مسرح

في انتظار جميلة

هذا المشهد الأول من مسرحية في (انتظار جميلة) التي كتبتها عام 1978م بسجن الكويفية ببنغازي

من أعمال التشكيلي العراقي سعد علي
من أعمال التشكيلي العراقي سعد علي

المشهد الاول

ساحة صغيرة بقرية حيث حائط مسجد ودكة للجلوس، شباك بيت يطل على الساحة.

 زكريا شاب في العشرينات يبدو طويل الشعر مهمل المظهر، يقف مع حسن وهو شاب في عمره إلا أنه يبدو مرتباً.

زكريا: لا أحد يصدق، لا أحد يصدق، الكل لا يصدق، مشكلة هذه القرية إنها لا تحلم، لا تحلم ولهذا تظل قابعة في الرمل.

حسن: هل ستخرجنا الاحلام من الرمل، ولكن اطمئنك ستبدأ الهلوسات مع اشتداد العطش وزحف الرمل، سمي تلك الهلوسات حلما.. احلاما.. رؤى. سمها ما شئت ولكنها لن تصنع شيئا.

زكريا: اقول تحلم، ترى امامها، تخرج من هذا الركود، كم مر من الزمن على آخر قافلة مرت من هنا؟

حسن: سنوات، وما دخل هذا بالحلم؟

زكريا: انا قلت هي قادمة، قالت لي انها قادمة وسوف تأتي.

حسن: القافلة.

زكريا: جميلة.

حسن: رجعت لهذيانك بها هي لن تأتي، خرجت من هنا مهانة مطرودة كيف تعود.

زكريا: تعود لإنقاذكم من هذا الرمل، تعود وهي غير التي تعرفون.

حسن: لن تكون غير التي نعرف، منحلة فاسقة..

زكريا: وأنتم الاخلاق والقيم، -يضحك ساخرا- هل تذكر يوم فضيحة شيخكم الجليل؟ الذي صدقتموه وكذبتم جميلة، البنت كانت بريئة أيها الاوباش. هل تذكر اكاذيب نسائكم ورجالكم عنها؟ شيخكم قال انها طاعون وصرختم إنها وباء القرية.

 حسن: لم يكذب عليها أحد شاهدناها جميعا وهي تخرج عند الفجر براس عار وشعر يهفهف عبر الريح، كانت تنحل وتتناثر، كانت تنثر فتنتها عبر الارجاء كانت.. لا اعرف ما كانت ربما جنية.. شيطانة ولكنها كانت كائنا منفلتا طليقا.

زكريا: كانت ترعى اغنامها، كانت تغني كاي راع، كانت تجري حافية كأي كائن طليق، ما كانت تملك الا انطلاقها.

حسن: تلك هي المشكلة

زكريا: هل تكرهها؟

حسن: وهل تحبها؟

زكريا: هل تحلم بها حين يطويك الليل والوحشة والفراغ؟

حسن: انا؟  انا …افعل؟

زكريا: هل كنت تتلصص عليها وهي تركض، تلك المهرة البيضاء جميلة

حسن: المهرة البيضاء، انها.. انها حمامة بيضاء، تغني فينفرد جناحاها فتطير، تطير وتطير العقول …انها الفتنة، نعم الفتنة.

زكريا: وتطير بغنائها، هناك الى حيث الماء والخضرة.

حسن: والحسن الوجه الحسن.. اي سحر كان فيها، اي شياطين كانت تسكنها.

زكريا: اي حرية كانت تسكنها؟

حسن: من قال هذا؟ حرية؟

زكريا: كنا على حجر قاس صلد وكانت تركض عبر حقول خضراء.

حسن: تصنع اوهاما للجميع، تطير العقول مع خصلات شعرها حين يهب الغناء.

زكريا: الغناء والرقص، هل تكره الغناء والرقص؟

حسن: لا احبه في الحقول. فليرقص من شاء في بيته..

زكريا: في الظلام؟

حسن: انها مسكونة او ساحرة هل تذكر حين أرسلوا لها من يعيدها من الرقص انخرطوا جميعا في الرقص معها!! كانوا يتخبطون في البداية ثم سحرتهم حولتهم الى فرقة مجانين لا يتوقفون عن الرقص.

زكريا: نعم عادوا راقصين وهي ملكة لهم.

حسن: انها خطر على العقول، خطر.. خطر على كل شي.

زكريا: على كل شيء.

يدخل الشيخ وهو رجل في الستين.

الشيخ: اين هي؟  اين؟ أين انت اين يا حسن؟

زكريا ” هي “يضحك ” من هي؟

حسن: انا هنا يا شيخنا

زكريا: هنا اينها؟

حسن: من هي يا شيخي؟

الشيخ: الماء. اين الماء ان العطش يستبد بي، يستبد بكل شي.

زكريا: العين امامك، اشرب، عب الماء عبا -يضحك-.

الشيخ ” العين لقد تدنست بفتنة تلك الفاجرة، نعم لقد كانت تسبح هنا نعم كجنية فاتنة لا اعرف، كانت فاتنة، كانت منقوعة في الماء وتضحك، كانت شيئا ساحرا فاتنا يسلب العقول يطيرها كان شعرها يلتصق بكتفيها وعلى عينيها وكان تورد خديها تفاح الجحيم.

حسن: شيخي.

الشيخ: لا تؤاخذني أنى محموم أهذي، كنت اسرح بالخلاء هناك، حيث جياد الريح يركبها الجن وتجر عقول البشر وخوفهم خلفها بخيوط حرير، كانت العقول تتهشم وتتناثر والخيول تركض وجدائل جميلة تتطاير هفهافة.

حسن: شيخي، فلنطارد خيول الريح خارج ارضنا ولنفك عقولنا منها سأعمل سيفي فيها، فلنقص تلك الجدائل الملعونة وليعد كل شيء مكانه ليعد كل منفلت الى عقاله.

زكريا: ولكن العطش يهدد كل شيء افتحوا النبع.

الشيخ: النبع اللعنة.. العطش والموت النبع النبع.

حسن: فلنقص تلك الجدائل ولنحرقها.

يخرج الشيخ من جيوبه جدائل شعر ومعها أوراق.

 الشيخ: فلنحرق، لنحرق، لنقص. لنحرق، لست محموما ولا أهذي.

في الخلفية نرى ظلال اناس يحرقون الجدائل والأوراق: احترق ايها الشر. احترقي ايتها الفتنة

حسن والشيخ: -معا- لتحترق الفتنة، خيول الريح والهوى، اوراق المجدفين السفلة وليهدا الكون ولتطرد شياطين الهوى والانفلات.

زكريا: والعطش عين الماء؟

حسن: نطهرها نرقيها.

الشيخ: من السحر.. من الفتنة فلتجتمع السيوف والمعاول والعقول. لنعقل الأمور.

زكريا: من يعقل الريح؟ قد تهدا ولكنها تنفجر، تكتسح العواصف كل شيء عواصف الفتنة والهوى، من يعقل الريح؟ اي عقال يعقلها؟

الشيخ: كنت محموما أهذي بها كانت تنظر في عيني ساخرة فاجرة متحدية وهي تحترق، كانت شيطانة تولد من رمادها لترقص وتركض وتضحك وتتكاثر حولها خيول الريح، الريح، الريح.

حسن: ونعطش، يستبد بنا بي العطش.

زكريا: وتظل تطارد وشيخك مالا يطارد تحرقون ما لا يحرق.

الشيخ: كانت وياء، فتنة، من جاءت تلك المنفلتة الفاجرة؟ متى جاءت؟

زكريا: مع قافلة تجار، بقت هنا.

حسن: عششت كأفعى ووضعت بيضها اللعين في احداقنا.

الشيخ: انا   انا محموم أهذي؟ متى تأتي؟ يجب الا تعود. الجميلة.

حسن: سأبني سورا حول القرية لن تعود، لن تعشش ثانية هنا لن تعود الجميلة.

زكريا: الكن الكثيرين في انتظارها، في انتظار الجميلة.

حسن والشيخ.. يتسمرا جامدين محدقين في الفراغ

إظلام..

مقالات ذات علاقة

مسرحية بلا عنوان

حواء القمودي

نصوص درامية من التاريخ الليبي .. حمّـودَة الـزَّاهي

رضوان أبوشويشة

الشايب والشاب

محمد دربي

اترك تعليق