يشجعها النظام السوري.. هكذا تحاول إيران نشر التشيع بالمجتمع الدمشقي

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بين ليلة وضحاها اكتست أحياء محددة من العاصمة السورية دمشق بالسواد، وذلك ضمن تحضيرات إيران ومليشياتها الموجودة بقوة هناك، لإحياء أهم الأعياد المقدسة للطائفة الشيعية.

"صابر" وهو (اسم مستعار) لبائع ألبسة في دمشق رفض الإفصاح عن اسمه لأسباب أمنية، وصف المشهد في العاصمة السورية بعبارة مختصرة: "وجوه غريبة في أرض سليبة".

تساؤلات الأطفال

يحكي "صابر" لـ"الاستقلال" عن حال دمشق، التي تريد طهران تغيير هويتها، وإلباسها ثوب التشيع عبر القوة الناعمة.

ويقول إن "الاحتفالات الشيعية تكاد لا تنتهي، فلا يمر أسبوع حتى نرى لافتات وملصقات تذكّر بمناسبة شيعية جديدة، لدرجة أننا أصبحنا نسمع لأول مرة بأسماء من زمن النبوة يجري تقديسها".

الرجل الخمسيني، أضاف أن "أحياء دمشق القديمة لا تهدأ من المواكب التي تجوب الشوارع وتقرع الطبول وتردد العبارات الشيعية".

ولفت صاحب محل الألبسة إلى جزئية حساسة خلال حديثه بالقول: "إن أكثر ما يزعجنا هو سؤال أطفالنا عن هؤلاء الشيعية الذين يقرعون الطبول، ويلبسون ثيابا غريبة ويحملون أطفالا وقد ألبسوهم لباس الحرب، حيث نكتفي بالقول إنهم يجرون احتفالية".

وألمح "صابر" إلى بروز مظاهر جديدة في شوارع دمشق باتت مؤلوفة، وهي حسب قوله: "أن المتشيعين الجدد أصبحوا يرتدون ثيابا مكتوب عليها شعارات مثل لبيك يا حسين، ولبيك يا زينب، دون أن يكترث لهم أحد".

وأشار المتحدث نفسه إلى وجود "أحياء في دمشق القديمة كالتي قرب مقام السيدة رقية أصبحت إيرانية خالصة، فعندما تمشي فيها تشعر وكأنك في قم، حيث تغص بالإيرانيين والنساء اللواتي يلبسن اللباس الشيعي".

ترويج ناعم

إن توسيع إيران طقوسها الشيعية في دمشق، والترويج لذلك داخل الأحياء الراقية، يؤشر إلى أن طهران تتلقى الضوء الأخضر من النظام السوري، لخلق حاضنة اجتماعية شيعية في سوريا.

ولا سيما بعد إقدام مجموعات على توزيع منشورات شيعية تدعو للمشاركة بمسيرات عاشوراء في دمشق بتاريخ 10 أغسطس/آب 2021، في كل من أحياء (المزرعة والمهاجرين والمرجة).

وتحمل هذه المنشورات التي جرى إلصاقها على جدران المؤسسات والمساجد والمعاهد الدينية في العاصمة، عبارات طائفية بامتياز مثل "لن تسبى زينب مرتين".

إضافة إلى نشر رايات كتب عليها عبارات مثل "لبيك يا أبا الفضل العباس" و"لبيك يا رقية" و"يا لثارات الحسين"، في مشهد زاد عن المعهود خلال السنوات الأخيرة.

وحول هذه الجزئية، أكد الصحفي السوري حسن الشريف، المختص بالوجود الإيراني في سوريا، أن "إيران تعمل في دمشق على إدخال الفكر الشيعي للعوائل عبر الأطفال من خلال جمعية كشافة المهدي التي تقوم بتقديم نشاطات خاصة بالأطفال وتنظم رحلات وتقدم الهدايا لهم، وكل ذلك بأسلوب ناعم".

وبين الشريف لـ"الاستقلال"، وجود "منح مالية للأشخاص المتشيعين من أهالي دمشق ومن النازحين إليها والذين تجبرهم على حضور الدروس في الحسينيات وخاصة في حي السيدة زينب بدمشق".

وشرح المختص بالشأن الإيراني الدور الذي تلعبه المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق، موضحا أنها "تقوم بشراء وبأسعار مغرية المنازل والفنادق والأحياء وخاصة تلك الملاصقة لدمشق القديمة ذات البعد الحضاري والديني".

واستدرك بالقول: "وكل ذلك بهدف تسهيل اجتماعات وتنقلات أعضاء المركز الثقافي الإيراني الذي له فروع في المحافظات السورية والذي يشرف بشكل مباشر على نشر التشيع في سوريا بتسهيل من نظام بشار الأسد".

اختلاق المزارات

ومنذ عام 2012 بدأت إيران حملة جديدة للتنقيب عن مقامات لا أساس لها تاريخيا، أو مندثرة تزعم أنها تعود لـ"آل البيت" في دمشق وريفها بهدف إحيائها.

وحدث أن أوجدت طهران مرقدا في مدينة درايا القريبة من دمشق وسمته بـ "السيدة سكينة"؛ مما فتح خطا جديدا لزيارة الشيعة إلى المدنية بقصد "التبرك".

وبات سكان دمشق اليوم يعتبرون أن منطقة مقام "السيدة رقية" في حي العمارة الدمشقي، والذي يبعد نحو مئة متر عن الجامع الأموي، مستوطنة إيرانية.

كما أبقت إيران منذ عام 1992 إلى اليوم على "نبيل الحلباوي" إماما لمقام "السيدة رقية" ثاني أهم مزار للشيعة، والذي ما يزال يعطي دورسا في "الجمعية الحسينة" قرب المقام، يحضرها عادة ممثلون للمرشد الإيراني علي خامنئي ممن يزورون سوريا.

أما حي السيدة زينب الواقع جنوب دمشق، والذي يعد أضخم معقل محصن لمليشيات إيران في دمشق، وتقطنه عوائل قادتها العسكريين بينهم ضباط من الحرس الثوري، فقد تحول إلى ساحة للعروض والطقوس الشيعية، وخاصة مع حلول ذكرى "عاشوراء".

ودأبت إيران على إقامة الطقوس أمام "مقام السيدة زينب"، في يوم "عاشوراء" من كل عام، وهو ذكرى استشهاد الإمام الحسين حفيد النبي محمد، في معركة كربلاء وهو ما يعتبره الشيعة يوم "عزاء وحزن".

وقد اتخذت إيران من مسألة الدفاع عن "المقامات"، حجة لجذب المليشيات الشيعية من كل أصقاع العالم إلى سوريا، إلى أن بلغت تعداد أفراد تلك المليشيات ما بين أجنبية ومحلية نحو مئة ألف، ينتشرون في دمشق وريفها وديرالزور وحلب وحمص وحماة والجنوب السوري.

وغدا اليوم حي "السيدة زينب" في دمشق، وجهة للسياحة الدينية التي تشجع عليها إيران، وتجذب آلاف الزوار سنويا إليها من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان.

وذلك كله جعل من ناشطين سوريين يصفون العاصمة دمشق بـ "المحتلة" من إيران، ولا سيما أن وكلاء إيران يواصلون شراء المنازل في مناطق حساسة وذات قيمة تاريخية فيها تأمينا لمستقبل نفوذها وبما يضمن إحداث التغيير الديموغرافي الذي يريده النظام في سوريا.

وكذلك منح النظام، الجنسية السورية لعشرات الألوف من الإيرانيين، وفق ما أكدته دراسة لمركز "حرمون"، صدرت في 29 نيسان/أبريل 2018، تحت عنوان "مؤسسات النفوذ الإيراني في سوريا وأساليب التشييع".

وربما حديث رأس النظام بشار الأسد المتكرر عن مصطلح "المجتمع الأكثر تجانسا"، الذي يزعم أنه تحقق في سوريا، يقصد به المليشيات الشيعية التي جنسها بطلب من طهران لقاء الدعم المقدم له في تثبيت حكمه.

وتجد إيران في التشيع فرصة لاصطياد الشباب العاطلين عن العمل، مستغلة تردي الوضع المعيشي، وتجنيدهم بعد إغرائهم بالأموال ضمن مليشياتها العاملة قرب دمشق.

وهذا لفت إليه الشريف بقوله: إنه "أسهل الأبواب التي تدخل منها إيران إلى عمق المجتمع الدمشقي، مما يولد تعاطفا كبيرا داخل البيت الذي ينتمي إليه العنصر حول ما تنشره حوزاتها العلمية من أفكار تدعو للتشيع، مما سيحدث صدعا مستقبليا في بنية المجتمع السوري في ظل صرف طهران الملايين على القطاعين الديني والثقافي بالأخص".

وسبق أن أكد تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، في مارس/آذار 2021، حول محاولة إيران تحويل سوريا إلى المذهب الشيعي، بأن "إيران تحاول تقديم نفسها كقوة صالحة ومعتدلة وخيرة للحصول على تأييد السوريين السنة على المدى الطويل".

ومن ثم وفق المجلة "تحقيق إيران للهدف النهائي المتمثل في الحفاظ على مجال نفوذها وممارسة سيطرتها وهيمنتها من خلال وكلائها، مثلما هو الحال في لبنان والعراق".

ويجوب شوارع دمشق مقاتلون شيعة من جنسيات إيرانية وأفغانية بشكل علني، وبقلب العاصمة، في مشهد يؤكد أن "عاصمة الأمويين" بات تحت رحمة هؤلاء.

استخدام التعليم

إيران نجحت في توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة التربية في حكومة النظام السوري، خلال يناير/كانون الثاني 2020، تقضي بإشراف طهران على تعديل المناهج الدراسية السورية وطباعتها في إيران.

وسبق لوزير التعليم والتربية الإيراني محسن حاجي ميرزائي، أن اقترح على حكومة الأسد خلال زيارة العاصمة دمشق عام 2020، اعتبار الفارسية لغة ثانية واختيارية في الثانويات السورية، كما عرض عليها إقامة دورات تأهيل للمعلمين السوريين في إيران.

وأشار الصحفي حسن الشريف، خلال حديثه إلى أن "إيران تعمل على كسب عقول الجيل الحالي من الأطفال، من خلال التغلغل في المناهج التعليمية، وكسب الطلاب وتقديم المزايا لتدريسهم وصرف الأموال عليهم، وبالتالي هي تضمن تنفيذ إستراتيجيتها بخلق جيل متشيع على الأقل في مناطق حيوية كالعاصمة دمشق".

ومما يدل على أن "التشيع" في سوريا، يسير برعاية النظام السوري، هو سماحه عام 2014 بافتتاح مدارس "شرعية شيعية" لتعليم مذهب الشيعة الاثني عشري، بعدما كان تدريس المذهب السني هو السائد، وهو ما اعتبر تحولا كبيرا في تعديل النظام التعليمي بسوريا.

كما أن حاجة رأس النظام السوري بشار الأسد، لإيران لإنقاذه من السقوط، جعل من طهران تتمدد أكثر في البلاد، ليس عسكريا بل ثقافيا ودينيا، بحيث حققت على مدى العشر سنوات الماضية ما لم تحققه زمن الأسد الأب.