السبت 2019/05/18

آخر تحديث: 00:52 (بيروت)

مصروفو جريدة "المستقبل" والمهانة المستمرة

السبت 2019/05/18
مصروفو جريدة "المستقبل" والمهانة المستمرة
حث وزير العمل المصروفين للتوقيع على العرض المقدّم قبل استفحال أزمة مؤسسات الحريري الأخرى (الأرشيف، المدن)
increase حجم الخط decrease

بعد خمسة أشهر من المعاناة والتسويف و"الظلم"، وصل ملف مصروفي "جريدة المستقبل" إلى خواتيمه (من دون حسمه)، بصيغةٍ ألحقت ضررًا كبيرًا بالمصروفين، البالغ عددهم على دفعتين نحو 110 مصروفًا، في اتجاهات مختلفة. وعليه، استطاعت الجهة المالكة للجريدة، ممثلةً رسميًا بـ "الشركة العربية المتحدة للصحافة"، أن تستفيد من ظروف المصروفين الصعبة، وحاجتهم الاقتصاديّة، لتفرض ما يناسبها، فقسمت صفوفهم إلى ثلاث فئات، خلافًا لوعدها واعترافها بحقوقهم، الذي أقرّت به خطيًا بادئ الأمر، والذي أغلقت على إثره الجريدة!

فما هو العرض الأخير الذي قدّمته إدارة الجريدة؟
نتيجة الوساطة التي دخلت فيها وزارة العمل بين المصروفين تعسفًا، والجهة المالكة للجريدة، بعد سجالٍ دام أشهر طويلة، قدّمت الأخيرة بتاريخ 30 نيسان 2019، كتابًا إلى وزير العمل كميل أبو سليمان، تقترح فيه ما أسمته "حلًا" للنزاع القائم بينها وبين المصروفين. هذا الحلّ ينصّ على شطر المصروفين إلى ثلاث فئات: فئة الأشخاص الموظفين الخاضعين لقانون العمل، فئة الأشخاص المتعاقدين، وفئة الأشخاص الذين تجاوزوا الرابعة والستين من العمر. الفئة الأولى، تلتزم الجريدة أن تدفع لها كامل رواتبها المتراكمة (17 راتبًا) مع أشهر الإنذار وشهر عن كلّ سنة خدمة، على أن لا يتجاوز مجموع التعويض 12 شهرًا. أمّا الفئة الثانية والثالثة، فتلتزم الجريدة أن تدفع رواتبهم المتراكمة، وتعويضاً مقطوعاً يمثل أتعاب ثلاثة أشهر فقط، كنوع من "المكافأة"(!)، مقابل أن تدفع هذه المستحقات على 20 شهرًا. لكن، كيف قَبل المصروفون الموافقة على مثل هذا العرض؟

يفيد مصدر رسمي من "لجنة متابعة المصروفين" لـ"المدن" أنّه بعد تململ المصروفين وحال اليأس التي بلغوها، بسبب استهتار إدارة الجريدة وتهربها في التعاطي مع قضيتهم، استطاع مدير الجريدة السابق ورئيس تحرير موقع "مستقبل ويب" الحالي جورج بكاسيني، أن يخرق صفوف اللجنة من خلال أحد المصروفين، وأن يمارس ضغطًا نفسيًا، انطلاقًا من أن لا أحد بإمكانه أن يتحمل وضعه مزيدًا من الصبر، وأنّ لا حلّ أمام الموظفين المصروفين سوى القبول بنيل مستحقاتهم مقسّطة على 20 شهرًا، وإلّا لن ينالوا شيئًا. وفيما أنّ رأي جميع المحامين الذين استشارهم المصروفين، هو أنّه لا يمكن لإدارة الجريدة قانونيًا أن تتراجع عن الإلتزام بحقوقٍ أقرّت بها خطيًا، مقابل فسخ العقود معهم، ذهب المصروفون إلى وزارة العمل تحت الضغط، وبعد أن انقطعت سبل الحلّ و"التوافق" بالنسبة لهم، فوقّع ثلثي أعضاء اللجنة بالموافقة على العرض المقدّم من قبل إدارة الجريدة، رغم ما اعتبروه ظلمًا كبيرًا لحق بالمتعاقدين، وبالغي سنّ الـ 64 عامًا، باعتراف الوزير أبو سليمان. وللتذكير، فإنّ وعد الجريدة الذي تخلفت عنه، ينصّ على تسديد مستحقات المصروفين على دفعات متتالية، بدءًا من أول شهر آذار الماضي، والتي تشمل 17 شهرًا من الرواتب غير المدفوعة، 12 شهرًا بدل تعويض لكلّ مصروف، وأربعة أشهر إنذار، مع احتساب نحو شهرين من الإجازات والمخصصات المدرسيّة.

انعدام الثقة!
الثلثاء الماضي، جرى الاتفاق أن تجتمع رئيسة دائرة وزارة العمل مارلين عطا الله مع محامي إدارة الجريدة وليد النقيب، طالبةً منه أن يحمل معه عرض جدولةٍ لآلية الدفع بالتواريخ والأرقام. لكنّ النقيب لم يأتِ، ولم يتصل اعتذارًا عن تغيّبه، ما سبب استياءً لدى وزارة العمل، وترك ريبةً كبيرة لدى المصروفين، نتيجة انعدام ثقتهم التي ثبّتها النقيب بتغيّبه، في ظلّ عدم وجود ضمانة بالدفع 20 شهرًا متتاليًا. على إثر ذلك، عقد المصروفون أول من أمس اجتماعًا داخليًا، لوضع خطّتهم، انتظارًا للأسبوع المقبل. وإذا لم تقدم إدارة الجريدة لوزارة العمل جدول آلية الدفع، من المرجح أن يلجأوا إلى سحب موافقتهم على العرض المقدّم، ليعودوا إلى التصعيد في الشارع بعد أن خسروا كلّ شيء.

العرض المقدّم من قبل إدارة الجريدة، حسب معلومات "المدن"، وضعه مسؤول المال لدى رئيس الحكومة سعد الحريري وليد السبع أعين. وتشير المعلومات أيضًا، أنّ دفع هذه المستحقات سيكون من فوائد رصيد مالي للحريري في أحد البنوك، تتراوح شهريًا بين 200 و250 ألف دولار أميركي، يقوم باستخدامه دوريًا لصرف الرواتب المتراكم للعاملين في مؤسساته المتعثرة، مثل موقع التيار والجريدة والتلفزيون. وأكثر ما يأسف له المصروفون ويشعرهم بـ "قلّة الوفاء" والخيبة، وفق أحدهم، هو ما وصلهم بأنّ الرئيس الحريري، رغم كلّ النداءات والرسائل الموجهة له شخصيًا، يرفض الدخول شخصيًا في تفاصيل قضيتهم. ويقول حرفيًا للذين أوكلهم المهمة: "خلصوا الموضوع وما دخلوني بالتفاصيل".

المهانة لكبار السن
واقع الحال، فإنّ المتعاقدين الذين كانوا يتمتعون بكلّ الصفات الوظيفية مقابل تهرب الجريدة من إدخالهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يشعرون بخذلان كبير، إلى جانب المتقاعدين الذين استمرت الجريدة بالعمل معهم بعد بلغوا الـ 64 عاماً استفادة من خبرتهم. فحتّى إعطائهم تعويضًا ثلاثة أشهر، الذي جاء بمثابة مكافأة، أشعرهم بـ"الإهانة"، لأنّه بدا على هيئة "تربيح جميل"، بدل التوجه لهم شكرًا وامتنانًا بدفع ما أُبرم عليه اتفاق فسخ العقود. مع العلم، أنّ الجريدة في سنوات سابقة من أيّام عزّها الآنف، كانت توقع عقودًا للاستمرار بالعمل مع من تجاوزوا 64 عامًا، وتلتزم دفع كامل حقوقهم. لكن، ونتيجة الأزمة المالية، "بدأوا يفتشون عن طرائق للتوفير والتهرب من الدفع، بما لا يحفظ سمعة الرئيس الحريري وصدقه مع موظفيه، بهدف توفير الأموال"، يقول أحد المصروفين.

هذه الأجواء، دفعت وزير العمل أبو سليمان، أنّ يحث المصروفين للتوقيع على العرض المقدّم، والبدء بتلقي الدفعات بأسرع وقت ممكن، لأنه إذا انفجرت لاحقًا أزمة تلفزيون المستقبل، مثلما هو متوقع، ستصبح مسألة تحصيل حقوق جميع مصروفي مؤسسات الحريري الإعلامية، مسألةً شبه مستحيلة!  

بكاسيني "الخائف"
تشير المعلومات أنّ جورج بكاسيني بالاتفاق مع وليد السبع أعين، كان له الدور الأبرز في خرق صفوف المصروفين، وكان هدفه أن يوجه ضربة قاضية لأعضاء اللجنة عبر الاستعانة بأحد "زملائهم"، انتقامًا مما اعتبره تشويًا لصورته وسمعته بنشر تسجيلات صوتية له عبر السوشيل ميديا. وبعد أن أصبح بكاسيني مكشوفة جميع "أوراقه" وألعابه، على نحو أحرج الرئيس الحريري، وبما يهدد مشروعه الخاص "المستقبل ويب"، الذي كاد أن يصبح في مهبّ الريح، "بذل جهده لكمّ الأفواه من أجل تأمين ضماناته الشخصية بعدم التشويش عليه، ولو على حساب المصروفين الذي كانوا زملاءه في الجريدة"، يضيف مصروف آخر. ووفق ما يُنقل عن مجالس بكاسيني الخاصة، فإنّه يردد أمام الجميع عن سعادته بتوجيه ما يعتبره "ضربة قاضية" للجنة المصروفين !

السؤال الأبرز: من هو المستهدف من قضية المتعاقدين والمتقاعدين؟
المتعاقدون مع الجريدة هم 17 شخصًا، هناك أشخاص كان لا يعرفهم أحد، وتسجيل أسمائهم جاء كنوع من التنفيعات، ولم يكن يداوم من بينهم سوى 4 أشخاص، كانوا يتلزمون أداء واجبهم كما لو ينطبق عليهم قانون العمل، وهم من دفعوا الثمن حاليًا بحرمانهم من حقوقهم. أمّا العاملين الذين تجاوزوا الـ 64 عامًا، فهم 6 أشخاص فقط، ما يعني أنّ مجموع هؤلاء هو 10 أشخاصٍ فقط.  لكن، تؤكد مصادر "المدن" أنّ المستهدف من الصيغة التي قدمتها إدارة الجريدة هما شخصيتان: مدير عام الجريدة "المتقاعد" سعد العلايلي الذي تجاوز 64 عامًا، ورئيس مجلس إدارة الجريدة المتعاقد معها هاني حمود. أمّا العلايلي الذي كان من المفترض أن يتجاوز تعويضه الـ 350 ألف دولار أميركي، فبدا كأنّه يتلقى عقوبة تمرّده على قرار الرئيس الحريري، حين كان يعارض إغلاق الجريدة، وسانده بذلك حمود، في ظلّ اصرار بكاسيني على تنفيذ مشروعه، علمًا أنّ حمود وقّع شخصيًا على العرض المقدّم لوزارة العمل، رغم خسارته، لأنّ لا بديل له عن ذلك.

لكن، ما هو سبب تحجيم دور ركنين أساسيين في الجريدة ذهب ضحيتهما مصروفين آخرين لا علاقة لهم بالنزاع؟ هذا السؤال، تجيب عنه "المدن" في تحقيق لاحقٍ مفصّل عن الحكايا الكاملة لإغلاق جريدة المستقبل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها