبدو مختلفاً، حيث إن المعارضة الأوغندية الممثلة في جيش الرب هي التي لجأت إلى السودان عبر الحدود المشتركة، وقد قدمت السودان الدعم المادي والعسكري، مع السماح له بالعمل من داخل أراضيه نكاية في النظام الأوغندي الذي يدعم الحركة الشعبية في الجنوب (قبل انفصال الجنوب عن السودان)، ويعمل على تسليحها وتدريبها واستضافة قادتها داخل أراضيه، بغرض إعادة ترتيب الأوضاع السودانية بما يحقق المصالح الأوغندية.

أما عن أوغندا نفسها، فهي تتجاور داخل إقليم البحيرات مع ست دول، هي رواندا وبوروندي وكينيا وتنزانيا والكونغو الديموقراطية وجنوب السودان حالياً (السودان قبل الانفصال)، وهذا يجعل من الصعب ضبط المتمردين والقوى المسلحة التي تنتشر في منطقة البحيرات العظمى وتنظيم تحركاتها، بالإضافة إلى تداخل القبائل بين أوغندا ودول الجوار، ما يجعلها متداخلة إما طوعاً أو كرهاً في أعمال الصراع المسلح داخل دول الجوار، أو قد تدور على أراضيها، مثل الأعمال القتالية التي كان يقوم بها جيش الرب الأوغندي داخل البلاد لمناوأة السلطة.

وبدأ النظام السياسي القائم حالياً في أوغندا بوصول الرئيس "موسيفيني" قائد الحركة وجيش المقاومة الوطنية إلى كمبالا، في عام 1986، بعد حرب أهلية وتولى مقاليد السلطة، واعتمد على الجيش لمواجهة الحركات المسلحة المناوئة له في الشمال والشمال الشرقي. كما دعا أعضاء الأحزاب السياسية السابقة للاشتراك في الحكومة وتولي مناصب وزارية، وذلك بهدف تحقيق الوحدة الوطنية.

وبعد وصوله إلى السلطة، في يناير 1986، بعد سنوات من الكفاح المسلح قاد خلالها حركة المقاومة الوطنية، وشنت قواته حرباً نظامية استطاع خلالها أن يستولي على جنوب البلاد وغربها وأخيراً شرق البلاد. ويلاحظ أن حركته كانت تلقى قبولاً شعبياً، ولم تساعده قوات خارجية، وإنما اعتمد على قوات أوغندية خالصة انطلاقاً من أراضي أوغندية، ما سهل له تولي الأمور، عام 1986. وبعد انتهاء فترة رئاسته، أُجريت الانتخابات الرئاسية غير الحزبية، في مارس 2001، وتركزت المنافسة بينه وبين المرشح المعارض "كيزا يسبجي"، وفاز "موسفيني" بفترة رئاسية ثانية، حيث حصل على نسبة 69.3% من الأصوات، كما تم إعادة انتخابه في يناير 2006، لتنتهي ولايته في عام 2011، ثم أُعيد انتخابه مرة أخرى.

ومن الجدير بالذكر أن أوغندا حظيت منذ تولي "موسيفيني" للسلطة بالاستقلال السياسي، واختفاء ظاهرة الانقلابات العسكرية، ما يجعلها مختلفة عن كثير من الدول الأفريقية التي تتعدد بها الانقلابات.

3. الصراع في كينيا

حصلت كينيا على استقلالها عن بريطانيا، في ديسمبر 1963. وفي عام 1969، أصبحت دولة يحكمها نظام الحزب الواحد، وهو حزب الاتحاد الأفريقي الكيني بزعامة "جومو كينياتا"، الذي ظل في الحكم حتى وفاته عام 1978، فخلفه "دانيال آراب موي". وفي عهده رفضت الجمعية الوطنية تشكيل أحزاب أخرى خلاف حزب كانو، وظل هذا الوضع قائماً حتى عام 1991، حيث اضطر نظام "آراب موي" بالسماح بالتعددية الحزبية.

ويلاحظ أن كينيا، رغم علاقاتها الجيدة مع دول الجوار، إلا أن هذه العلاقات لم تسلم من الثورات, وبرز ذلك في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، إثر اعتداءات الرئيس الأوغندي "عيدي أمين" على الأراضي الكينية، ما أثر على العلاقات تأثير خطيراً، كما أدى إلى انهيار السوق الاقتصادية في شرق أفريقيا، عام 1977. ومع تولي الرئيس "موسيفيني" مقاليد السلطة في أوغندا، عام 1986، توترت العلاقات أيضاً بين الدولتين، ووصلت الأزمة لذروتها، في ديسمبر 1987، بطرد كينيا لأكبر شخصيتين دبلوماسيتين أوغنديتين منها مع مئات المواطنين الأوغنديين، وفسر البعض هذه الإجراءات حينها بأنها تهدف لتحويل انتباه الرأي العام الكيني عن المشكلات الداخلية بالتركيز على خلافها مع أوغندا.

تحسنت العلاقات بعد ذلك مع كل من كينيا وأوغندا، عام 1988، بعد وساطة تنزانيا، كما بدأت الحكومة الأوغندية ترى أهمية الحفاظ على علاقات مستقرة مع كينيا، حتى تضمن استمرار إمدادات البترول، وحرية الاستيراد والتصدير عبر منافذ كينيا البحرية، حيث إن أوغندا دولة مجاورة وحبيسة.

وفي مطلع عام 2002، بدأت الساحة السياسية الكينية تشهد مجموعة من التغيرات، فقد توحدت المعارضة وقامت بتشكيل التحالف الوطني من أجل التغيير، وانضمت بعض الأحزاب الأخرى إليه، وتغير اسمه إلى التحالف الوطني الكيني. وفي الوقت نفسه حدثت انشقاقات داخلية في صفوف الحزب الحاكم، وتم اختيار "مواي كيباكي" ليكون مرشح الائتلاف. وفي فبراير 2006، فقد نظام "كيباكي" صدقه بعد إقالة ثلاثة وزراء من الحكومة بتهمة الفساد.

وفي عام 2007، أُعلن فوز الرئيس "كيباكي" بفترة رئاسية ثانية، فاندلعت أعمال العنف في أنحاء البلاد، ودعا مرشح المعارضة "أورتيجا" إلى اعتراف الحكومة بالهزيمة في الانتخابات الرئاسية، أو السماح بإعادة فرز الأصوات، بدعوى أن الحكومة زورت النتائج، وخرج أنصار المعارضة إلى الشوارع في مظاهرات تعبيراً عن رفضهم نتائج الانتخابات، وقاموا بأعمال عنف استهدفت المقاطعات المؤيدة للحكومة والممتلكات التابعة لها. ومن جانبها تصدت قوات الشرطة والأمن للاضطرابات، بينما لم يشارك الجيش. وفي ظل هذه الأزمة السياسية استمرت أعمال العنف وتزايد القتلى.

ووصف بعض المراقبين أعمال العنف التي شهدتها كينيا بعد الانتخابات، بأنها صراع قبلي وإثني بين جماعة "الكيكويو" التي ينتمي إليها "كيباكي"، وجماعتي "الليو" و"الكالنجين" التي ينتمي لهما معظم أنصار المعارضة. بينما رفضت منظمات المجتمع الوطني وصف الصراع في كينيا بالإثني والقبلي، وأكدت أنه نشب بسبب الانتخابات والخوف من العودة للديكتاتورية.

نتيجة تزايد أعمال العنف في كينيا، قام رئيس الاتحاد الأفريقي (رئيس غانا) بمبادرة لتسوية الصراع بين الحكومة والمعارضة، ولكنه فشل في إجراء مفاوضات مباشرة مع "كيباكي" و"أودينجا". وبعدها قام الأمين العام للأمم المتحدة "كوفي آنان"، في منتصف يناير 2008، بجهود الوساطة بين الطرفين، وفي 24 يناير 2008، وافقت الحكومة والمعارضة على إطار سياسي من أجل وقف العنف، وفقاً لإطار أُطلق عليه "الحوار الوطني والمصالحة بهدف تحقيق السلام الدائم والأمن والعدالة من خلال حكم القانون واحترام حقوق الإنسان".

4. الصراع في رواندا

انتهى الشق الأكبر من الحرب الأهلية في رواندا، عام 1994، عقب سيطرة الحركة الوطنية الرواندية، التي تتألف من أقلية توتسية، على الحكم في البلاد، ورغم ذلك فإن رواندا مازالت تعاني من توترات وحروب تشنها جماعات الهوتو المعارضة، والتي فر العديد من أبنائها إلى الكونغو الديموقراطية المجاورة، ويشنون هجمات مسلحة منها ضد الحكومة الرواندية.

إن التطورات السياسية التي شهدها الصراع الداخلي، بدءاً من عام 2003، تندرج في إطار مسألتين، هما استكمال ترتيبات إنهاء حقبة الحرب الأهلية، وإنهاء تداعيات الصراع في الكونغو الديموقراطية.

وفي صعيد الترتيبات لإنهاء الحرب الأهلية، جرى تنظيم استفتاء على دستور جديد، في مايو 2003، يتضمن تعديلات مهمة في نظام الحكم، أبرزها تغيير فترة الرئاسة لتكون فترتين، كل منهما سبع سنوات.

وأُجريت الانتخابات، في أغسطس 2003، وفاز فيها الرئيس "كاجامي" الذي ينتمي للأقلية التوتسية، التي لا تزيد نسبتها عن 15% من السكان في رواندا، وهذا يعني أن الأغلبية من الهوتو (85%) أعطت صوتها لمرشح التوتسي، وهذا ما أثار كثير من التفسيرات. وفي الوقت نفسه تواصلت عملية محاكمة المسؤولين السابقين المتهمين بالقيام بأدوار رئيسة في جرائم القتل الجماعي، التي راح ضحيتها 800 ألف شخص، عام 1994، بالإضافة إلى المتهمين بتدريب الميليشيات والمتهمين بالتحريض على الكراهية الإثنية والقتل الجماعي.

اتصل الصراع المسلح بين الحكومة وجماعات المعارضة المؤلفة من الهوتو، وقد حققت الحكومة نجاحاً في حربها، في نوفمبر 2003. وكان الصراع بين الحكومة والمعارضة في رواندا سبباً لتوترات مزمنة بين رواندا والكونغو الديموقراطية، بسبب دخول القوات الرواندية لأراضي الكونغو لتعقب جماعات المعارضة التي تشن عملياتها ضد الحكومة من الأراضي الكونجولية.

ولتحقيق هدف القضاء على قوات المعارضة المسلحة لم تكتفِ رواندا بإرسال قواتها إلى الكونغو الديموقراطية، وإنما قدمت الدعم لبعض جماعات المعارضة الكونجولية التي تقاتل ضد نظام الرئيس "كابيلا"، و"المعروفة باسم التجمع من أجل الديموقراطية الكونجولية".

وقد وقعت رواندا والكونغو الديموقراطية اتفاقاً ينص على انسحاب القوات الرواندية من الكونغو، منذ عام 2002، ووقف دعم المعارضة. إلا أن التوتر مازال قائماً بين الدولتين، واتهم "كابيلا" رئيس الكونغو رواندا بتواصل التدخل العسكري الرواندي في الكونغو، ومتابعة إرسال قواتها للقتال إلى جانب المتمردين، وتورطها في المعارك التي دارت في منطقتي ايتوري وكيفو الكونجوليتين، وطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات على رواندا.

وقد وجهت منظمات غير حكومية فرنسية اتهاماً للقوات الرواندية وحليفتها الكونجولية بارتكاب مجازر منظمة في مناطق شرق الكونغو، منذ عام 2003، ولفترات طويلة. وتكررت نفس الاتهامات من منظمة العفو الدولية، التي اتهمت القوات الرواندية بتدخلها في منطقة إيتوري بشمال شرق الكونغو. إلا أن رواندا نفت أن تكون لها أية قوات بالكونغو، أو تكون قد ارتكبت هذه المجازر المزعومة.

5. الصراع في بوروندي

بعد عدة شهور من المفاوضات، تم التوقيع على اتفاق الهدنة، في أروشا بتنزانيا في 3 ديسمبر 2002، بين حكومة الرئيس السابق "بويويا" وحركة الدفاع عن الديموقراطية، التي تُعد الجماعة المعارضة الرئيسة في البلاد. وتضمن الاتفاق إعلاناً للمبادئ للتسوية النهائية في بوروندي، وأبرزها اقتسام السلطة داخل حكومة انتقالية تم تشكيلها لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، على أن يصبح الجناح السياسي لحركة الدفاع عن الديموقراطية حزباً سياسياً، وينضم جناحها العسكري للجيش البوروندي.

ولم تشارك في التوقيع على الاتفاقية حركة قوات التحرير الوطني، وهي ثاني أكبر جماعة معارضة، وهذا دعا الزعماء الأفارقة الموقعين على اتفاق الهدنة إلى تهديد الحركة بأنها سوف تواجه عقوبات إقليمية إذا لم توقف أعمال القتال وتنضم للتسوية.

ومع أن الهدنة لم تصمد طويلاً، وتعرضت للانتهاك من الطرفين، واستمر الصراع الذي أسفر عن 300 ألف قتيل على مدى أكثر من عشر سنوات من الحرب الأهلية، إلا أن محاولات عديدة من المفاوضات أُجريت برعاية إقليمية من أجل الوصول إلى اتفاق شامل، وساعد على ذلك أن قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، وهي حوالي 3000 جندي، كانت قد وصلت بالفعل إلى العاصمة البوروندية، في مايو 2003، لمراقبة وقف إطلاق النار، إلا أن الصراع ظل مستمراً بين جميع الأطراف، كما شهدت باقي مناطق بوروندي اشتباكات متفرقة وعمليات خطف وقتل، وأدت كثافة الهجمات إلى فرار آلاف المواطنين، وانتشار جثث القتلى بالشوارع.

عُقدت قمة، في سبتمبر 2003، في دار السلام بتنزانيا، شارك فيها رؤساء تنزانيا وأوغندا وجنوب أفريقيا وموزمبيق، بالإضافة إلى رئيس بوروندي وزعيم المعارضة، ولكن القمة لم تحقق النجاح، وانتهت دون اتفاق على حل لتقاسم السلطة. ولكن بعد وصول قوات المراقبة الأفريقية، نجح الجانبان في عقد اتفاق بشأن القضايا العالقة، وقد تضمن الاتفاق صيغة لتقاسم السلطة، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في خلال عام. وعلى الرغم من هذه التطورات، فإن عملية التسوية في بوروندي ظلت تعاني من مشكلات، أبرزها أزمة الثقة بين الحكومة وجماعات المعارضة.

وتلقت عملية السلام دفعة جديدة، عندما عقد رئيس مبادرة السلام الإقليمية لبوروندي (الرئيس الأوغندي "موسيفيني") مؤتمر قمة في عنتيبي، في أبريل 2005، حضرته الأطراف المعنية، وهم الرئيس البوروندي، ونائب رئيس جنوب أفريقيا، ورؤساء كل من تنزانيا، وكينيا، وزامبيا، وممثلين من رواندا، وإثيوبيا، والاتحاد الأفريقي، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في بوروندي.

ورغم انعقاد القمة، فلا تزال هناك بعض القضايا العالقة التي تهدد استقرار البلاد، مثل التوترات الأمنية، وصعوبات نزع السلاح، حيث يوجد نحو 300 ألف قطعة سلاح في يد مختلف الجماعات المسلحة.

كما لا تزال قضايا اللاجئين تهدد الاستقرار السياسي. وقد أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بوروندي، أن عدد اللاجئين الذين عادوا خلال عام 2004، وصل إلى 90 ألف لاجئ، وفي عام 2005، عاد حوالي 35 ألف لاجئ، وأنه من المتوقع أن يعود أكثر من 20 ألف لاجئ قبل نهاية ديسمبر 2005. وتسهم الوكالة الأممية في عمليات الترحيل والتمركز وإعادة الإدماج للاجئين البورونديين، غير أنها تخشى من عدم مقدرتها على مواكبة عملية العودة للوطن.

6. الصراع في السودان

 كانت الجولة الأولى من المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، قد انتهت بتوقيع اتفاق مشاكوس، في يوليه 2002، وهو الاتفاق الذي تضمن مسائل حق تقرير المصير، والفترة الانتقالية، والتعديلات الدستورية. ومن ناحية أخرى تحسنت العلاقات السودانية الإقليمية، وخاصة بالنسبة للعلاقات مع كينيا وإثيوبيا، وفي إطار ذلك عقدت عدة جولات من التفاوض في كينيا، في ناكورو وكارن ونيفاشا.

وفي 26 يوليه 2003، قدم وسطاء الإيجاد وثيقة تضع الخطوط العريضة لاتفاق شامل ونهائي، يضع حداً للحرب الأهلية، وعُرفت هذه الوثيقة باسم "مذكرة ناكورو"، وقد رفضتها حكومة السودان، وقبلتها الجبهة الشعبية، وسعت الإيجاد لفرضها، وتركزت اعتراضات الحكومة على أن هذه المذكرة تفتح الباب لمناقشة أوضاع المناطق المهمشة في بداية الجولة الثانية من المفاوضات، وتعطي لمنطقة أبْيَيْ الحق في تقرير المصير. ومع تعثر المفاوضات، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الضغط على طرفي التفاوض من أجل مواصلة المفاوضات، وتمثلت الضغوط في توقيع الرئيس الأمريكي مرسوماً عُرف باسم "قانون سلام السودان"، الذي يمنح طرفي المفاوضات مهلة ستة أشهر، تنتهي في 21 أبريل 2003، من أجل إنهاء المسائل الأساسية.

وبالنسبة للقضايا الأساسية التي أُجِّلت للجولة الثالثة من المفاوضات، هي:

·   قضية نائب الرئيس.

·   نسبة تمثيل الجنوبيين في مجلس الوزراء والبرلمان والخدمة المدنية.

·   قضية مستويات الحكم.

·   أسلوب تقسيم الموارد الطبيعية.

·   قضية حدود الجنوب.

ثم بدأت مفاوضات كارن حول القضايا المهمشة، وانعقدت الجلسة الأولى في 4 مارس 2003، وقد شاركت الحكومة بوفدين أحدهما تفاوضي والآخر تشاوري، وقد اختلف الجانبان حول ثلاثة أمور، هي: إدراج قضيتي الدين والدولة وحق تقرير المصير، أطر التفاوض حول المناطق الثلاث (جبال النوبة ـ النيل الأزرق ـ أبْيَيْ )، وجنسية مراقبي الاتفاق.

ثم وُقِّع اتفاق نيفاشا، وهو خاص بالترتيبات الأمنية خلال الفترة الانتقالية، ووقعه الجانبان في 25 سبتمبر 2003. كما انعقدت جولة جديدة في نيفاشا، في 6 ديسمبر 2003، اتفق فيها تقاسم الثروة بين الجنوب والشمال.

وبعد مرور ثلاث سنوات على توقيع اتفاق السلام الشامل، مرت السودان بالعديد من الأحداث المهمة التي أثرت على مسار الأحداث.

·   ففي 6 أكتوبر 2007، دعت الحركة الشعبية قياداتها للاجتماع في مدية جوبا، لبحث تدهور العلاقة مع حزب المؤتمر الوطني.

·   وفي 11 أكتوبر 2007، قررت الحركة تجميد مشاركة وزرائها في الحكومة المركزية بالخرطوم، متهمة الحكومة السودانية بانتهاك اتفاق نيفاشا، من خلال عدم تنفيذ بروتوكول أبْيَيْ، وعدم إكمال انتشار القوات العسكرية، وعدم الشفافية في إدارة البترول، وتأخير ترسيم الحدود.

وفي 21 ديسمبر 2007، أعلن شريكا الحكم أنهما توصلا إلى حل للقضايا العالقة، باستثناء قضية أبْيَيْ، إلا أن تطور الأمور أدى إلى تأزم الموقف مرة أخرى، وتبادل شريكا التفاوض الاتهام بعرقلة جهود السلام. وفي 15 يناير 2008، اندلعت مواجهات عنيفة بين الجيش الشعبي وقبيلة المسيرية، ونجح الجانبان في احتوائها، ولكن في 22 فبراير 2008، حشد كل من الجيش الشعبي ومقاتلي قبائل المسيرية قواتهما حول أبْيَيْ، ودخل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في اجتماعات مكثفة مع قيادات المسيرية في الخرطوم لحل الأزمة.

وفي 16 مايو 2008، بعد اندلاع مواجهات جديدة بين الطرفين، صرح الرئيس السوداني أنه لا يريد أن تكون الأزمة سبباً في عودة السودان إلى الحرب مع الحركة الشعبية، وأكد نائب الرئيس "سلفاكير" أنه ملتزم بتنفيذ اتفاق السلام، ولن يزج بشعبه في حروب جديدة. وفي 25 مايو، أكد الرئيس "البشير" إجراء الانتخابات العامة في موعدها وفق ما هو مقرر في اتفاق السلام الشامل، وقد أقر البرلمان السوداني مشروع قانون الانتخابات، في 7 يوليه 2008.

أزمة انفصال الجنوب

كشف النائب الأول للرئيس السوداني، في 16 أكتوبر 2009، أن استفتاء الجنوبيين حول مصيرهم بين الاستمرار في الوحدة أو الانفصال، سيُجرى بعد تسجيل الجنوبيين في الداخل والخارج، قبل ستة أشهر من الاستفتاء، وبالتحديد في شهر يوليه 2010، واستبعد حدوث الانفصال. في حين دعا "سلفاكير" رئيس حكومة جنوب السودان الجنوبيين للتصويت لصالح استقلال جنوب السودان خلال الاستفتاء، المقرر في يناير 2011، مرتئياً أن بقاء السودان موحداً سيجعل من الجنوبيين مواطنين من الدرجة الثانية. (اُنظر خريطة السودان)

وتقرر أن تقوم مفوضية الاستفتاء بإعلان السجل النهائي لأسماء الناخبين، يوم 6 يناير 2011، على أن تبدأ عملية الاقتراع من 9 يناير وحتى 14 يناير 2011، بحيث يبدأ الفرز والإعداد للنتيجة، وتُعلن بصورة رسمية في فبراير 2011، وقد تكلف الاستفتاء 372 مليون دولار، تولت الأمم المتحدة وعدد من الدول تدبيرها. وقد نشرت المفوضية نتائج الاستفتاء، في 7 فبراير 2011، وشارك فيه 3.793.518 شخصاً، حيث كان التصويت بنسبة 98.83% لصالح الانفصال، ونسبة 1.17% لصالح استمرار الوحدة.

ونتيجة اختيار الجنوبيين الانفصال بالأغلبية الساحقة، ترتب على ذلك إعلان الدولة الجديدة، في يوليه 2011، أي بعد ستة أشهر من الاستفتاء، كانت فترة انتقالية. وفي 9 يوليه 2011، أعلنت جمهورية جنوب السودان دولة مستقلة، لتصبح الدولة الرقم 54 في إفريقيا، والدولة الرقم 194 في العالم.

ثانياً: كينيا وأوغندا بوصفهما دولتين فاعلتين في الحوض الجنوبي لنهر النيل

1. الدور الفاعل في الصراعات داخل الحوض

أ. الدور الإقليمي الكيني

شهدت القارة الأفريقية بروزاً قوياً للدور الإقليمي الكيني في منطقة القرن الأفريقي ومنطقة حوض النيل بصفة خاصة. فعلى المستوى الأفريقي، برز اسم عديد من المدن الكينية، مثل مشاكوس، وناكورو، والدورين، وكذلك ظهر الدور الكيني في تسوية الصراعات الأفريقية، ودورها في إثارة المسألة المائية في حوض النيل.

كما برزت المحاولات الكينية لاستغلال موقعها المتفرد في القرن الأفريقي، من أجل لعب دور إقليمي فاعل، حيث إن القيادة السياسية الكينية تدرك أن هذا الدور سيجلب المزيد من المساعدات الخارجية، وخاصة الأمريكية، في ظل الاهتمام الأمريكي الحالي بمنطقة شرق أفريقيا ودول منابع حوض النيل والسودان، الأمر الذي يساعد كينيا على تحسين أوضاعها الاقتصادية.

في مرحلة النزاع الإثيوبي ـ الإريتري، عام 1998، ظهر الدور الكيني، ما جعل واشنطن تفضل الاعتماد عليها إذ هي أكثر استقراراً من إثيوبيا وإريتريا، ومما لا يمكن إهماله أن الاهتمام الأمريكي بكينيا جاء في فترة سابقة، منذ فترة الحرب الباردة، حيث كانت كينيا إحدى القواعد المهمة لحماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية في منطقة القرن الأفريقي، وقد زاد الاهتمام بكينيا بعد ظهور النظام الإسلامي في السودان، في الثمانينيات، وتعدها الولايات المتحدة الأمريكية أبرز الدول المرشحة لاستضافة القوات الأمريكية، وهذا يفسر الاهتمام الأمريكي بميناء ممباسا الكيني على المحيط الهندي، وتحملها لتكلفة تعميق غاطس الميناء.

وقد انعكس الدعم الأمريكي لكينيا على الدور الإقليمي لها في منطقة حوض النيل وشرق أفريقيا، بعد استضافة كينيا لمحادثات السلام بين السودان وجنوب السودان، وكذلك للمصالحة الصومالية، ومشاركتها الفاعلة في تسوية هذه الصراعات.

وقد لعبت كينيا دوراً مهماً في توصل الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان لتوقيع اتفاق مشاكوس، عام 2002، الذي يُعرف بـ"بروتوكول مشاكوس". كما استضافت محادثات مشاكوس الثانية، والتي لعبت فيها كينيا والولايات المتحدة الأمريكية دوراً بارزاً في الضغط على حكومة السودان للعودة للمفاوضات.

ويتلخص الموقف الكيني في دعم متمردي جنوب السودان حتى الحصول على أكبر قدر من المكاسب، وإن كانت لا ترحب بانفصال الجنوب، خوفاً من تنامي الدعوة الانفصالية، إلا أنها ترحب بدولة مسيحية في جوارها المباشر.

وتقوم كل من كينيا وأوغندا وتنزانيا بإعادة تفعيل اتحاد شرق أفريقيا، المعروف باسم "اباك"، والذي حُلّ عام 1977، وأعيد عام 1999، لتشجيع التجارة البينية، ومن ثم فإن كينيا حريصة على حل أية نزاعات بالمنطقة لتشجيع التعاون الاقتصادي، ويظهر ذلك في تجاوزها أزمة عام 1986 مع أوغندا، حيث توترت العلاقات بين الدولتين حتى وصلت إلى طرد كينيا لشخصيتين دبلوماسيتين أوغنديتين.

أ. الدور الإقليمي الأوغندي

تواجه أوغندا بالعديد من التحديات في محاولتها لعب دور إقليمي بمنطقة البحيرات العظمى، فهناك كثير من الصراعات مع دول الجوار، ترجع إما إلى الاختلاف السياسي أو الأيديولوجي، كما هو الحال مع جمهورية الكونغو الديموقراطية. أو المشكلات الناجمة عن التداخلات القبلية والإثنية، كما هو الحال مع رواندا. وهذا ما يجعل أوغندا في حالة تأهب لحماية الإثنيات ذات الامتدادات داخل أوغندا.

ونظراً لعدم استقرار الإقليم وانتشار الصراعات الداخلية، وامتداد تأثير تلك الصراعات إلى أوغندا، فإنها تسعى لوجود أنظمة صديقة، أو على الأقل غير معادية، ولذلك فقد لعبت أدواراً مختلفة في كل من رواندا، عام 1994، وفي الكونغو الديموقراطية، عام 1997، بالإضافة إلى رغبة أوغندا في إعادة بناء إمبراطورية التوتسي في إقليم البحيرات. ويُلاحظ أن أوغندا لا تمارس دورها الإقليمي منفردة، بل تعتمد على الدعم الأمريكي والبريطاني، بالإضافة إلى الدعم الإسرائيلي.

ونظراً لقدرتها العسكرية المتطورة، مقارنة بدول الجوار، فإن أساليب تدخلها في محيطها الإقليمي في الغالب تركزت في التدخل العسكري، مستغلة أحد أسلوبي التدخل في الصراعات الداخلية، سواء كان بطلب من أطراف الصراع الداخلي، أو بمبادرتها التدخل في الصراع مباشرة.

إن مفهوم الأمن لأوغندا ينصرف إلى محاولة خلق إطار إقليمي يمتاز بأقل قدر من التهديد الخارجي، ومنذ تطبيق هذا المفهوم على السياسة الأوغندية تجاه دول الجوار الجغرافي، نجد أنها تدخلت في دول الجوار بغرض إخضاع القبائل والميليشيات المؤيدة لجيش الرب المناوئ للحكومة السودانية، في كل من السودان والكونغو الديموقراطية، تحقيقاً لأمنها.

وتمتاز أوغندا بعلاقات متينة مع الدول الغربية، حيث تلعب دور الشرطي الوسيط للقوى الكبرى في إقليم البحيرات وشرق أفريقيا، إذ تعتمد كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على أوغندا في تحقيق مصالح عديدة، من أهمها مواجهة النظام السوداني، وتوسيع نطاق النفوذ الأنجلوفوني على حساب النفوذ الفرانكوفوني، وتشكيل قوة أفريقية قادرة على القيام بمهام حفظ الأمن والسلام في أفريقية.

وتُعتبر أوغندا إحدى دول المشروع الأمريكي، الذي يُعرف بالقرن الأفريقي الكبير، والذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه إلى تكوين كيان جغرافي سياسي، يضم القرن الأفريقي المعروف، بالإضافة إلى أوغندا ورواندا وبوروندي إضافة إلى جنوب السودان، من أجل تكوين تكتل جديد من الدول الأفريقية يحمي المصالح الأمريكية بالمنطقة ويؤمنها.

2. الدور الفاعل في المسألة المائية

أ. كينيا والمسألة المائية

كانت كينيا من بين دول حوض النيل التي طرحت مسألة إعادة توزيع مياه نهر النيل بين دول الحوض، بل إن المسؤولين الكينيين كانوا قد أعلنوا عزم كينيا من الانسحاب من معاهدة عام 1929، بدعوى أن المعاهدة تفيد مصر دون غيرها من دول حوض النيل. وفي هذا السياق أجاز البرلمان الكيني، خلال ديسمبر 2003، بياناً يطالب الحكومة بإعادة التفاوض حول الاتفاقية، وقد ردت مصر على هذا السلوك بأن التصرف الكيني يُعد خرقاً للقانون الدولي، من شأنه الإضرار بالتعاون الدبلوماسي بين مصر وكينيا، وأن مراجعة القوانين الدولية سوف يثبت أن هذا السلوك الكيني ليس بالعمل الصحيح.

ومما هو جدير بالذكر، أن كينيا أخذت بمبدأ "نيريري" الرئيس التنزاني الأسبق، والذي ذهب، منذ عام 1964، إلى أن الدولة المستقلة ليست ملزمة بما سبق للدول الاستعمارية توقيعه من اتفاقيات قبل الاستقلال، وقد طرحت كينيا هذا الأمر منذ استقلالها في جميع المؤتمرات والمناسبات الدولية، مطالبة بإعادة التفاوض مع مصر حول هذا الموضوع.

وقعت كينيا على الاتفاقية الإطارية المعروفة باتفاقية عنتيبي، في 21 مايو 2010، بعد توقيع كل من إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا، وذلك في نيروبي، حيث توجهت السكرتيرة التنفيذية للمفوضية بنفسها إلى كينيا مع نسخ الاتفاقية الإطارية للتوقيع عليها، وهو مخالفة إجرائية لقواعد مبادرة حوض النيل، حيث إن الاتفاقية ما زالت محل خلاف بين دول المنبع ودولتي المصب.

ب. أوغندا والمسألة المائية

يُعد الموقف الأوغندي أكثر اعتدالاً من الموقف الكيني والتنزاني، فبرغم أن أوغندا أعلنت منذ الاستقلال رفضها للمعاهدات التي ورثتها دول حوض النيل منذ الفترة الاستعمارية، وبرغم إعلانها، مثلما فعلت كينيا وتنزانيا وإثيوبيا، بأنها لا تعترف بالاتفاقيات والمعاهدات التي وُقعت دون مشاركتها، إلا أن لها رأياً مغايرة عندما صعدت كينيا موقفها تجاه اتفاقيات مياه النيل خلال مؤتمر وزراء الموارد المائية، في ديسمبر 2003، وانسحبت انسحاباً مفاجئاً من المؤتمر، فكان رأي أوغندا بأن الأمور يجب أن تظل على طاولة المفاوضات.

إن أوغندا ليست هي صاحبة الدور الإقليمي في قضايا المياه في إقليم البحيرات، وإن دورها يتضاءل أمام الدور الكيني، وأن كينيا هي التي تقود الإقليم لاتخاذ سياسات متشددة تجاه موضوع المياه، واتساقاً مع التشدد الكيني، نجد أن أوغندا تتشدد في موضوع المياه تجاه كل من مصر والسودان، وخاصة مصر. وقد سعى البرلمان الأوغندي، في مايو 2004، إلى إصدار قرار للموافقة على مشروع قانون يهدف إلى الإعلان بعدم التزام أوغندا باتفاقيات استغلال مياه النيل المبرمة في عامي 1929 و1959، التي تحظر على دول حوض النيل، ما عدا مصر، إقامة أية مشروعات على النهر يترتب عليها خفض معدلات تدفق المياه إلى مصر. بيد أن الحكومة الأوغندية تدخلت لإيقاف هذه الخطوة قبل أن تبدأ مناقشة مشروع القانون.

كما أكد وزير الدولة الأوغندي للشؤون الخارجية، أن السدود التي تسعى بلاده لإقامتها لن تؤثر على الحصة المائية المصرية، بل أنها ستسهم في دفع المياه تجاه مصر، خاصة أنها تُقام من أجل توليد الكهرباء التي تحتاجها أوغندا. مضيفاً أن العلاقات الأوغندية المصرية أقوى من أن تتأثر بقضية المياه، بالرغم من الحملة الإعلامية المصرية الموجهة ضد دول المنابع.

على الرغم من هذا الموقف الأوغندي، إلا أنها وقعت على الاتفاقية الإطارية، في 14 مايو 2010، مع كل من إثيوبيا ورواندا وتنزانيا، في احتفال بالعاصمة الأوغندية عنتيبي.