إصدارات

كتاب: “نساء المغرب في زمن العولمة ” صيغة(PDF)

في سياق الذكرى 20 سنة على تأسيس أطاك المغرب، عضو الشبكة الدولية للجنة من اجل إلغاء الديون غير الشرعية CADTM، ستقوم الجمعية بنشر إصداراتها الرئيسية باللغة العربية و الفرنسية(صيغةPDF)، لتعميم الفائدة ومن أجل تثقيف شعبي متجه نحو النضال. وفي ما يلي نقدم لكم كتاب: “نساء المغرب في زمن العولمة”، للقراءة و التحميل

تقديم

إن للعولمة الرأسمالية تأثيرات متناقضة على المجتمعات والأفراد وعلى النساء بشكل خاص. فهي من جهة تفتح للنساء آفاقا وأوضاعا جديدة تطور خبراتهن، ومن جهة أخرى تخلق شروطا جديدة لاضطهاد النساء وتحافظ عليه وتستفيد منه.

فَرَض السعي المحموم لتوسيع نظام الانتاج والتوزيع الرأسماليين على المستوى العالمي وتوطيد منطق السوق الليبرالي ليشمل كل مناحي النشاط  الانساني (الانتاجية والخدماتية والمالية والاستهلاكية والثقافية والاجتماعية…)، إجراء تغييرات هيكلية في البنى الاقتصادية والاجتماعية لدول الجنوب. وتشرف المؤسسات الدولية كمنظمة التجارة العالمية والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي على التخطيط والهندسة لتلك التغيرات الهيكلية. فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، مع انفجار أزمة المديونية، فُرضت على دول الجنوب برامج سميت تقويما هيكليا دمرت الخدمات الاجتماعية وأطلقت سلسلة تغيرات في البنية الاقتصادية. وهو ما سيتعمق لاحقا مع الاتفاقيات الموقعة في إطار المنظمة العالمية للتجارة، كاتفاقية تجارة الخدمات (َAGCS)، التي سمحت بتعميق سيرورة خوصصة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ومرونة علاقات الشغل.

ولأن نساء الطبقات الشعبية هن المسؤولات بشكل رئيسي عن إعادة إنتاج قوة العمل (العمل المنزلي وتربية الأطفال والعناية بالمرضى والمسنين..)، فإن الهجوم على الخدمات الاجتماعية يجعلهن أول من يدفع الثمن من خلال تدهور شروط حياتهن وتضخيم عبء عملهن المجاني. هذا إضافة الى أن الثقافة الذكورية السائدة في دول الجنوب تجعلهن في مرتبة دونية داخل الأسرة؛ فعندما تُلغى مجانية التعليم والصحة تكون الفتيات أول من يُسحب من الدراسة و يُحرمن من العلاج كما يتضررن بفعل موقعهن في سوق العمل.

ان نمط الإنتاج الرأسمالي، إذ يؤدي، بوتيرة غير مسبوقة في التاريخ، إلى توسيع علاقات الإنتاج الرأسمالية بخطى حثيثة وزعزعة البنيات القديمة (فك القيود التي تعيق النساء عن الخروج للعمل أو عن ممارسة انشطة  مدرة للدخل للتخفيف من عبء الأسر جراء مخلفات تدمير الخدمات العمومية)، يحرص على  الحفاظ على القسمة الجنسية والاجتماعية للعمل التي تؤسس لاضطهاد النوع (لضمان مجانية إعادة إنتاج قوة العمل والرفع من معدل فائض القيمة).

إن التناقض بين الرغبة في زعزعة البنيات الاجتماعية القديمة و ضرورة الحفاظ على القسمة الجنسية والاجتماعية للعمل، هو ما يفسر الاهتمام بأوضاع النساء المطبل له بكثرة من قبل البنك العالمي وأممه المتحدة.   

هكذا انتقل خطاب البنك العالمي وأبواقه من الحديث حول “فقر النساء” الى “ادماج النساء في التنمية” وصولا إلى “تمكين النساء”. لم يكن التركيز على النساء في برامج الأمم المتحدة مسألة بريئة ولا صَحوةَ ضمير “نوعية” [نسبة للنوع الاجتماعي]، بل استراتيجية تخدم مصلحة الرأسمال الدولي على الخصوص في توفير يد عاملة رخيصة متحررة من عقلية المكوث بالبيت.

هذا هو السياق الذي جاء فيه ما يسمى “الأهداف الإنمائية للألفية” الصادرة عن الأمم المتحدة في شتنبر 2000، التي تتضمن أهادفا منها “تعزيز المساواة بين الجنسين و تمكين المرأة”، و”تحسين خدمات الصحة الإنجابية”.

وقد استطاع البنك العالمي بخطابه حول المساواة والتنمية ان يستقطب لِصَفه قسما من الحركة النسائية ويدمجها في منظوره الليبرالي.   

والمغرب مثل باقي البلدان الخاضعة للسيطرة، طبق ويواصل تطبيق كل البرامج الليبرالية التي عصفت وماتزال بالخدمات العمومية (صحة وتعليم وسكن ونقل وماء وكهرباء..) وهو ما كان له نتائج كارثية على الطبقات الشعبية وبالأخص النساء. وسيرا على توصيات البنك العالمي، قام النظام المغربي بتطبيق كل الوصفات “التنموية” المستهدفة للنساء. وبرهن في هذا المجال بالضبط أنه جدير فعلا بلقبه كتلميذ نجيب للمؤسسات المالية العالمية بحرصه على التتبع الحرفي لمنطقها ومنظوراتها ومقترحاتها وآلياتها وحتى لجهازها المفاهيمي.

هذا هو الاطار الذي يمكن ضمنه فهم جوهر وحدود ما اعتبر “توجها حداثيا للعهد الجديد” ابتداء بما سمي “خطة وطنية لإدماج المرأة في التنمية”(2000) و”مدونة الأسرة”(2004) وباقي التعديلات التي همت عددا من التشريعات القانونية المكبلة للنساء في القانون التجاري و قانون الجنسية(2007) والقانون الجنائي(2014).

إن هذه التعديلات القانونية، على أهميتها كخطوة إلى الأمام، تظل خطوة مترددة جزئية ومبثورة ولم تمسس اساس الثقافة الذكورية. فتقسيم الأدوار الاجتماعية بين الجنسين لازال محصنا وساريا ومحتفى به، ومازالت هناك قوانين تمييزية صارخة ضد النساء، فمدونة الاسرة تستمر في تكريس اللامساواة تجاه المرأة لاسيما في بنود الطلاق والتعدد والإرث. والدولة مستمرة في تحفظها على بعض بنود اتفاقية مناهضة كل اشكال التمييز ضد النساء (CEDAW)، وقانون الاجهاض يحرم المرأة من حقها في التحكم في جسدها. هذا ناهيك عن ان الثقافة الذكورية تخترق كل أوجه الواقع في المسجد والأسرة والإعلام…  ويشكل ارتفاع العنف والتحرش الجنسي وتزويج القاصرات الوجه الأبرز لللامساواة والسيطرة الذكورية.

وضمن ذات الإطار أيضا يمكن فهم ما سمي”مبادرة وطنية للتنمية البشرية”(2005) و “أنشطة مدرة للدخل” و”تعاونيات نسائية” و”تمويل أصغر”، وكل الجعجعة الرسمية المنافقة حول مقاربة “النوع”.

فالحلول “التنموية” الاقتصادية المقدمة لنساء الطبقات الشعبية لم تعوض لا نقص الشغل ولا تدمير مناصب الشغل القارة. فالرهان على مشاريع التشغيل الذاتي و التعاونيات وتمكين النساء من القروض الصغرى لن يستطيع انتشال النساء من الفقر لأنها لن تعوض دور الدولة في توفير الخدمات الاجتماعية العمومية كما لا يمكن لصندوق الأرامل أن يعوض تخلي الدولة عن دعم المواد الاساسية. وتشهد الاحداث الاخيرة -وفاة 15 امرأة بهوامش مدينة الصويرة وامرأتين بمعبر سبتة- على حجم الكارثة الاجتماعية التي يتجه صوبها المجتمع المغربي والتي دق ناقوسها هذا الإذلال والتدافع من أجل الحصول على لقمة عيش.

أما البرامج والإصلاحات المرتبطة بالتعليم والصحة، فيحكمها منطق نيوليبرالي متطرف ما تزال ويلاته وحلقاته متواصلة أمامنا الى اليوم هدفه القضاء على ما تبقى من طابعهما العمومي والمجاني وتحويلهما الى سلعة في سوق الخوصصة النيوليبرالي. إن التقدم النسبي الذي يلاحظ في بعض مؤشراتهما الكمية، إنما يعكس حجم الخراب الذي كان عليه الوضع جراء عقود من التقشف والقهر، أكثر مما يعكس تطورا فعليا لمستوى هذه الخدمات. فبالنسبة للتعليم لم تتحقق أيٌّ من الوعود الكمية التي أطلقها الميثاق الوطني حول التعميم ومحو الأمية، بينما واصل مستوى التعليم تدهورا خطيرا لم يسبق له مثيل لكلا الجنسين. وبالنسبة للصحة، فالخدمات الصحية متردية ولازالت معدلات وفيات الامهات والأطفال، مثلا، مرتفعة مقارنة بدول مجاورة. إن التطور الكمي الذي ينبغي الاقرار أنه تحقق فعلا بل واتخذ أبعادا نوعية هو التطور الملفت والمتواصل لتغلغل القطاع الخاص في القطاعين معا ومستوى الهشاشة الذي غزا قطاع التعليم أساسا. لاغرابة.. فالمنطق والهدف هو بالضبط تدمير هذه القطاعات بما هي خدمات عمومية.

لكل ذلك، لم تكن صدفة أن تتقدم النساء صفوف الاحتجاجات الاجتماعية التي يعرفها البلد؛ فالنساء حاضرات بقوة في الاضرابات العمالية، وأغلب الاحتجاجات في المناطق الأكثر تهميشا حول الصحة والماء والتعليم عرفت مشاركة ملفتة للنساء على الرغم من كونها مناطق محافظة كطاطا 2005 وايفني 2008 و الريف وزاكورة وجرادة مؤخرا. نفس الأمر ينطبق على نضالات الشباب ضد البطالة ومن أجل الحق في التعليم. كما برزت نضالات جديدة ككفاح النساء السُّلاليات من أجل الحق في الأرض ونضالات النساء ضحايا مؤسسات القروض الصغرى.

تِلكم، في نظرنا، أسس وأوجه انعكاسات العولمة الليبرالية على نساء المغرب، التي حاولنا تسليط الضوء عليها في هذا الكتاب من خلال تناولنا لواقع الصحة والتعليم والشغل، وعبر بحث ميداني حول أوضاع العاملات في القطاع الزراعي بسوس واللوكوس وآثار تأنيث هذا القطاع على حياة النساء وعلى التقسيم الجنسي للأدوار والتمثلات الاجتماعية. كما سنقف عند مشاركة النساء في النضالات الشعبية، وعند طبيعة وحصيلة النموذج التنموي الموجه للنساء.

إن هذا الكتاب، الذي يصدر عن لجنة نساء أطاك المغرب، هو استمرار للجهد الدراسي الذي تُوج بإصدار كتاب حول القروض الصغرى بالمغرب في مارس 2017، ويندرج في إطار شعار ومبدأ جمعيتنا “الفهم من أجل المواجهة”. إن هدفنا هو المساهمة في فهم الأوضاع الحية والمتغيرة باستمرار التي تجري ضمنها نضالات النساء، وفي خلق التراكم الضروري لمهمة بناء حركة  نسائية جذرية تدمج مطالب التحرر الخاصة بالنساء ضمن منظور تحرري شامل ضد الذكورية والرأسمالية. إنه، لذلك، موجه أساسا لكل النساء المنخرطات في هذه المهمة وتلك النضالات من مختلف المواقع، ولكل النساء الشابات اللواتي يتلمسن الطريق نحو تحررهن، ولكل المناضلين من أجل مجتمع الحرية والعدالة والمساواة والكرامة.

في الأخير يهمنا، في لجنة نساء أطاك المغرب، أن نتوجه بالشكر والامتنان العميقين لكل رفاقنا في الجمعية ولكل من ساهم من قريب أو بعيد في إصدار هذا الكتاب.

لجنة نساء أطاك المغرب

لتحميل الكتاب صيغة PDF :

زر الذهاب إلى الأعلى