عن المشاعر

تامر خلفو

"ترويحة" تزور "جدل"

ننشر على جدل هذا النص الذي يتفاعل مع كوميكس "ترويحة" - وهي مجموعة قصص مصوّرة تتناول تجارب مراهقات/ين يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة. 

انظروا الحلقة 8 من "ترويحة" خلال الرابط

ننشر هذه المادة كثمرة من ثمار التعاون بين موقع جيم ومؤسسة القوس.

 

كيف سيبدو هذا العالم دون  مشاعر؟ 

"تخيلوا نعيش بلا قلق وتوتر ؟ صعب أتخيّل حتّى"

 

ترويحة، هي إنتاج فنيّ ثقافيّ مهنيّ مليئ بالألوان ويروي قصصاً قد تكون قصصنا كلّنا، تدخل بيوتنا ومدارسنا ومجموعاتنا، تُصغي لهمومنا وتعطيها حقيقةً مرحة، توقٍفنا بمحطّة للتأمّل من جديد بكلّ تفاصيل هذه الحياة والتي تهرب أو نهرب من النظر إليها وفهمها 

تعطي كوميكس ترويحة مساحة لصوت وتجارب مراهقات ومراهقين يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة من خلال شلّة من الأصدقاء التي مرّ  أفرادُها مساراتهم واستكشافاتهم معاً وجعلونا -القرّاء- شلةً أخرى وجدنا بعضنا معاً نحاول فهم تجاربنا ككويريّات في فلسطين. 

تخاطب ترويحة في موسمها الثالث مشاعرنا التي لطالما شغلتنا وأضاقت علينا عالَمنا حتّى تمنيّنا في أشدّ اللحظات لو فقدناها ولو فقدها هذا العالم، لكنّنا نفهم أنّ مشاعرنا متنوعة الظهور ومختلفة الأوقات من الوحدة، الذنب، الفقدان، الغضب، القلق، الغيرة، كره الذات وغيرهم مثل الحبّ، الأمل، التسامح، القبول، التعاطف والطمأنينة.. أنّها في أعقد تركيباتها هي محرّك أساسيّ لدوافعنا، بقاءنا، نضالنا، تجاربنا ومعاركنا. 

 

كيف يبدأ الشعور في أعماقنا؟ 

"دايماً بزرعوا هاد الشعور فينا"

 

المشاعر هي حالة انفعاليّة ونشاط عقلي قد يسبّب السعادة والمتعة أو المعاناة والألم، وفي كلتيْ الحالتين لا نستطيع دائماً السيطرة عليها  خاصةً أنّها قد تكون بعيدةً عن إدراكنا ويُثيرها الكثير من المتغيّرات من حولنا، والتفاعل مع الذات والمحيط بشكل مستمرّ.  فلا يملك الإنسان قدرة على تقرير مصير مشاعره إلا بشكل بسيط من خلال إدراك هذه المتغيّرات والتفاعلات من حولنا. 

يتركّب الشعور من جزئين مهميْن، الأول الجانب المعرفي الحسّي الذي يتعلّق بقراءة الأحداث والأفكار مثل إدراك مجد في الكوميكس أنها ليست الوحيدة التي تشعر بالوحدة أو إدراك رشا أن تصرّفات معيّنة تجاه أهلها نابعة من الشعور بالذنب. أما الجزء الثاني فهو الجانب الجسدي وهو كلّ ما يتعلّق بتعبير الجسد عن الشعور بأدواته الخارجية والداخليّة من تحليله وتسميته وارتسامه على وجوهنا وسلوكنا، مثل ألم معدة مجد وتعرّق رشا من التوتّر. لكن الأهم من فهم المشاعر المختلفة وتركيباتها النفسية والفسيولوجية، هو فهم أبعادها التي تبرمج بدايةً أشكال التفاعل مع المعطيات المحيطة ولاحقاً كيفية التعبير عنها والتعامل معها، ومن هنا نبدأ بفهم حقيقة المشاعر التي تتحكّم بها الأنظمة الاجتماعية والثقافيّة القمعية مثل الرجولة والذكوريّة والحياة الأسريّة وعلاقات القوّة المتنوّعة، البُنى المعرفية والنفسية مثل شخصيّاتنا وقدراتنا ومهاراتنا، المنظومات السياسيّة والاقتصادية والتي توزّعنا على طبقات و كانتونات ومستعمرات. 

فمثلاً، الشعور بالذنب تجاه الأمّ والأبّ والأهل بشكل مستمرّ لا بدّ من النظر إليه كشعور مركبّ ومتوارث نتعلّمه من أجل الحفاظ على المباني الاجتماعية كما ويخدم أنظمة القمع الاجتماعيّة والسياسيّة، وذلك لأنّ الشعور بالذنب هو شعور مثبّط ومعيق للحركة، ويرافقنا كلّ مرة نحاول فيها الخروج عمّا هو مألوف. 

كذلك الأمر بالنسبة للمشاعر المختلفة التي نعيشها، فشعور الفقدان والخسارة وكأنه شعور يرافقنا كلّ مرّة نفهم أنّنا لسنا كالجميع ولن نحصل عمّا يحصل عليه الآخرون أصحاب الامتيازات، وكره الذات شعور سيرافقنا طالما مورست علينا كلّ وسائل ضبط وعقاب أجسادنا كما وهنالك فرص قليلة أساساً للتعبير عن الذات، وشعور الوحدة سيرافقنا طالما لا توجد مساحات كويريّة تشبهني أو تُقطَع عليّ الطرق للوصول إليها إنْ وُجدت. 

المباني الاجتماعية السياسيّة والنفسية هي مباني قامعة تزيد الكثير من التحدّيّات والصعوبات لا سيّما عند حاجتنا بالاحتواء كمختلفات ومختلفين وخارجات وخارجين عن قواعدها، وفي الكثير من الأحيان ولا تكتفي بعدم استطاعتها على الاحتواء بل تعزّز شعورنا  بالإقصاء والنبذ والحرمان، فلن تستطيع رشا الزواج من ندى، وسيظّل راني محاولاُ جاهداً ألّا يُظهر ما يخدش الرجولة المجتمعية، ومجد لن تكفّ عن القلق لطالما تحمل أعباء العالم بسبب اختلاف تجاربها الجنسية والعاطفية، وسري لن يستطيع إحضار أصدقاءه إلى البيت أمام أهله، ومع ذلك لا يزال كلّ منهم كما نفعل جميعاً نراوغ ونتحايل حتّى نجدَ الفرص والمساحات الملائمة، وننجح في إيجاد الطرق للتعبير عن اختلافنا. 

 

كيف نمتلك مشاعرنا وتجاربنا من جديد؟ 

" كتير بشفق ع إمّي بسبب الحكي إلّي بتسمعه بسببي"
"انتو بتعرفوا عني وبحس حالي لحالي" 

 

المشاعر ليست المشكلة، بل هي الدافع،صعبة أو سهلة هي فرصة للتأمّل والفهم، والغوص في عمق الذات وتطوير الوعيّ بها، وكذلك فهي بالضرورة تعبّر عمّن نكون وعن تجاربنا التي خضناها طويلاً، والخروج منها لفهم الأدوار داخل المنظومة الأكبر بمبانيها وبداية المسارات التي قد تبدو طويلة لكنّها قيّمة في مواجهتها. فالمشاعر شرعيّة لكنّها غير مفصولة عن تلك المباني القمعيّة المتوارثة والمفروضة، وهي تحتاج إلى أن يُعبّر عنها بشتّىى الطرق كي تنطلقَ إلى حيّز التفكير والمشاركة والمواجهة، ففي ترويحة أدركت الشلة بأفرادها مشاعرَها المتنوّعة في كلّ حلقة، شاركَتْها فيما بينها، وأدركت أنّها تملك نفسها كمساحة للتعبير والإصغاء لهذه المشاعر، لتبادل خبراتها، لفهم تجاربها، وحلموا معاً بواقعٍ مختلف، وحلمنا نحن القرّاء كباراً وصغاراً معهم وتجرّأنا على التفكير في مشاعرنا والنظر إلى أقراننا كفرصة لمشاركتها معهم.

 

هل نستطيع تغيير المباني الاجتماعيّة؟ 

" طريقنا كمان ممكن ممتعة وناجحة ومشوّقة" 

 

القوس كمؤسسة تتشكّل من ناشطات وناشطين ممّن يعيشون توجهات جنسيّة وجندريّة مختلفة تحاول بناء مساحات بشكل مستمر للقاء الكويريّات الفلسطينيّات كجزء من توسيع الحراك الكويريّ وزيادة فرصه في مواجهة أنظمة القمع والمباني الاجتماعيّة الثقافية الذكورية والأبوية والرأسماليّة والضبابية التي تضيفها إلى طريقنا وذلك من أجل مجتمع يتسّع للجميع، وترويحة هي مساحة للقاء الكويريّات والذي تساهم في تفكير مشترك بقضايا متعدّدة كالمشاعر وأبعادها الكثيرة وفهمها كجزءٍ من تركيباتنا، وتأطيرها كمحّرك أساسيّ في أي حَراك يريد التغيير ويعطي شرعيّة لهذه التجارب والمشاعر. بكلمات أخرى فهنالك حاجة ملحّة للقائنا مع مشاعرنا على أشكالها وتجاربنا حتّى نتمكّن من السير والحفاظ على أنفسنا وتساعدنا ترويحة بذلك، كما ونحتاج إلى مساحات أخرى لاختبار هذه المشاعر والتجارب من خلال العمل والنشاط المستمريْن في الحراك الأكبر. 

 

قد يبدو العالم دون مشاعر .. صامتاً وساكناً.. 

"بديش أطفي إشي بدّي أعيش كلّ مشاعري"