هامش مناورة محدود لحكومة المغرب في مواجهة الغلاء

هامش مناورة محدود لحكومة المغرب في مواجهة الغلاء

13 يونيو 2022
ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية (عبد الحق سنا/فرانس برس)
+ الخط -

هل يتدخل البنك المركزي المغربي من أجل التعاطي مع ارتفاع التضخم عبر قرارات؟ ذلك سؤال يطرحه مراقبون، لم يكفّ بعضهم عن تساؤل آخر حول هوامش المناورة التي تتوفر عليها الحكومة على مستوى الموازنة من أجل التخفيف عن الأسر التي تعاني من ارتفاع الأسعار.

ويأتي الغلاء ضمن مبررات الدعوة المتكررة لمسيرات ووقفات احتجاجية في ظلّ تفاقم الأوضاع المعيشية.

وعادت أسعار الوقود للارتفاع مرة أخرى في الفترة الأخيرة، كي تثير نوعاً من القلق لدى العديد من المستهلكين والفاعلين الاقتصاديين مع عدم وضوح الرؤية جراء الحرب في أوكرانيا. لم يطاول ارتفاع الأسعار السولار والبنزين فقط، بل شمل سلعاً أخرى، مثل القمح الذي لم يتجه نحو بلوغ أسعار قياسية في العام الحالي جراء الظرفية الدولية والجفاف.

وبلغ التضخم 5.9 في المائة في شهر إبريل/نيسان الماضي، حسب المندوبية السامية للتخطيط، بينما وصل التضخم، في الأربعة أشهر الأولى من العام الجاري إلى 4.4 في المائة. ويمثل ارتفاع التضخم تهديداً للقدرة لاستهلاك الأسر، علماً أنّ مؤشر استهلاك الأسر الخاص بالسلع الغذائية ارتفع بنسبة 9.1 في المائة في إبريل. وتمثل السلع الغذائية، حسب بحث للمندوبية السامية للتخطيط، حوالي 35.8 في المائة من إنفاق الأسر.

ويتجلى أن التضخم يرتفع بفعل أسعار النقل التي زادت في إبريل بنسبة 12.4 في المائة في سياق متسم بزيادة أسعار المحروقات، التي وصلت بالنسبة للسولار إلى 30 في المائة منذ فبراير/شباط الماضي حسب وزير الموازنة، فوزي لقجع. وتتسم الظرفية الحالية بتراجع النمو الاقتصادي في العام الحالي بسبب الجفاف وتداعيات الظرفية الناجمة عن الحرب.

ويتصور الاقتصادي والخبير الجبائي، محمد الرهج، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه يفترض بالحكومة، اتخاذ تدابير من أجل التخفيف عن الأسر المتضررة من ارتفاع الأسعار، على غرار ما عمدت إليه بلدان أخرى ضخت أموالاً من أجل مساعدة الأسر.

ويشير إلى أنّه يمكن للحكومة، في ظلّ عدم إمكانية العودة عن تحرير أسعار السولار والبنزين، تقليص سعر المحروقات عبر التنازل عن جزء من إيراداتها من الضريبة الداخلية على الاستهلاك، علماً أنّ السعر النهائي يخضع، كذلك، للضريبة على القيمة المضافة.

ويؤكد أنّ هناك خياراً آخر يمكن للحكومة اختباره، ويتمثل في تسقيف أسعار المحروقات من أجل الحفاظ عليها في مستوى لا يثقل كثيراً على الأسر، علماً أنّ التسقيف كان طرح في العديد من المناسبات بالنسبة لأسعار البنزين والسولار.

ويعتبر الرهج أنه يمكن للدولة من أجل تعويض الإيرادات التي ستفقدها عبر التنازل عن جزء من الضريبة الداخلية على الاستهلاك، اللجوء إلى فرض الضريبة على الشركات الكبيرة التي حققت أرباحاً كبيرة، مشيراً إلى أنّه كانت طُرحت فكرة رفع الضريبة على الشركات العاملة في قطاع المحروقات من 31 إلى 37 في المائة.

وفي نفس السياق، يرى الاقتصادي المغربي، محمد الشيكر، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه إذا كان ارتفاع التضخم ناجماً عن الاستيراد، فإنّ جزءاً منه مرتبط بطبيعة السوق، التي تعرف استغلال الوسطاء للظرفية من أجل التأثير على الأسعار.

ويتصور الشيكر أنّه يمكن للحكومة أن تدعم القدرة الشرائية من خلال تقليص الضرائب المفروضة على الاستهلاك، بالموازاة مع وضع سعر مرجعي للمحروقات أو تعيين سقف لأرباح شركات الوقود.

وكانت المندوبية السامية للتخطيط اعتبرت أن تطور الأسعار محاط في العام الحالي بسلاسل التوريد، وأسعار النفط في سياق التوترات الجيوسياسية، مضيفة دور الجفاف في زيادة أسعار السلع الغذائية.

ويعتبر وزير الموازنة أن التضخم كان في حدود 1.5 في المائة، حيث إن نسبة 2.5 في المائة المسجلة، تعتبر نوعاً من التضخم المستورد، معتبراً أنّ التضخم سيبقى في حدود 4 أو 4.5 في المائة خلال العام.

وينتظر أن يعقد بنك المغرب اجتماعه الدوري في يونيو/ حزيران المقبل، إذ سيكون عليه التعاطي مع وضع مقلق، على اعتبار أنّ التضخم لا يطاول المحروقات فقط، بل يمتد إلى السلع الغذائية. وكان بنك المغرب حافظ على سعر الفائدة الرئيسية في مارس/ آذار في حدود 1.5 في المائة.

غير أنّ تساؤلات تطرح حول هوامش الموازنة التي تتيح للحكومة التدخل من أجل التخفيف عن الأسر، مع التأكيد على الارتفاع القوي لتحملات الدعم، التي شدد وزير الموازنة، على أنها ستزيد بـ1.5 مليار دولار، كي تقفز إلى 3.2 مليارات دولار. وتؤكد الحكومة على صرف حوالي 740 مليون دولار من أجل دعم صفيحة غاز الطهي، كما خصصت 260 مليون دولار بهدف دعم القمح اللين، حتى يبقى سعر الخبز في حدود 1.2 درهم.

ودأبت الحكومة على التذكير بثقل الدعم الكبير على الموازنة معبرة عن الرغبة في الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية وإنجاز الاستثمارات المبرمجة في الموازنة، حيث تؤكد على عدم اتجاه النية نحو خفضها.

وتشدد على أنّها لن تعود لدعم السولار والبنزين، اللذين حررت أسعارهما قبل سبعة أعوام، في الوقت نفسه، الذي تتجنب توفير دعم مباشر للأسر المتضررة من ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة.