You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

هيثم قدح: الليدي إيزابيل برتون في دمشق

هيثم قدح – التاريخ السوري المعاصر

إيزابيل برتون 1831-1896 هي قرينة الكابتن ريتشارد برتون قنصل بريطانيا العظمى في دمشق 1869-1871 وقد أقامت معه في مدينتنا الحبيبة لفترة تقل عن العامين كان أحد ولربما أهم نتائجها كتابها الشهير “الحياة الداخلية في سوريا و فلسطين والديار المقدسة” الذي نشر عام 1875.

الكتاب موزع في مجلدين يبلغ عدد صفحاته الإجمالي حوالي 700 وهو موجود بالمجان على الإنترنت. لهذا المؤلّف في نظري أهمية خاصة نظراً لبحثه في بعض المواضيع التي  لا يتطرق إليها المستشرقون و لا الكتاب المحليون عموماً إلا فيما ندر وشكل مبتسر نظراً للفصل بين الجنسين في الشرق الأدنى .

قامت السيدة برتون برسم لوحة لدمشق و محيطها من وجهة نظر نسائية في وقت لم تمتلك سوريا فيه لا كوليت خوري ولا غادة السمان وكانت سيدات سوريا  في غالبيتهن العظمى  أميّات.

لن أحاول تلخيص الكتاب و لعل أفضل ما أستطيعه تسليط الأضواء على نقاط معينة قلّما تناولها الآخرون.

لن أقوم بتلطيف أو تجميل ما كتبته الليدي برتون وعلّه خيراً وأبقى أن أقدّم لمحة سريعة عن خلفيتها و هكذا يستطيع القرّاء أن يستخلصوا نتائجهم كل لنفسه.

الليدي برتون كاثوليكية شديدة التقى و الورع. أحبّت و إحترمت زوجها إلى أقصى الحدود وكانت إنجليزية فخورة تجلّ الملكة فيكتوريا وتؤمن إيماناً مطلقاً بأفضلية البريطانيين وتفوّقهم على كافة أمم الأرض وإن أعطت -كرماً منها- الميدالية الفضية للفرنسيين.

لم يمنعها هذا من حبّ دمشق على علاتها و علّ هذا مرتبط إلى حد ما بما تعنيه المدينة لمسيحي ملتزم وكان حزنها بالغاً عندما خسر زوجها منصبه القنصلي وتعيّن عليها أن تلحقه إلى إنجلترا. ظلّ أمل العودة إلى دمشق يداعب خيالها لعدة سنوات بعدها.

لم يكن الإنطباع الأول للسيّدة برتون عن دمشق يتناسب مع فكرتها المسبقة عن المدينة كجنّة الله على الأرض وككثير من الرحالة الأوروبين خاب أملها وليس هذا بالمستغرب ممّن عاش حياته في شمال وغرب أوروبا بين مياه لا تنضب وأشجار دائمة الخضار وتراب شديد الخصوبة.

ما يعطي دمشق سمعتها الأسطورية هو النقلة الفجائية من صحراء قاحلة إلى واحة غناء وهذا ما أدركته الليدي برتون لاحقاً وفي هذا الصدد تعرّضت لرواية محمّد عندما توقف في المنطقة المعروفة بالقدم (نسبة إلى قدم النبي) حتى لا يدخل الجنة الأرضية كون مطمعه جنة السموات.

كان تعليقها على هذه الرواية أنّ جنة دمشق تتجلّى بكامل حسنها من مرتفعات قاسيون وليس من منطقة القدم وهذا بدهي لكل دمشقي قبل وبعد دلال الشمالي. بناء عليه أقامت مسز برتون في الصالحيّة في الأشهر الباردة (كانت الصالحيّة تكشف دمشق والسبب غياب الأبنية العالية في ذلك الزمان) و كانت هي و زوجها يقصدان دمشق على ظهور الدواب للذهاب إلى القنصليّة البريطانيّة أو زيارة الأصدقاء إلى آخره أمّا فصل الصيف فكانت تقضيه في بلودان.

علاوة على ذلك قامت بزيارة عدة مناطق في سوريا و أهّمها تدمر كما قامت برحلات إلى لبنان و فلسطين معظم الوقت على ظهور الدواب في زمن لم تعرف سوريا فيه لا السيارات ولا القطارات ومعظم الطرق لم تسمح حتّى بعبور العربات التي تجرها الخيول.

وصلت الليدي برتون إلى دمشق للمرة الأولى في 31 كانون أول 1869 و نزلت في فندق ديمتري “الوحيد” في دمشق ومن وصفه يتبين أنّه بيت شامي تقليدي تمّ تحويله إلى نزل لزوار المدينة الأجانب ولم تستسغ الزائرة طعامه ولا خمره ناهيك عن شكواها من الشوارع المحفورة و القذرة. في كل الأحوال لم تطل إقامتها فيه إذ أتى زوجها ليصطحبها معه بعد وصولها بقليل.

في الصفحات التالية تنتقل السيّدة إلى وصف معالم المدينة وتدّعي أنّ المباني الكبيرة الوحيدة فيها ثلاث: الجامع الأموي و القلعة و السرايا ثم تعرج على أهمّ شخصيات المدينة و هم الوالي والمشير و أمير الحج و قائد الباشي بوزوق و الأمير عبد القادر الجزائري تقوم بعدها بوصف محمل وقافلة الحجّ بالتفصيل. يلي ذلك جولة في أسواق دمشق من سوق الأروام أو اليونان (لاحقاً غرب سوق الحميدية) إلى سوق الكتب في المسكيّة.

تعليق السيدة برتون على عادة تدخين الأرجيلة مثير للإهتمام فهي تنصح دون تحفّظ كل من أراد معاشرة النساء في دمشق أن يتعلم التدخين وأن يقدّم التبغ لضيوفه ويتناوله كضيف زائر.

وتضيف إلى وصفها الدقيق للأرجيلة نصيحة ثمينة لبنات جنسها وهي أن يوفّرن التبغ لبعولتهن في البيت إذا كن لا يردن لهم أن  “يصيعوا”  ويبحثوا عنه في أمكنة أخرى قد تكون مشبوهة السمعة.

قدرت الليدي برتون عدد سكان دمشق بحوالي 120,000-150,000 بجميع طوائفهم أما عن العلاقة بين هذه الطوائف فيحسن أن أترجم ما قالته حرفياً و لكن يجب الأخذ بعين إعتبار أن مجزرة 1860 كانت حديثة العهد وقتها:

“السنيون يكفّرون الشيعة وكلاهما يكرهون الدروز. الكل يمقت النصيرية. الموارنة يحبّون نفسهم فقط والجميع يبغضونهم. الروم الأورثودكس يستقبحون الروم الكاثوليك واللاتين. الجميع يزدرون اليهود”.

وصفت الليدي برتون سوريا  كمكان تفشت فيه الأمراض كالزحار و الرمد و “الحمّى السورية” التي قصدت فيها على الأغلب الملاريا. العناية الطبّية الجدّية شبه معدومة بإستثناء حفنة من الأطبّاء الأجانب و البعثات التبشيريّة. طبيب دمشق الوحيد وقتها فرنسي إسمه نيكورا مات عام 1874. السيدة برتون تفهم في الطب أكثر من نطاسييّ سوريا. شوارع دمشق ترتع فيها الكلاب الشاردة التي تتغذى على الجيف.

بالنسبة لنساء دمشق تدعي الليدي برتون أنّهن لسن جميلات و أنّها لم تجد في كل البيوت التي زارتها في سوريا أكثر من ثلاث أو أربع نساء يتمتعن بالجمال وفقاً لمعايير أوروبا وتضيف أنّ الجمال السوري ليس فقط نادراً و لكنّه أيضاً سريع الزوال.

تعدّد الزوجات هو القاعدة في سوريا (كلام فارغ بالطبع إلّا في حالة الأغنياء) ثم تقوم مسز برتون بإلقاء محاضرة طويلة على السوريّات ترسم فيها صورة مثالية للزواج في الغرب بينما تستمع الدمشقيّات المسكينات في إنبهار لحكمة الزائرة المقطّرة.

تثير الليدي برتون موضوع بعث المسيحية في دمشق فتقدّر نقلاً عن مصادر إعتبرتها موثوقة عدد المسلمين الذين إعتنقوا المسيحية في دمشق بحوالي 25,000 شخص و إن لم يزيد عدد الذين جاهروا بإرتدادهم عن 400.

السوريّون ساديّون يعذّبون الحيوانات بسبب و بدون سبب سواء كانت شاردة كالكلاب (مقولة تناقضها بعض المصادر الغربيّة على الأقلّ) أو مروّضة و مدجّنة كالخيول.

هناك فرق كبير بين دماغ السوري و دماغ الإنجليزي. السوريّون يتعلمون بسرعة هائلة و هم ذوي ذكاء متوقّد ويستطيعون بغريزتهم أن يكتسبوا ما يلزم للإنجليزي عام كامل لإستيعابه ولكن ليس لديهم جلد أو مثابرة وينفجر دماغهم إذا حمّلته أكثر مما يحتمل بينما لا حدود لما يمكن أن يتعلّمه البريطاني.

يتعين على المسيحييّن المتمدّنين في الغرب أن يكونوا قدوة للمسيحيين الغير متمدّنين في الشرق. كثير من الكنائس السوريّة في حالة بائسة وتحتاج إلى الدعم. بلودان المسيحيّة لم تكن تملك كنيسة وبالتالي تعين على الليدي برتون أن تذهب إلى كنيسة الزبداني يوم الأحد.

الكتاب طويل ولكّنه سلس و ممتع خصوصاً الجزء الأول ويبقى شاهد عيان على دمشق وسوريا في أواخر العهد العثماني وإن لم يكن شاهداً  “من أهله”. قد يعترض البعض وبحقّ أن رؤية الكاتبة منحازة وحتّى عنصريّة ولكن قلّ من كانت رؤيتهم حياديّة بالكامل و منزّهة.

بيت الليدي إيزابيل برتون في حي الصالحية

بيت الليدي إيزابيل برتون في حي الصالحية

فتاة سورية في خدمة الليدي إيزابيل برتون


انظر:


حدائق دمشق العامّة وخمّاراتها في نهاية القرن التاسع عشر 



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

هيثم قدح

طبيب وكاتب سوري مقيم في الولايات المتّحدة الأمريكيّة منذ عام 1985

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى