سورية: استكشاف أميركي قبل استئناف ترتيب البيت الكردي

سورية: استكشاف أميركي قبل استئناف ترتيب البيت الكردي

19 مايو 2021
وصف مظلوم عبدي (شمال) اللقاء مع الوفد الأميركي بـ"البناء" (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

خطت الإدارة الأميركية خطوة لافتة باتجاه ترتيب البيت الداخلي للأكراد السوريين، للخروج باتفاق بين فرقاء هذا البيت لتشكيل مرجعية سياسية واحدة تمثلهم في استحقاقات الحل السياسي للقضية السورية، وتسهم في ترسيخ الاستقرار في الشمال الشرقي من البلاد الخاضع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) ذات الطابع الكردي. وفي خطوة مفاجئة، قالت وزارة الخارجية الأميركية، أول من أمس الإثنين، إنّ القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية جوي هود، برفقة كل من نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركية والممثلة الخاصة بالنيابة لسورية، إيمي كترونا، ونائب المبعوث الخاص لسورية ديفيد براونشتاين، ومديرة مجلس الأمن القومي للعراق وسورية في البيت الأبيض، زهرة بيل، زاروا الأحد الماضي مناطق "الإدارة الذاتية" شمال شرقي سورية. وأكدت الخارجية أنّ الهدف من زيارة الوفد، إجراء اجتماعات مع كبار المسؤولين في "قوات سورية الديمقراطية" و"مجلس سورية الديمقراطية" (مسد، الجناح السياسي لقسد)، وزعماء العشائر في الرقة ونظرائهم العسكريين من "قسد" والجهات الفاعلة الإنسانية.

لدى الجانب الأميركي توجه لإشراك الأكراد المستقلين في الحوار الكردي-الكردي

من جهته، وصف قائد "قسد"، مظلوم عبدي، اللقاء مع الوفد الأميركي بـ"البناء"، موضحاً في تغريدة له أمس الثلاثاء على حسابه بموقع "تويتر": "تم التأكيد على بقاء قوات التحالف الدولي في المنطقة لتحقيق النصر الكامل على تنظيم داعش، ودعم الاستقرار وتمكين الإدارة الذاتية". وكان الوفد ذاته التقى الأحد الماضي في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، رئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني، ورئيس الحكومة مسرور البارزاني، للبحث في الحوار الكردي-الكردي في سورية.

من جهتها، كشفت مصادر مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن الوفد الأميركي لم يلتق بـ"المجلس الوطني الكردي" (المنضوي ضمن الائتلاف السوري المعارض)، مشيرة إلى أنّ "مهمة الوفد الرئيسية تقديم تقرير مفصل لوزارة الخارجية الأميركية، لرسم الاستراتيجية الأميركية حيال الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يُعرف بشرقي الفرات". وأوضحت المصادر أنّ "لدى الجانب الأميركي توجها لإشراك الأكراد المستقلين في الحوار الكردي-الكردي في سورية، والذي يستحوذ عليه طرفان فقط (أحزاب الوحدة الوطنية الكردية (الاتحاد الديمقراطي وشركاؤه)، والمجلس الوطني الكردي)، في ظلّ غياب كامل لتيارات سياسية أخرى وشخصيات مستقلة لها وزن في الشارع السوري الكردي".

من جانبها، أشارت سما بكداش، الناطقة باسم حزب "الاتحاد الديمقراطي"، أكبر الأحزاب الكردية، وينظر إليه باعتباره نسخة سورية من حزب "العمال الكردستاني"، إلى أنها "المرة الأولى التي يزور فيها وفد رفيع بهذا المستوى شمال شرق سورية ومناطق الإدارة الذاتية". وأوضحت في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الوفد الأميركي "عقد اجتماعين مع مجلس سورية الديمقراطية وقوات سورية الديمقراطية والإدارة الذاتية"، معتبرة أنّ "الزيارة تؤكد على استمرارية التحالف في المجال العسكري لدحر تنظيم داعش". ولفتت بكداش إلى أنه "لم يكن هناك اجتماع مع أي طرف بخصوص الحوار الكردي"، موضحةً أنّ "الوفد غادر من دون أن يجتمع مع مجلس الأحزاب الوطنية".

مهمة الوفد الرئيسية تقديم تقرير مفصل لوزارة الخارجية الأميركية، لرسم الاستراتيجية حيال الشمال الشرقي من سورية

ومنذ عام 2014، تدعم الولايات المتحدة الساسة الممثلين للتيار القومي الكردي، وخاصة "حزب الاتحاد الديمقراطي" وذراعه العسكرية "وحدات حماية الشعب" التي تشكل الثقل الرئيسي لـ"قسد". ويسيطر الأكراد منذ سنوات على أغلب منطقة شرق نهر الفرات الغنية بالثروات، التي تشكل نحو ثلث مساحة سورية، إضافة إلى سيطرتهم على مناطق غرب نهر الفرات، وأبرزها مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي.

وكانت الإدارة الأميركية السابقة، رعت حواراً بين "المجلس الوطني الكردي" في سورية، و"أحزاب الوحدة الوطنية الكردية" وأبرزها "الاتحاد الديمقراطي"، التي تشكل الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي من البلاد. ولكن هذا الحوار تعثّر بعد عدة جولات تفاوض بسبب رفض حزب "الاتحاد الديمقراطي"، إبداء مرونة حيال العديد من القضايا، منها فكّ الارتباط بين الإدارة وحزب "العمال الكردستاني"، وتعديل العقد الاجتماعي، وإلغاء التجنيد الإجباري مع دخول "البشمركة السورية" إلى الشمال الشرقي من سورية، إضافة إلى مسألة الوضع التعليمي وإيجاد حلّ عملي يضمن مستقبل الطلبة بشهادات معترف بها، وإدخال التعليم باللغة الكردية بشكل يناسب ذلك، وحسم مصير المعتقلين والمختطفين.

في السياق، قال سكرتير حزب "اليسار الديمقراطي الكردي" والقيادي في "المجلس الوطني الكردي"، شلال كدو، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الإدارة الأميركية قادرة على التسريع بالاتفاق بين المكونات السياسية الكردية في سورية"، مضيفاً أنّ "واشنطن لها تأثير كبير على مكونات الشمال الشرقي من سورية؛ السياسية والإثنية". ولفت إلى أنه "لا توجد حتى اللحظة إرادة أميركية حقيقية لإتمام عملية الحوار الكردي-الكردي"، مضيفاً: "كلنا ننتظر الاستراتيجية الأميركية الجديدة حيال مجمل الأوضاع في سورية".

ولفت كدو إلى أنّ "الحوار الكردي-الكردي توقف منذ أواخر العام الفائت"، معرباً عن اعتقاده بأنّ "زيارة الوفد الأميركي إلى المنطقة هي لرفع تقرير من أجل تحديد مبادئ السياسة الأميركية حيال سورية بشكل عام، والشمال الشرقي منها بشكل خاص". وأوضح أنه "بعد الاتفاق الكردي-الكردي، سيبدأ حوار شامل في الشمال الشرقي من سورية بين الأكراد وباقي المكونات القومية في المنطقة من عرب وسريان".

كدو: لا توجد حتى اللحظة إرادة أميركية حقيقية لإتمام عملية الحوار الكردي-الكردي

وأشاد كدو بالتحالف الدولي ضدّ الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، معتبراً أنه "الدرع الواقي للشمال الشرقي من سورية"، معتبراً أنه "لولا وجود قوات التحالف في المنطقة، لكان مصيرها ربما شبيها بمصير عفرين ورأس العين وتل أبيض (مناطق خاضعة للنفوذ التركي في الشمال السوري)، أو كمصير المناطق التي انتزعها النظام من الفصائل المسلحة".

وكان عدد من أنصار حزب "العمال الكردستاني" في ريف الحسكة، أقصى الشمال الشرقي من سورية، قد رشقوا أول من أمس الإثنين، دورية أميركية بالحجارة، في خطوة تؤكد استياء كوادر هذا الحزب من توجه أميركي للضغط على حزب "الاتحاد الديمقراطي" لفك ارتباطه بـ"العمال الكردستاني" والمصنف في عدد من الدول ضمن التنظيمات الإرهابية. ويلعب وجود كوادر هذا الحزب الأخير في الشمال الشرقي من سورية، دوراً في تأخير التوصّل لاتفاق بين الأطراف الكردية لتشكيل مرجعية سياسية واحدة، كما أنه يحول دون بدء حوار يرقى إلى مستوى التفاوض بين الإدارة الذاتية والائتلاف الوطني السوري، حيث يضع الأخير مسألة خروج "العمال الكردستاني" من سورية شرطاً قبل التفاهم مع هذه الإدارة حول مستقبل الشمال الشرقي من سورية.

المساهمون