عادي
تحاكي التغيرات والتحولات الإقليمية والدولية

الإمارات والهند.. علاقات تضرب في أعماق التاريخ

02:19 صباحا
قراءة 7 دقائق
دبي: محمد إبراهيم

تحظى العلاقات الإماراتية الهندية، بروابط تاريخية وثيقة، وجذور راسخة، تعود إلى مئات السنين، لاسيما أن الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، تحرص دائما على تعزيز تلك العلاقات القوية، في ظل الفرص الكبيرة للتعاون بين البلدين والتغيرات والتحولات الإقليمية والدولية المتسارعة من خلال التنسيق والتفاهم لمواجهة التحديات التي تفرضها تلك التحولات.
وكان للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، دور بارز في ترسيخها، إذ وضع أسسها القوية، من خلال زيارته التاريخية لجمهورية الهند عام 1975، التي كانت بمثابة حجر الأساس للعلاقات البلدين، سياسياً واقتصادياً وتجارياً وثقافياً، ومازالت ذكرى زيارته حية في قلوب قيادة وشعب جمهورية الهند حتى الآن، يذكرونها بكل تقدير واعتزاز، كما شكلت زيارة رئيسة وزراء الهند الراحلة أنديرا غاندي لدولة الإمارات عام 1981، نقلة نوعية أخرى في مسار العلاقات بين البلدين الصديقين.

جذور عميقة

وتضرب العلاقات القوية بين الدولتين بجذورها العميقة في أعماق التاريخ، حيث تتسم بالقوة والاستمرارية منذ فجر التاريخ، وارتبطت علاقات الهند بمختلف إمارات الدولة بالتجارة التي كانت النشاط الأول الذي يربط الشعوب، في فترة ما قبل الميلاد، بحكم الموقع المميز الذي يحتله البلدان على خطوط التجارة البحرية العالمية؛ إذ كانت الهند منفذ دول الخليج العربي على العالم في القرنين التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، باعتبارها مركز تسويق اللؤلؤ الخليجي للعالم، وأكبر مزود للأسواق الخليجية بالسلع والخدمات، وتمتع التجار والمهنيون الهنود بسمعة طيبة في دولة الإمارات ودول الخليج لسنوات طويلة، وقدموا خدمات تُقدر وتُحترم. وكان ميناء رأس الخيمة من بين أشهر موانئ النقل والشحن لتجارة اللؤلؤ والأسماك في المنطقة، وكانت البضائع الهندية تنتقل لليمن عبره وبعد ذلك تحملها قوافل الجمال لتجد طريقها في نهاية المطاف لأسواق أوروبا.

مجالات متعددة

وفي وقفة مع أبعاد العلاقات الإماراتية الهندية، نجد أنها اشتملت على مجالات متنوعة سياسية واقتصادية وثقافية وحضارية، وتتمثل أهم أبعاد هذه الشراكة في المجال السياسي، الذي يعبر عن نفسه في تبادل الزيارات بين مسؤولي الدولتين، وتوافق وجهات نظرهما إزاء العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وبدا هذا واضحاً في الزيارة الأخيرة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومباحثاته مع المسؤولين الهنديين، حيث تم الاتفاق على تنسيق الجهود المشتركة بين الإمارات والهند في مكافحة التطرف، وزيادة التبادل التجاري بين البلدين، ودعم الشراكة في قطاع الطاقة، وتعزيز التعاون المشترك في مجال التكنولوجيا وعلوم الفضاء.

زيارات رسمية

وشهدت العلاقات العديد من الزيارات المهمة، حيث قام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بعدة زيارات رسمية للهند بين عامي 2007 إلى 2011، ركزت حول العمل على توسيع آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وركزت العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والهند، على تعزيز التعاون، والصداقة نحو استشراف مزيد من فرص النمو والتقدم، ودعمها في جميع المجالات بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين، واستكشاف مزيد من الآفاق والفرص والشراكة الاستثمارية، في العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والسياحية والزراعية ومشاريع الطاقة والطاقة المتجددة والأمنية، وهذا ما أكده سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، خلال زيارته للهند.
وشهد عام 2015 زيارات عديدة ومتلاحقة من قبل وفود سياسية وتجارية عالية المستوى من البلدين، أسهمت في تحقيق قفزة نوعية في التجارة والاستثمارات، اللتين يمكن أن تشهدا زيادة بنسبة 60 في المئة على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ودشنت زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى أبوظبي ودبي، والتي تعتبر أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي إلى الإمارات خلال 34 عاماً، مرحلة جديدة من الشراكة تتسم بأبعاد استراتيجية مهمة.

علاقات اقتصادية

وعلى مستوى العلاقات الاقتصادية، تعتبر الهند ثاني أكبر شريك للإمارات بعد الصين، ويبلغ التبادل التجاري بين البلدين 60 مليار دولار سنوياً، وتصدّر الإمارات إلى الهند ما قيمته 27 مليار دولار سنوياً، بينما تبلغ صادرات الهند إلى الإمارات 33 مليار دولار.
وتستثمر الهند 70 مليار دولار في الإمارات من خلال 45 ألف شركة هندية. بينما تستثمر الإمارات 10 مليارات دولار في قطاعات الطاقة والصناعات المعدنية والخدمات والتكنولوجيا والإنشاءات، فضلا عن تنوع صادرات الهند إلى الإمارات حيث تضم «منتجات البترول والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة والمجوهرات والمعادن والمواد الغذائية «الحبوب والسكر والفواكه والخضراوات والشاي واللحوم، والمأكولات البحرية والمنسوجات والألياف الاصطناعية والقطن والهندسة وآلات المنتجات والمواد الكيميائية».
وهناك عدد من المشاريع المشتركة والاستثمارات التي تقوم بها الشركات الإماراتية في الهند مثل شركة إعمار وهيئة أبوظبي للاستثمار وشركة أبوظبي الوطنية للطاقة وشركة رأس الخيمة وموانئ دبي العالمية التي تعمل حالياً في 6 موانئ رئيسية في الهند في نافا شيفا، ونافي مومباي، وتشيناي، موندرا، كما شيدت حاوية الترانزيت المحطة الدولية في كيرالا.
ومن بين الخطوات ذات الدلالة المهمة، التي خطاها البلدان تلك المتعلقة بتأسيس «صندوق البنية التحتية الهندية الإماراتية» الذي يهدف إلى الوصول إلى رصيد مقداره 75 مليار دولار. 143 رحلة طيران يومياً
وسجلت الإحصاءات نحو 143 رحلة طيران يومياً، بين مدن الإمارات، والمدن الهندية، وذلك بمعدل 1000 رحلة أسبوعياً، وبمعدل رحلة كل 10 دقائق، إلى جانب الرحلات التجارية لنقل البضائع بمختلف أنواعها، وهذا العدد الكبير من الرحلات اليومية، يتيح المجال أمام شعبي البلدين للانتقال بسهولة، وتعزيز الحركة التجارية والسياحية بالذات خلال الفعاليات المتنوعة في البلدين.
أما حركة الرحلات البحرية فهي مقتصرة على نقل البضائع فقط، ولا توجد رحلات بحرية لنقل الركاب، وهناك أعداد كبيرة من الرحلات البحرية للسفن الكبيرة والمتوسطة لنقل البضائع بمختلف أنواعها بين البلدين.
وهناك مجالات كثيرة للتعاون فيما بين البلدين، وفرص أمام المستثمرين الإماراتيين للاستثمار في مجال الصناعات الغذائية، والاستثمار الزراعي، وفي مجال الطاقة المتجددة، وبالذات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وفي مجال الإلكترونيات وصناعة الهواتف المتحركة وأجزائها المختلفة، حيث لدى الهنود 700 مليون هاتف متحرك، وهذه الاستثمارات ستساعد على خلق فرص عمل داخل الهند.

المجال الأمني

وكان المجال الأمني ضمن المجالات التي اشتملت عليها الشراكة الإماراتية الهندية، حيث يتفق الجانبان على تعزيز التعاون في عمليات مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية، وتنظيم التحكم في ما يختص بتدفق الأموال وتجريم التدفقات المالية غير القانونية، وتقوية العلاقات في مجالات الدفاع، وتنوي الإمارات العمل على تفكيك البنية التحتية للإرهاب بالتعاون مع الهند، من خلال مراقبة وتنظيم تبادل المعلومات وتدفق الأموال، التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير في أنشطة الجماعات المتطرفة.
وترتبط كل من الهند والإمارات بحلف استراتيجي فعلي، جرى التوقيع على الاتفاقية الخاصة به عام 2003، عندما قام وفد إماراتي رفيع المستوى برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس أركان القوات المسلحة، بزيارة رسمية للهند، حيث نصت الاتفاقية الاستراتيجية على التعاون في مجالات الأمن، والسياسة الدفاعية، وتطوير التعاون الدفاعي، وتدريب أفراد القوات المسلحة للدولة.

حجر الزاوية

وهناك تعاون بين مؤسسات التعليم المتطورة في الإمارات، ومؤسسات البحث العلمي في الهند في مجالات الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة والزراعة في الأراضي القاحلة والبيئة الصحراوية، ومجال علوم الفضاء بما في ذلك تطوير الأقمار الاصطناعية وإطلاقها، ضمن المجال الثقافي والتعليمي، وتمثل التكنولوجيا المتقدمة والتصنيع بوجه خاص أهم المجالات التي يمكن لقطاعات الأعمال في دولة الإمارات والهند أن تتعاون فيها مستفيدة من الفرص العالمية التي توفرها.
ويمثل دعم سلطات أبوظبي، ومبادرتها لترجمة، وطبع، أعمال الكتاب الهنود البارزين باللغة العربية، من خلال مشروعها الذي يحظى بشهرة عالمية «كلمة»، حجر الزاوية في تعزيز، وترسيخ، روابط ثقافية وأدبية قديمة بين البلدين، حيث ترجم المشروع وطبع 30 كتاباً تنوعت بين أعمال أدبية من بينها على سبيل المثال لا الحصر «كنوز الشعر السنسكريتي»، و«لغات الهند»، و«قصص قصيرة من الهند»، و«التراث الهندي»... وغيرها. وهناك أيضاً الملحمة الهندية العظيمة «الراميانا» التي طبعها مشروع كلمة، وصدرت مؤخراً في مهرجان «جايبور» الأدبي الهندي ذي الشهرة العالمية.

تقاليد التسامح والتعايش

أدت تقاليد التسامح الديني، والتعايش السلمي، والعلاقات الثقافية البينية في المجتمع الإماراتي، إلى تدفق 3 موجات من الهجرة الهندية إلى الإمارات خلال الأربعين عاماً الماضية. الموجة الأولى: كانت عام في 1974-75، بعد ارتفاع أسعار النفط، وعندما بدأت الإمارات في تنفيذ مشاريع تنمية طموحة.
أما الموجة الثانية من الهجرة، فكانت في بداية حقبة التسعينيات من القرن الماضي، بعد حرب تحرير الكويت؛ أما الموجة الثالثة فكانت في نهاية القرن العشرين.
ويعيش في الإمارات أكثر من مليونين و600 ألف هندي، يعملون في مختلف القطاعات، بما في ذلك التجارة والاستثمارات، ووصل عدد السياح الهنود للإمارات إلى نحو مليون و600 ألف سائح هندي.

50 ألف إماراتي

كما أن الكثير من الشركات المتخصصة في صناعة السينما الهندية، تحرص على تصوير العديد من الأفلام العملاقة في ربوع الإمارات، لما تتميز به من تطور مذهل في الحركة العمرانية والتجارية والاقتصادية والبنية التحتية، وتمثل الإمارات مصدراً مهماً للهند حيث إن 25% من تحويلات الهنود على مستوى العالم، تأتي من الإمارات وتصل سنوياً إلى نحو 15 مليار دولار، بينما إجمالي ما يحوله الهنود من دول الخليج، بما فيها الإمارات إلى الهند 30 مليار دولار سنوياً.
وفي المقابل، هناك نحو 50 ألف إماراتي زاروا الهند في 2016.

حركة فاعلة متنامية

قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إن «العلاقات بين الإمارات والهند تشهد حركة فاعلة ومتنامية بين المؤسسات الاقتصادية في كلا البلدين»، معرباً سموه عن تمنياته أن تزيد وتيرة هذه الحركة في المستقبل، في ظل العوامل الإيجابية المشتركة، والفرص المتعددة التي يزخر بها البلدان.

زيارات منتظمة

قررت كل من الإمارات والهند، تسهيل التبادلات والزيارات المنتظمة لعلماء الدين والمثقفين التابعين لهما لتعزيز قيم التسامح والشمولية التي تميز الأديان.
وهذه الجهود في حقيقتها ليست سوى إحياء للتفاعلات الأدبية والفلسفية الهندية - العربية العميقة الجذور.

بُعد ثقافي وحضاري

أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أن أهم ما يميز العلاقات الإماراتية - الهندية أنها ليست علاقات سياسية واقتصادية فحسب وإنما لها بعدها الشعبي والثقافي والحضاري المتميز أيضا فهناك علاقات ثقافية وروابط قديمة بين البلدين وعزز وجود الخبرات والكوادر الهندية على الأرض الإماراتية منذ سنوات طويلة هذه العلاقة وأضاف إليها بعدا شعبيا مهما.

سمات مشتركة

يربط بين المجتمع الإماراتي والهندي، سمات مشتركة كمجتمعين متعددي الثقافات، تسود فيهما قيم التسامح، والمسالمة، التي تنادي بها الأديان، وتتصف الجالية الهندية بصفتين رئيسيتين تميزانها عن باقي الجاليات: الأولى، الطبيعة المسالمة، والتعددية، والمتسامحة لمجتمع الهنود في الإمارات، والثانية، هي صفة راسخة الجذور، تتصف بها الجالية الهندية في أي مكان، وهي الحرص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة تتواجد فيها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"