روسيا تلوّح بالاعتراف بحكومة طالبان.. لماذا الآن؟

روسيا تلوّح بالاعتراف بحكومة طالبان.. لماذا الآن؟


20/06/2022

لوّحت روسيا الأسبوع الماضي باحتمال الاعتراف قريباً بحكومة طالبان بعد نحو عام من تشكيلها، ورغم الرفض الغربي لذلك، وصفه مراقبون بأنّه إحدى حلقات الضغط والتجاذب بين موسكو والتحالف الغربي في إطار التوتر المستعر بينهما جراء الحرب الأوكرانية، وأيضاً محاولة من روسيا لتوظيف ملف الحركة التي تثير قلقاً كبيراً في آسيا لصالح حربها مع كييف.

والثلاثاء الماضي، قال الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أفغانستان، زامير كابولوف: إنّ "آفاق الاعتراف بحكومة طالبان موجودة"، مرجحاً أن تجري الترتيبات للأمر قريباً في إطار مباحثات جادة مع الحركة الأفغانية.

وأضاف كابولوف، في تصريحات للقناة الروسية الأولى، رداً على سؤال حول احتمال الاعتراف الروسي بشرعية طالبان: إنّ "من الواضح أنّ مثل هذه الآفاق موجودة، فالشروط سبق أن أشار إليها كلّ من رئيس روسيا ووزير خارجيتها، والخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي سلطة عرقية وسياسية شاملة"، بحسب ما نقله موقع "روسيا اليوم".

وأوضح المسؤول الروسي أنّه "جرى في وقت سابق إبلاغ ممثلي السلطات الأفغانية الحالية بهذا الأمر أكثر من مرة، وعندما يحدث ذلك، سيكون هناك أساس لمحادثة جادة".

شحنات قمح روسية إلى أفغانستان

وكان كابولوف قد أعلن في وقت سابق أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "وافق على تخصيص شحنة عاجلة من الحبوب لأفغانستان في حال لزم الأمر".

زامير كابولوف: آفاق الاعتراف بحكومة طالبان موجودة

وقال كابولوف بحسب ما نقله موقع "روسيا اليوم": إنّ اللجنة الروسية المشتركة بين الإدارات، عقب نتائج عملها في أفغانستان، أبلغت الرئيس بآرائها، وسمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حيث المبدأ بتخصيص، إذا لزم الأمر، كمية معينة من الحبوب، مع مراعاة الحصاد الجيد المتوقع في روسيا، وحجم هذه المساعدة ستحدده الحكومة الروسية.

توظيف سياسي بين موسكو وواشنطن

وفي المقابل، اتهمت روسيا الأربعاء الولايات المتحدة باستخدام التنظيمات الإرهابية، بما فيها طالبان الخاضعة لعقوبات أممية، وتنظيم القاعدة، لتحقيق أهداف جيوسياسية، على حدّ قول سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف.

 

محمد فوزي: روسيا ترى أنّ العلاقات الجيدة مع السلطة الحالية في أفغانستان سوف تُعزز مصالحها في المنطقة الآسيوية ككل وتؤمن حضورها ونفوذها

 

وقال باتروشيف في تصريحات نقلها موقع "سبوتنيك": إنّ "هناك اندماجاً بين الإرهابيين وتجار المخدرات وتجار الأسلحة. وفي الوقت ذاته، يجب ألّا ننسى أنّ "القاعدة" و"طالبان" تم إنشاؤهما من قبل الأمريكيين، وما تزال تستخدم بنشاط من قبل الخدمات الخاصة الأمريكية لتحقيق الأهداف الجيوسياسية".

لماذا تحتفظ روسيا بعلاقات جيدة مع طالبان؟

الباحث المختص في قضايا الأمن الإقليمي والشؤون الدولية محمد فوزي يرى أنّ تغير التوجهات والتعامل الروسي مع حركة طالبان قديم، بدأ منذ وصول الرئيس الحالي فلاديمير بوتين إلى الحكم.

وهو التغير الذي ارتبط، بحسب فوزي، بالدروس المستفادة من سقوط الاتحاد السوفييتي، حيث رأى الضابط الشاب في جهاز الاستخبارات الروسية آنذاك أنّ استعادة نفوذ روسيا عالمياً في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي سوف يرتبط بتبنّي نهج براغماتي يُحقق مكاسب جيوسياسية واقتصادية بعيدة المدى، انطلاقاً من إدراك بوتين أنّه لا توجد في السياسة عداوة دائمة، أو صداقة دائمة.

 

فوزي: أحد أهم الاعتبارات التي يُمكن في ضوئها فهم التقارب بين روسيا وطالبان، هو التنافس والصراع بين واشنطن وموسكو

 

وفي تصريح لـ"حفريات" يقول فوزي: إنّ هذا التغير في الموقف الروسي من طالبان برز بشكل رسمي في كانون الأول (ديسمبر) 2016، مع الاجتماع الثلاثي الذي استضافته روسيا بينها وبين حركة طالبان وإيران، لمناقشة بعض القضايا المتعلقة بأفغانستان، إلى أن وصلنا إلى المرحلة الحالية، التي تشهد زخماً كبيراً على مستوى العلاقات الطالبانية الروسية، وهي العلاقات التي يُمكن تفسيرها في ضوء عدد من الاعتبارات.

ما دلالة توقيت التصريح الروسي؟

يرى فوزي أنّ روسيا تتعامل في الوقت الراهن مع حركة طالبان بنهج براغماتي، باعتبارها "سلطة الأمر الواقع" في أفغانستان، وهو النهج الذي فرض نفسه بعد سيطرة حركة طالبان على مفاصل الدولة الأفغانية في آب (أغسطس) 2021، إذ ترى روسيا أنّ العلاقات الجيدة مع السلطة الحالية في أفغانستان سوف تُعزز مصالحها في المنطقة الآسيوية ككل، وتؤمن حضورها ونفوذها.

تغير التوجهات والتعامل الروسي مع طالبان قديم وبدأ منذ وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم

وبحسب فوزي، أحد الاعتبارات التي تقف خلف التقارب الروسي مع حركة طالبان حالياً تتمثل في التخوف الروسي من تهديدات تنظيم "داعش - ولاية خراسان"، حيث أعربت الخارجية الروسية في أكثر من مناسبة عن قلقها من صعود تنظيم داعش في أفغانستان، وأشارت إلى أنّ هذا الصعود يُهدد الجغرافيا السياسية والأمنية لروسيا في المنطقة.

ويرى الباحث المختص بقضايا الأمن الإقليمي أنّه على الرغم من التشابهات الأيديولوجية الكبيرة بين "طالبان" و"داعش"، إلا أنّ روسيا ترى في طالبان "منظمة أفغانية محلية على مستوى الأجندة والأطماع"، على عكس تنظيم داعش الذي يحمل مشروعاً توسعياً يُهدد المصالح الجيوسياسية والأمنية لروسيا.

عودة أجواء الحرب الباردة وتوظيف حركات الإرهاب

يقول فوزي: إنّ "أحد أهم الاعتبارات التي يُمكن في ضوئها فهم التقارب بين روسيا وطالبان، هو التنافس والصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، وعودة أجواء الحرب الباردة بينهما، إذ تُحمّل روسيا الولايات المتحدة مسؤولية الفوضى في المنطقة، خصوصاً بعد الانسحاب "المتعجل" من أفغانستان، كما أنّ روسيا ترى في العلاقات مع طالبان إحدى الأدوات التي يُمكن أن توظفها في ابتزاز المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة.

ويضيف أنّ مسؤولي حركة طالبان عبروا في أكثر من مناسبة عن أنّ الهدف من التقارب مع روسيا هو مواجهة الولايات المتحدة، التي تمثل حسب هؤلاء "العدو المشترك"، في إشارة واضحة إلى أنّ هذا التقارب يأتي على قاعدة مواجهة الولايات المتحدة.

مواضيع ذات صلة:

التحول في أفغانستان والحسابات الروسية... لماذا تقبلت موسكو حكم طالبان؟

حركة طالبان تمهد أفغانستان وآسيا الوسطى أمام تركيا

لماذا هبّ العالم الغربي لدعم طالبان في أفغانستان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية