Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليبيا... خلافات حكومة السراج ومستجدات الميدان تهز الوجود التركي

تسعى أنقرة إلى تعزيز نفوذها في منطقة المغرب العربي

تعيش العاصمة الليبية طرابلس على وقع خلافات بين أطراف حكومة الوفاق (أ.ف.ب)

سريعاً ما واجه التمدد التركي باتجاه ليبيا معارضة دولية وإقليمية، كانت أنقرة خلاله حريصة على عدم تورطها في صراع عسكري مباشر مع معارضيها. وبدت التصريحات الرسمية التركية كأنها تتلمس طريقاً للعودة بعد تورطها في عقد اتفاقات رسمية مع حكومة طرابلس المحاصرة، لاسيما أن أحدها زاد من عدد أعدائها بسبب ارتباطه بالحدود المائية في البحر المتوسط ومنابع الطاقة والغاز.

وأثناء توجه تركيا إلى إيجاد موضع قدم في ليبيا سعياً لتعزيز نفوذها في المنطقة، كانت أوساط ليبية ودولية تتحدث عن تحركها بضوء أخضر من واشنطن، التي لم تخف قلقها من التوغل الروسي في ليبيا، وتحديداً إلى جانب قوات الجيش الوطني، الطرف الأقوى في المعادلة الليبية والمسيطر على غالبية المواقع الاستراتيجية المهمة في البلد الغني بالنفط. لكن الصحافي الليبي سالم عرفة، يرى أن الحسابات التركية في ليبيا "كانت ناقصة، فلم تهتم بشكل كبير بوحدة الصف في طرابلس ولم تولي للعلاقة الهشة بين الحكومة التي تحالفت معها وبين المجاميع المسلحة أهمية كبيرة، على الرغم من أن الحكومة كانت إلى وقت قريب في مواجهات معها".

خلافات "الوفاق"

وتعيش العاصمة طرابلس على وقع خلافات كبيرة وصلت إلى عمق الحكومة، خصوصاً أن الحديث يدور عن خلافات عميقة بين رئيس الحكومة فايز السراج ووزير الداخلية فتحي باشا آغا، التي وصلت إلى حد وصف الأخير للمجموعات المسلحة المقربة من الأول بــ "الميليشيات الخارجة عن القانون"، متهماً ميليشيات النواصي التي تقدم الحماية الشخصية للسراج في مقره المؤقت في قاعدة أبوستة البحرية بالاعتداء على وزير المالية و"وضع رصاصة في يده" بعد اقتحام مكتبه لإجباره على توقيع مستندات اعتمادية بملايين الدولارات.

وفي مؤشر إلى تصاعد الخلاف في طرابلس، عادت ميليشيات طرابلس للتحدث باسمها القديم وهو "قوة حماية طرابلس"، ونشرت بياناً الخميس الماضي، أكدت فيه أن "طرابلس لولا ثوارها يوم 4 أبريل (نيسان) لكانت تحت سيطرة" قوات الجيش في رد على تصريحات باشا آغا، الذي اعتبر ميليشيات مصراته القوات "الشرعية" الوحيدة. في المقابل، شنت قنوات إعلامية فضائية، مقربة من باشا آغا، هجوماً حاداً على آمر ميليشيات النواصي محمد الأزهر، الذي سبق أن نشر على صفحته الرسمية تكذيباً لبيان وزارة الداخلية بشأن قتلى القصف الذي نفذه الجيش الليبي على ميناء طرابلس في 18 من فبراير (شباط)، ومنعت موكب الوزير من زيارة محاور القتال في جنوب طرابلس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى عرفة أن تركيا كانت ترغب في أن تكون طرابلس منطلقاً للتمدد التركي في المغرب العربي، بدليل الزيارات المكثفة التي أجراها رجب طيب أردوغان إلى دول المغرب العربي، وتحديداً الجزائر وتونس، في محاولة لفرض "وصاية ناعمة" على المنطقة والاستفادة من حالة التفكك التي تعيشها تلك البلدان.

وعلى الرغم من مزاعم تركيا أن اتفاقها مع الحكومة "شرعي ودستوري"، أكدته مصادقة البرلمان التركي على قرار الرئاسة التركية بشأن إرسال قوات إلى ليبيا، مطلع يناير (كانون ثاني) الماضي، إلا أن الجانب التركي لا يزال يرسل دعماً عسكرياً إلى طرابلس في الخفاء، وهو مؤشر يوضح "يقظة تركية متأخرة بتورطها في تحالف عسكري مع حكومة محاصرة وهشة، خصوصاً بعدما نجح الجيش الوطني في استهداف غالبية شحنات السلاح وعجزت معه تركيا على تثبيت حتى منصات الدفاع الجوي التي دمرها الجيش"، بحسب عرفة.

على الرغم من استشعار كثير من المراقبين أن للوجود التركي في ليبيا ظلاً أميركياً، إلا أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لا تبدو واضحة إلى حد استعصاء الإجابة عن سؤال "من يدعم البيت الأبيض في الشرق الأوسط؟". وعلى الرغم من استشهاد أوساط ليبية بتحركات السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند الضاغطة على الأطراف الليبية بشأن ضرورة "استئناف المفاوضات السياسية ورفض الحل العسكري"، كونها تشير إلى رفض واشنطن عملية الجيش الوطني الهادفة إلى "تحرير طرابلس"، إلا أن مواقف السفير الأميركي لا يبدو أنها تستند إلى مواقف رديفة في دوائر صنع القرار الأميركي الرسمية في الملف الليبي، على الرغم من الاستجداء الذي حمله تصريح قريب لوزير داخلية حكومة الوفاق بالترحيب بـ "بناء قاعدة أميركية" في ليبيا، في تصريحاته إلى وكالة بلومبرغ الأميركية الأسبوع الماضي.

مخاوف أممية

في الأثناء تبدو مخاوف رئيس البعثة الأممية للدعم في ليبيا غسان سلامة من أن "تتحول الحرب الليبية إلى حرب إقليمية بسبب وجود أطراف غير ليبية تشترك من قريب أو من بعيد بهذا القتال"، كما قال في مؤتمره الصحافي من جنيف السبت، لها معناها. إذ يرى الضابط الليبي المتقاعد ناجي حريشه أن المتغير الجديد الذي يهدد المشروع التركي لا يتمثل في الموقف الواضح للجيش الوطني من تركيا، إنما يأتي هذه المرة من جانب حلفائها في طرابلس الذين يبدو واضحاً أنهم يسعون إلى جرها لإسهام فعلي في ساحة المعركة، بعدما استشعروا عدم جديتها في الوقوف إلى جانبهم.

وبحسب حريشه، فإن تركيا باتت مجبرة على دعم وجودها في ليبيا بعد تلقيها ضربات متتالية، منها مقتل قيادي عسكري بارز أثناء قصف الجيش ميناء طرابلس، قالت مواقع تركية إنه العقيد أوكان ألتيناي، الذي توفي بعد نقله إلى تركيا لتلقيه العلاج. ويؤكد حريشه أن أنقرة حاولت إعادة الثقة إلى مقاتليها من خلال اشتراكها في عملية نفذتها يوم الجمعة في محور مشروع الهضبة بطرابلس، في محاولة لتمكين قوات الحكومة من استعادته.

وأكد المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الوطني، اللواء أحمد المسماري، في مؤتمر صحافي الجمعة، أن "وحدات الدفاع الجوي تمكنت من إسقاط ست طائرات مسيرة تركية حاولت من خلالها الميليشيات تحقيق تقدم"، ما اعتبره حريشه فشلاً تركياً جديداً.

واستغلت ميليشيات طرابلس توجيه الجيش ضربات على أهداف داخل قاعدة معيتيقة بطرابلس، الجمعة، لإثارة الفوضى وإشعال الجبهات متهمة قوات الجيش باستهداف حي أبوسليم وحي شرفة الملاحة الملاصق لقاعدة معيتيقة.

وحملت تصريحات المتحدث باسم قوات الحكومة، محمد قنونو، ما يشير إلى تحضيرات لشن هجمات وشيكة على مواقع الجيش جنوب طرابلس، قائلاً "أصبح من الواجب إسكات منصات الصواريخ للعصابات الغازية"، في إشارة إلى قوات الجيش، معتبراً أن قصف الجيش قاعدة معيتيقة جاء "لإفشال كل جهود الحوار"، وطالب المدنيين بالابتعاد عن مواقع الجيش "جنوب العاصمة".

وإزاء كل هذه المستجدات، يؤكد عرفة أن مشروع تركيا التوسعي سواء في ليبيا أو من خلالها إلى فضاءات أخرى بات مهدداً بشكل كبير، مؤكداً أن خياراتها باتت صعبة في ظل الخلافات بين حلفائها في طرابلس وحكومة الوفاق التي تعمل على إجبارها على الانجرار في أتون حرب ضد الجيش، خصوصاً بعد قرار مجلس الأمن الداعي إلى وقف القتال في ليبيا من جانب، ومن جانب آخر محاولتها تقليل خسائرها المتلاحقة خصوصاً الأخيرة التي منيت بها في سوريا وسط توتر علاقتها مع روسيا، التي تملك حليفاً قوياً في ليبيا أيضاً.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي