يتوقف مستقبل الدولة الليبيةعلى خطط وسياسات القوى الكبرى بالدرجة الاولى، فضلا عن دول الجوار،كذلك الأطراف المحلية تتحمل نصيبا كبيرا من المسؤولية عما وصلت إليه الأمور بعد 7 سنوات من الإطاحة بنظام العقيد القذافي.
هناك (5 ) سيناريوهات لمستقبل الدولة الليبية يمكن تلخيصها في الاتي:

السيناريو الاول: الدولة الواحدة الموحدة: ستكون السلطة في ليبيا وفق هذا السيناريو واحدة تغطي كامل اراضي الدولة ،وهو السيناريو الاكثر تاييدا لدى غالبية الشعب الليبي،حيث تنادي معظم القوى السياسية في البلاد بضرورة المحافظة على وحدة التراب الليبي ،ويعتمد هذا السيناريو على وقف الأعمال القتالية والوصول إلي توافق سياسي بين الأطراف الرئيسية المتصارعة، وهذا يتطلب توافر قناعة لدى مختلف الأطراف أن حسم الصراع عسكريا غير متيسر في المدى المنظور، وبأن استمراره يلحق الضرر بمصالحها وبالمصالح الوطنية العليا. أو أن قدرا كبيرا من مصالحها قد تحقق، وعلى المستوى الإقليمي و الدولي، يتطلب نجاح هذا السيناريو توافقا بين القوى المؤثرة في الشأن الليبي على ضرورة إنهاء الصراع، وإدراك الانعكاسات المترتبة على استمراره على الأمن الإقليمي والدولي، وأن نتائج هذا السيناريو ستشمل الحفاظ على وحدة الدولة الليبية وقطع الطريق على سيناريو تقسيمها على خلفيات سياسية وجغرافية وقبلية ، وتحقيق الاستقرار والأمن، ووضع حد لاستنزاف موارد الدولة وإهدار طاقاتها ومقدراتها، مع فتح المجال لتحسن الوضع الاقتصادي وتخفيف الأعباء الحياتية على المواطنين ووقف الأخطار والانعكاسات السلبية على دول الجوار والمنطقة،ويؤدي أيضا إلي فتح المجال لبدء مسار الإصلاح السياسي والديمقراطي ومحاصرة الفكر المتطرف والمجموعات الإرهابية، وحرمانها من استثمار حالة الفوضى في توفير حاضنة شعبية لها. الا ان وجود بعض الخلافات والصراعات بين الليبيين ،مع وجود قوى سياسية في ليبيا مدعومة من اطراف خارجية لاتحبذ هذا النظام قد تحول دون قيام الدولة الموحدة. 

السيناريو الثاني: الدولة الاتحادية او الفدرالية: النظام الفدرالي ليس تقسيم للدولة كما يروج له البعض بل هو نظام سياسي لتنظيم السلطة والصلاحيات داخل الدولة،و ليبيا تاريخيا ثلاث اقاليم(طرابلس في الغرب- برقة في الشرق- فزان في الجنوب)،حيث كانت هذه الاقاليم تتمتع بنوع من الاستقلالية منذ القدم وحتى بعد استقلال البلاد في ديسمبر 1951، وذلك بسبب البعد الجغرافي بين هذه الاقاليم وعوامل تاريخية اخرى واستمرت هذه الاقاليم بشكل رسمي في دستور المملكة الليبية الاتحادية منذ الاستقلال الى سنة 1963عندما تم الغاء نظام الاقاليم وتم تعديل الدستور وقسمت البلاد حينها الى 10محافظات.واختفت فكرة الاقاليم بشكل شبه نهائي اثناء حكم العقيد القذافي للبلاد(1969- 2011)  الا ان اصحاب الطرح الفدرالي في ليبيا اليوم يسعون الى تطبيقه ،ويطالبون بعودة الاقاليم الثلاث واعطاء صلاحيات واسعة للاقاليم، وفي ظل ما تعانيه ليبيا اليوم من انقسام وضعف وفلتان امني غير مسبوق يعتبر النظام الفدرالي هو الاقرب والانسب لادارة الدولة  خصوصا في ظل وجود تكتل في شرق البلاد يطالب به كشرط من اجل البقاء ضمن الدولة الليبية.

السيناريو الثالث:التقسيم: بعد سقوط نظام العقيد القذافي عجزت الحكومات الليبية المتتالية عن حماية الاستقلال الوطني للبلاد ،وفي ظل تعدد الهويات ،الجهوية والايدلوجية والقبلية والاثنية،وضعف الولاء للوطن فضلا عن تعنت اطراف الصراع السياسي في ليبيا وانعدام الثقة بينها، ضف الى ذلك ماتعانيه البلاد من تمزق وصراعات وانفلات امني كبير،وانتشار اعمال العنف والارهاب،والخطف ،والاعتداء على الممتلكات،وغياب سلطة مركزية في البلاد ،ومن خلال الواقع الذي تعيشه ليبيا اليوم من غياب سلطة الدولة الواحدة ،ومع بزوغ مؤشرات واضحة على التقسيم، يمكن اعتبار تقسيم البلاد أحد السيناريوهات لمستقبل ليبيا السياسي. وان كان التقسيم امر يصعب تحقيقه على الارض وذلك بسبب عوامل داخلية وخارجية .

 السيناريو الرابع: انهيار كامل للدولة ونشوب حرب اهلية(صوملة الدولة): وان كان هذا السيناريو بعيد الاحتمال بسبب الترابط الاجتماعي بين المجتمع الليبي ،وبسبب توحد معظم الجهود الوطنية في هذه الفترة ضد المجموعات الارهابية المتطرفة.الا انه يظل احتمال وارد في ظل انتشار السلاح وغياب القضاء، ضعف مؤسسات الدولة الرسمية،وفي ظل تمترس القبائل الليبية والاحزاب السياسية والتشكيلات المتعددة خلف سلاحها ، ونظرا لانعدام الثقة فيما بينها من جهة، وبينها وبين  مؤسسات الدولة من جهة اخرى ،وفي ظل انهيار المؤسسات الامنية والعسكرية للدولة يوحي بدخول البلاد في حرب اهلية شاملة .

السيناريو الخامس: سيناريو استمرار الحال (حالة اللادولة):وهذا يعني بقاء الوضع الراهن على ماهو عليه دون احراز تقدم يذكر،«استمرار حالة الاقتتال والفوضى» مع استمرار وحدة الدولة الشكلية بالصورة القائمة،ووفق هذا السيناريو يتوقع ان تستمر فوضى انتشار السلاح والتشكيلات المسلحة المختلفة الانتماءات، مع وجود اكثر من كيان مستقل يدعي الشرعية داخل الدولة ولكل منها اذرع مسلحة،في ظل ضعف وهشاشة مؤسسات الدولة الرسمية،وانتشار الفساد والمحاصصة واستمرار الصراعات بين القبائل والمناطق والتشكيلات المسلحة ،مع انتشار ثقافة سحق الخصم وغياب ثقافة التعايش السلمي والتداول السلمي على السلطة .حيث يؤدي كل ذلك الى إضعاف وتفتيت الهوية الوطنية وهذا يعني فشل الخطط المعلنة للاصلاح والمصالحة.

ووفق هذا السيناريو على المستوى الإقليمي والدولي ستستمر التدخلات الخارجية السلبية في الشأن الليبي و ستواصل الاطراف الخارجية دعم الأطراف الليبية المتصارعة والتعامل معها بدل من تقوية مؤسسات الدولة ، دون حدوث تغيير يخل بميزان القوى مع استمرار الفوضى والاقتتال والاضطراب، وغياب الاستقرار السياسي والأمني، والاستنزاف الاقتصادي وتراجع الأوضاع المعيشية للمواطنين، وتعطيل مسار الإصلاح السياسي والديمقراطي ويوفر هذا السيناريو فرصة للجماعات المتطرفة لتجديد نشاطها.

 

استاذ الجغرافيا السياسية بكلية التربية بني وليد-منسق حراك ليبيا للسلام ببني وليد

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة