أسرار التفوق وإسرائيل والصين وإيران.. أسباب وراء أزمة بيع مقاتلات إف-35 الأميركية للإمارات

The first three F-35 fighter jets ordered by Norway's Air Force arrive in Oerland Main Air Station, near Trondheim, Norway November 3, 2017. NTB Scanpix/Ned Alley via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. NORWAY OUT. NO COMMERCIAL OR EDITORIAL SALES IN NORWAY.
إف-35 تعتبر المقاتلة الأكثر تطورا في العالم (رويترز)

واشنطن- أعلنت واشنطن أنها منفتحة على الحوار بشأن صفقة بيع 50 طائرة من طراز "إف-35" (F-35) للإمارات بقيمة 23 مليار دولار، مشددة على التمسك بشروطها، وذلك بعد مباحثات في البنتاغون بين مسؤولين عسكريين إماراتيين ونظرائهم الأميركيين.

وكشفت البنتاغون الخميس أن إدارة الرئيس جو بايدن ترغب في إتمام الصفقة، وأنها منفتحة على الحوار في هذا الشأن، مشددة في الوقت ذاته على أن شروط ومتطلبات واشنطن المتعلقة ببيع الأسلحة إلى أي جهة خارجية غير قابلة للتفاوض.

وذكرالمتحدث باسم البنتاغون جون كيربي أن وفدا إماراتيا يزور واشنطن لإجراء حوار عسكري، وأنهم أثاروا أسئلة ومخاوف بشأن الصفقة، وأن واشنطن لديها أيضا أسئلة ومخاوف خاصة بها بشأن ذات الصفقة.

وأضاف كيربي أن بلاده تشعر بالقلق بشأن نقل التكنولوجيا إلى "دول لديها وجهة نظر معادية لالتزامنا بالنظام الدولي القائم على القواعد".

ومع دخول المباحثات يومها الثاني، لم تظهر أي إشارات على حلحلة الخلافات بين الطرفين التي دفعت الإمارات للمطالبة بإلغاء الصفقة في حال استمرار الشروط المرتبطة بها على ما هي عليه، والتي اعتبرتها ماسة بسيادتها.

وأشار خبراء تحدثت لهم الجزيرة نت إلى أهمية توقيت الطلب الإماراتي الذي جاء بعد 10 أيام من الاتفاق على صفقة الطائرات الفرنسية والتي تشمل 80 طائرة من طراز "رفال" (Rafale) قيمتها 16 مليار دولار، وهو ما أصبحت معه الإمارات في وضع مريح للتفاوض على شروط أفضل بخصوص صفقة المقاتلات إف-35.

في حين اعتبر آخرون أن عدم معرفة مفاوضي الطرفين من السياسيين في مراحل الاتفاق الأولى بطبيعة ودقة عمليات بيع الأسلحة المتطورة قد يكون عاملا ساهم في خلق أزمة توقعات غير واقعية عند الجانب الإماراتي.

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) قد أشارت إلى أن دولة الإمارات تهدد بالانسحاب من صفقة الأسلحة التي وقعتها في نهاية فترة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لشراء مقاتلات أميركية من طراز إف-35 وطائرات مسيرة وذخائر متطورة.

وأضافت الصحفية أن الإمارات أبلغت المسؤولين الأميركيين أن المتطلبات الأمنية التي وضعتها الولايات المتحدة لحماية الأسلحة عالية التقنية من التجسس الصيني مرهقة للغاية.

بداية غير تقليدية

وكانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب أخطرت الكونغرس ببيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار إلى الإمارات، تشمل طائرات إف-35 وطائرات من دون طيار وذخائر مختلفة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

جاء ذلك بعد شهرين من توقيع الإمارات على اتفاقيات أبراهام للسلام مع إسرائيل.

وفي الساعات الأخيرة من رئاسة ترامب، وقعت الإمارات على صفقة شراء ما يبلغ 50 طائرة مقاتلة هجومية مشتركة من طراز إف-35 من الولايات المتحدة.

لكن إدارة بايدن أمرت بوقف الصفقة مؤقتا، وإخضاعها للمراجعة.

ورغم هذا الإجراء، فإن متحدثا باسم الخارجية الأميركية قال في أبريل/نيسان الماضي إن الإدارة تخطط للمضي قدما في البيع، وإن الإمارات ستصبح أول دولة عربية تشتري منظومة إف-35.

واعتبر المدير التنفيذي بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مايكل سينغ أن ما جرى من تطورات بين الحليفين يعد أمرا مؤسفا، وغرد سينغ يقول "هذا أمر مؤسف، ولكن لا ينبغي أن يثير الذعر. إذا كانت القضية المتنازع عليها هي الصين، فمن المهم بالنسبة للمسؤولين الأميركيين والإماراتيين أن يتعاملوا معها الآن أفضل من يفعلوا ذلك لاحقا".

في حين كتب حسين آبيش كبير الباحثين بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن "أستطيع تأكيد أن الإمارات العربية المتحدة أبلغت الولايات المتحدة رسميا أنها لم تعد راغبة في شراء طائرات إف-35 وطائرات "ريبر" (Reaper) من دون طيار، مشيرة إلى القيود المفروضة على الاستخدام السيادي والمسائل الة. وترى الإمارات أنها أفضل حالا من دون الأسلحة بشروطها الحالية".

ويُعرف حسين آبيش بقربه من الحكومة الإماراتية.

تكتيك تفاوضي أم رغبة في إلغاء الصفقة؟

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار رئيس مؤسسة تحليلات دول الخليج جورجيو كافييرو إلى أنه من "الطبيعي أن تستخدم بعض الدول تهديدات الإلغاء كتكتيك وسط مفاوضات بشأن صفقة أسلحة ضخمة بهذا الشكل، وربما هذا هو كل ما يحدث. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يكون هناك بُعد متعلق بإيران خاصة مع زيارة وفد إماراتي رفيع مؤخرا لطهران في مهمة لإذابة الجليد بين الإمارات وإيران".

وأضاف كافييرو "قد يرى المسؤولون في إيران في ذلك علامة أخرى على سعي أبو ظبي ليس فقط إلى تخفيف حدة التوترات في الخليج، ولكن أيضا إلى الاستقلال بشكل متزايد عن مدار النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط".

في حين اعتبر ديفيد دي روش -وهو أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون- أن الولايات المتحدة تبيع الكثير من الأسلحة بشروط، وهي شروط كثيرة لدرجة أنها توصف معها الصفقات بأنها "إيجارات" أكثر من كونها "مبيعات"، حيث يجب على المشتري أن يوافق على كيفية استخدام هذه الأسلحة وتخزينها ثم كيفية التخلص منها.

وقال إن هذه الإجراءات تستهدف ضمان أن الأسلحة لا تذهب من المشتري إلى "جهات شريرة" (على سبيل المثال، طرف ثالث غير مرغوب فيه).

قيود وأسرار

وفي حديث مع الجزيرة نت، اعتبر دي روش أن "مقاتلات إف-35 تندرج في الفئة التي تشمل الكثير من الشروط، لأن هناك قيودا شديدة على كيفية استخدام الطائرة الأكثر تطورا في العالم، وأحد هذه الشروط هو أن هناك دولا معادية (الصين وروسيا) ترغب في الحصول على معلومات عن الطائرة، وتقوم بذلك عن طريق جمع بيانات الرادار. ولهذا السبب ألغت واشنطن الصفقة المماثلة لتركيا. أي أن الدافع الأميركي يتعلق بحماية ا الطائرة الأكثر تطورا في العالم، ولا ترتبط به أي حسابات سياسية تجاه الإمارات".

وأكد دي روش أن تأمين خصوصية ا الطائرة إف-35 يعد أمرا بالغ الأهمية لدرجة أن الولايات المتحدة على استعداد لإلغاء البيع حتى لبعض دول حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) إذا كان هناك خوف من عدم التوصل لحل وسط حول حماية أسرار الطائرة. و"إذا اعتبرت دولة الإمارات ذلك مرهقا، وهو كذلك بالفعل، فلا أحد يجبر أحدا على شراء الطائرة، والموقف الأميركي مدفوع بتقديرات ة، وليس بالسياسة"، يؤكد دي روش.

وردا على سؤال الجزيرة نت حول ظهور هذه المشكلة الآن بعد أكثر من عام على الاتفاق على الشراء، رد دي روش بالقول "تخميني هو أن اتفاقات أبراهام للسلام التي تم التفاوض عليها في سرية تامة جمعت مسؤولين أميركيين على غير دراية بالإجراءات الفنية لحماية ا أكثر الطائرات الأميركية تطورا والتي يعتبرها العسكريون جوهر التاج ال العسكري".

وذكر تقرير صدر في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن خدمة أبحاث الكونغرس، أن دولة الإمارات هي مشتر كبير للمعدات العسكرية الأميركية وأنظمة الدفاع الصاروخي الأكثر تطورا لدينا. وقد عززت هذه الشراكة القدرات العسكرية للإمارات بدرجة كبيرة.

وأشار التقرير إلى أن مبيعات الولايات المتحدة العسكرية للإمارات بلغت قيمتها 28.1 مليار دولار.

وبخصوص طائرات إف-35، جاء في التقرير أن "مسؤولين إماراتيين سعوا منذ عام 2014 لشراء الطائرة المقاتلة المتطورة من طراز إف-35".

وكانت إسرائيل تسلمت الطائرة عام 2016، وهو تطور كبير في ضوء القانون الأميركي الذي يطالب الولايات المتحدة بالحفاظ على التقدم العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة، وهو ما فتح المجال أمام إمكانية بيع الطائرة للإمارات.

المصدر : الجزيرة