التحول من مفهوم التأمين الطبي، إلى النطاق الأوسع منه، وهو التأمين الصحي، عبر تعزيز جوانب الصحة العامة لدى الناس، بأخذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من الإصابة بالأمراض المزمنة، أو المضاعفات الخطيرة الناتجة عنها، أو حتى التعرض للأوبئة والأمراض المعدية التي تهدد صحتهم، وذلك في إطار نظرة أكثر شمولية للحد من استنزاف الموارد المالية والبشرية في قطاعي التأمين والصحة، يثير في الواقع تساؤلاً مشروعاً عن غياب تطبيق هذا المفهوم ليدخل ضمن نطاقه بيئة السكن، عند من يرغـب الحصول على الغطـاء التأميني الصحي وبالذات فئة العمالة الوافدة من الأفراد، الذين من الواضح أن جوانب الاحتراز والوقاية الصحية لا تقع ضمن سلم أولوياتهم، بل ربما حتى مسلماتهم أحياناً، وذلك حين نرى أجساد البعض منهم تتكدس على طوابق من أسرة النوم، في مقرات إقامة تفتقر للحد الأدنى من متطلبات الإسكان الصحي.
الجميع يشهد بأن العناية بالجانب الصحي لدينا في المملكة بلغت قدراً عالياً، سواء للمواطنين أو المقيمين ومن أبرز أمثلة ذلك إلزام أصحاب العمل في المملكة منذ عام 1430هـ بالتأمين الصحي على جميع العاملين لديهم دون استثناء، حتى أن نسبة المشمولين بنظام التأمين الصحي للعاملين في القطاع الخاص من غير السعوديين ارتفعت منذ ذلك الحين لتصل إلى نحو (78 %) من أولئك العاملين وأفراد أسرهم المرافقين لهم.
لكن في المقابل، نجد أن التركيب النوعي لهذه الأيدي العاملة الوافدة، التي تربو فيها نسبة الذكور إلى الإناث عن الضعف، وتعبر عن أن نسبة عالية من الذكور الوافدين يقيمون في المملكة بمفردهم، قد انعكس أثره على البيئة السكنية التي يختار الكثير من هذه الفئة العاملة الإقامة بهـا، تحت مبرر اقتصادي، نظراً لتوفر بدائل سكنية أخرى لكنها أكثر كلفة، حيث يمكن من حساب تقديري يستند إلى إجمالي عدد المقيمين بالمملكة، والتركيب النوعي لهم، والمساكن التي يشغلونها ويتجاوز عددها اثنين مليون وحدة سكنية، إضافة إلى متوسط حجم الأسرة غير السعودية الذي يبلغ تقريباً (4.5) فرد، أن نتوقع وجود نحو (1.8) مليون وحدة سكنية تقريباً، تقيم بها أسر غير سعودية، تمثل في غالبيتها بيئة سكنية صحية. في حين أن بقية الوحدات السكنية الأخرى، التي تصل إلى نحو مئتي ألف وحدة سكنية، يقطنها ما يقدر بأكثر من أربعة ملايين من الأيدي العاملة الوافدة من الأفراد، يتجاوز متوسط إشغالها العشرين فرداً في الوحدة السكنية الواحدة! الأمر الذي يقتضي ضرورة تحقق الجانب الصحي في بيئتهم السكنية قبل شمولهم بالتأمين الصحي.