حساب الخسارة فى صفقة الإمارات وإسرائيل - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حساب الخسارة فى صفقة الإمارات وإسرائيل

نشر فى : الأحد 16 أغسطس 2020 - 10:50 م | آخر تحديث : الأحد 16 أغسطس 2020 - 10:50 م

ليس جديدا فى السياسة العربية إقحام القضية الفلسطينية فيما تريد الحكومات العربية تمريره من سياسات. وليس هذا بالمستغرب فى عالم السياسة عموما، فرجال الحكم يعشقون رفع شعارات رنانة، وادعاء الاسترشاد بمثل عليا، فهم لا يريدون أن يستند حكمهم على مجرد التهديد بالحديد والنار، أو برشوة المواطنين من خلال خدمات تقدمها لهم حكوماتهم، وإنما هم يتطلعون إلى أن يكون استسلام المواطنين لحكمهم مستندا إلى توهم أن الحكام تحركهم أهداف نبيلة وأنهم حريصون على الاستجابة لاعتبارات أخلاقية سامية، هى وحدها التى دفعتهم لانتهاج سياساتهم فى الداخل والخارج، وخصوصا عندما يشرعون فى الأخذ بسياسات تتنافى مع ما كان المواطنون قد تعودوا منهم، وتتعارض مع خطاب كانوا يرددونه منذ عقود. بكل تأكيد لا غرابة فى ذلك. ولكن الجديد والمدهش حقا أن يستمر إقحام القضية الفلسطينية لتبرير سياسة دوافعها الأساسية أبعد ما تكون عن خدمة هذه القضية، بل ولا علاقة لها بالقضية الفلسطينية من قريب أو بعيد. الجديد والمدهش هنا فى حالة إعلان حكومتى الإمارات وإسرائيل عزمهما على التطبيع الكامل للعلاقات فيما بينهما.
إن الكل يعرف أن هذا التطبيع قد بدأ بالفعل منذ سنوات، وأن أسبابه التى يعرفها القاصى والدانى لا تمت بصلة إلى القضية الفلسطينية. ويثير هذا المسلك الجديد للحكومات العربية وليس فقط لحكومة الإمارات سؤال واحد تتعدد له الإجابات: لماذا اللجوء إلى هذا الأسلوب؟ هل يتعلق ذلك بالتركيبة النفسية لبعض الحكام؟ أم أن هناك تفسيرات أخرى؟
قد يكون هناك تفسير فى علم النفس لهذه المحاولة فى التسامى، وهو أن ثمة شعورا دفينا بأن هناك خروجا على ما استقر من قيم لدى المواطنين، وأنه يصعب رفض هذه القيم، لأنها قيم مشروعة ونبيلة، ولذلك سوف يكون من العسير تنحيتها بادعاء أنها لم تعد صالحة للعصر، أو أنها ليست جديرة بالاحترام، بل إنه من المحرج كذلك الإقرار بالدوافع الحقيقية التى دعت إلى اتباع هذه السياسات المخالفة للمألوف، لأنها تظهر من أخذوا بها فى صورة لا يحبون أن يخرجوا بها أمام مواطنيهم. بعض هذه الدوافع هى الخوف من جار قوى، وعدم الثقة فى الأشقاء الذين كان يمكن أن يشكلوا عضدا رادعا فى مواجهته، أو لأن من أخذوا بهذه السياسات ليسوا متأكدين فى الحقيقة من صحة حساباتهم، ولذلك يجدون المخرج فى التظاهر بأنهم شرعوا فى اتباعها استجابة لتلك القيم العزيزة على مواطنيهم والشعوب المجاورة لهم.
هذا التفسير النفسانى قد يكون افتراضا مكملا لعناصر أخرى فى التفسير يمكن بدرجة أكبر التثبت من معقوليتها، ولكن قبل الشروع فى طرح هذه العناصر الأخرى من الضرورى البرهنة على أن لهذا التفسير النفسى ما يؤكده على أرض الواقع. الدليل على أن لهذا التفسير بعض الوجاهة أن الاتصالات بين حكومتى دولة الإمارات وإسرائيل معروفة لقراء الصحف، ولم تخف الحكومتان أنباء هذه الاتصالات، ومنها أخيرا هبوط طائرة لدولة الإمارات فى مطار اللد بالقرب من تل أبيب، ومن عزم الدولتين على التعاون فى مكافحة جائحة كورونا، وهو أمر لا يبرره سوى الرغبة فى دفع التطبيع بينهما قدما للأمام، فإسرائيل نفسها قد أخفقت فى مواجهة هذه الجائحة، وخرجت المظاهرات فيها تحتج على هذا الفشل، وتوجهت إلى مقر إقامة رئيس الوزراء. ولو كانت الإمارات تريد الاستفادة من جهود ناجحة فى هذا المجال، فأمامها العديد من الدول ذات السجل الناجح من كوريا الجنوبية إلى ألمانيا أو الصين، ولكن حكومتها اختارت إسرائيل تحديدا لأنها تريد مبررا مقبولا لتعاونها مع إسرائيل، وهل هناك أفضل من إظهار الحرص على الحفاظ على صحة مواطنيها وسكانها؟
الدليل الثانى على وجاهة هذا التفسير أن مسألة وقف خطة الضم لمساحات من الضفة الغربية كانت قد تقررت فعلا بدون تدخل دولة الإمارات، ولم يكن السبب فى ذلك هذا الخطاب الذى وجهه سفير الإمارات فى الولايات المتحدة للرأى العام الإسرائيلى ومن خلال الصحافة الإسرائيلية يحذر فيها من أن هذا المخطط سوف يضع عقبات أمام تطوير العلاقات الإسرائيلية الخليجية. الصحافة الإسرائيلية ذاتها وصفت مخطط نتنياهو للضم بأنه مشروع خيالى، وقد توقف لأسباب داخلية وخارجية فى إسرائيل. شريك حزب الليكود فى الائتلاف الحكومى الذى تكون بصعوبة شديدة وهو حزب أزرق أبيض لم يكن موافقا على الضم، كما أن الإدارة الأمريكية لم تكن تحبذه فى التوقيت الذى اختاره نتنياهو وبشروطه. وبالرغم من إغراء التطبيع الكامل للعلاقات مع دولة عربية خليجية لم يتخل نتنياهو عن القيام بالضم فى وقت لاحق. كل ما التزم به هو وقف مشروع الضم وليس التخلى عنه نهائيا، وهذه هى الصياغة التى أعلنت فى المؤتمر الصحفى فى البيت الأبيض الذى جرى فيه إعلان قرار التطبيع الكامل، وهو ما أكده بعد ذلك كل من نتنياهو وسفير الولايات المتحدة فى إسرائيل.
حساب المكاسب
هناك مكاسب يحققها الإعلان عن التطبيع الكامل للعلاقات بين دولة الإمارات وإسرائيل، ولكنها فى معظمها مكاسب شخصية للرؤساء الثلاثة الذين شاركوا من خلال الاتصالات التليفونية فى التمهيد لهذا الإعلان. أول المكاسب يحققها دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الذى يخوض معركة انتخابية صعبة يتفوق فيها منافسه جو بيدن فى استطلاعات الرأى. هو قدم هذا الإعلان فى المـؤتمر الصحفى باعتباره انتصارا ضخما ما كان من الممكن الوصول إليه لولا جهده الشخصى، ويتصور أن ذلك النصر الدبلوماسى سيعزز موقفه فى انتخابات الرئاسة، بل الأهم من ذلك كله أنه يريد بتحقيق هذا الاختراق أن يدعم فرصة حصوله على جائزة نوبل للسلام التى حصل عليها سلفه باراك أوباما فى الشهور الأولى لولايته، وهو، كما هو معروف، لا يريد أن يكون سجله كرئيس أقل من سجل أوباما فى أى مجال وقد طرح مستشاره للأمن القومى بالفعل هذا المطلب.
المكسب الشخصى الثانى حققه بنيامين نتنياهو، فهو يظهر للإسرائيليين أنه أنجح رؤساء وزاراتهم على الصعيد الخارجى، له علاقات متميزة مع أبرز قادة العالم من فلاديمير بوتين إلى دونالد ترامب إلى مارندرا مودى، كما أنه هو الذى فتح أمام سفارات إسرائيل العديد من الدول الإفريقية، وهو الذى أعلمهم بلقاءاته مع العديد من القادة العرب، وها هو يتوج ذلك بالشروع فى تبادل السفارات وخطوط الطيران والأفواج السياحية ليس مع أى دولة عربية، ولكن مع دولة عربية ثرية يسيل للتعاون معها لعاب رجال الأعمال الإسرائيليين. صحيح أنه سوف يواجه معارضة من أنصار الضم من الأحزاب اليمينية وخصوصا المستوطنين الذين يتمتعون بوجود بارز فى الكنيست وفى الحياة السياسية، ولكن استطلاعات الرأى العام فى إسرائيل تشير إلى أن الذين يعترضون على الضم يمثلون نسبة عالية من المواطنين. التطبيع مع دولة عربية أخرى ليس فقط مكسبا شخصيا لنتنياهو ولكنه مكسب لإسرائيل وللمشروع الصهيونى الذى يبدو مقبولا بل وموضع إعجاب من قطاع مهم من العرب وخصوصا فى الخليج.
ولا شك أن الأمير محمد بن زايد يشعر بالرضاء عن تطور علاقاته مع إسرائيل على هذا النحو. التعاون الأمنى والعسكرى مع إسرائيل يعطيه الطمأنينة، وإذا كان احتمال دخول إسرائيل فى حرب ضد إيران مستبعدا، فتوثيق العلاقات معها ومع إدارة ترامب فى الولايات المتحدة يجعله يقف فى شبه تحالف مع أشد أعداء إيران، وهو ما قد يمثل رادعا أمام أى محاولات إيرانية متخيلة لزعزعة استقرار بلاده. ولكن هل يضمن ذلك علاقات حسن جوار مع إيران فى المستقبل، حتى ولو زال حكم آيات الله؟ ألا يترك التحالف مع أشد أعداء إيران ذكرى مريرة تستمر معهم فى المستقبل؟
الخاسرون
لا شك أن أشد الخاسرين هم الشعب الفلسطينى والعرب المتعاطفون معهم الذين يرون عددا متزايدا من الحكومات العربية تتخلى عن شروطها لتسوية سلمية مع إسرائيل تضمن حقوق الشعب الفلسطينى. وقد كان لافتا للنظر أن الذين أحاطوا بالرئيس الأمريكى فى مؤتمره الصحفى لم يكن بينهم فلسطينى أو عربى واحد سوى سفير دولة الإمارات فى واشنطن، والباقون كلهم من غلاة أنصار إسرائيل فى واشنطن وفيهم بطبيعة الحال السفير الإسرائيلى. طبعا جرت مياه كثيرة فى الوطن العربى منذ مؤتمر الخرطوم فى أغسطس ١٩٦٧ ولاءاته الثلاثة الشهيرة للمفاوضات والاعتراف والصلح مع إسرائيل. يمكن أن يفهم الفلسطينيون الدواعى التى دفعت ثلاثة أطراف عربية هى مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية للدخول فى علاقات مع حكومة إسرائيل نصت على تطبيع كامل، هى دول مواجهة وقد خاضت حروبا مع عدوه، وقد حصلت كل منها على مقابل لتطبيعها مع إسرائيل، وقد تتباين الآراء فى تقدير هذا المقابل، ولكنها حصلت على مقابل على أى حال، ولم تتخل عن تأييدها لمشروع تسوية عربى يقيم سلاما مع إسرائيل فى مقابل جلائها عن كل الأراضى التى احتلتها، وقبولها بدولة فلسطينية عاصمتها القدس وعلى كامل أراضى الضفة الغربية وغزة. لماذا يسرع هؤلاء العرب الذين لا تمثل إسرائيل تهديدا لأمنهم بتقديم مكافأة لها بدون مقابل، ولماذا تستعد عواصم أخرى عربية فى عمان والبحرين للسير على نفس الطريق، ولماذا يقول كتاب سعوديون إنه كما أن للفلسطينيين الحق فى تقرير موقفهم من إسرائيل، فكذلك لكل دولة عربية الحق فى ذلك، وهو ما يبدو وكأنه تمهيد لأن تواصل المملكة السعودية السير على نفس الطريق، ولكن ربما دون الوصول إلى نفس المحطة التى سيبلغها قطار دولة الإمارات عما قريب.
السبيل الوحيد أمام الفلسطينيين لتقليل الخسارة هو استعادة وحدة منظماتهم وشروعهم فى المقاومة السلمية المشروعة للاحتلال العنصرى لبلادهم. قد يولد ذلك ضغوطا من الشعوب العربية توقف سباق الهرولة للقبول الساذج بهذه المهانة لوجودهم وكرامتهم والذى تجسده إسرائيل.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات