قصة

أمنيات على قارعة الطريق

من أعمال التشكيلي المغربي خليل بوبكري (الصورة: عبدالمجيد رشيدي-المغرب)

الظهيرة في أحد شوارع شتوتغارت _ألمانيا، كنت أتضور جوعا لم أتناول شيئاً منذ يوم ونصف، يجب أن أبحث عن مكان للعمل ويجب أن أتناول أي شيء حتى أستطيع المقاومة.

كان هناك العديد من المطاعم في هذا الشارع، دخلت الواحد تلو الآخر، ولكن لم يرضى أحد أن يشغلني. فأنا لم أبلغ الخامسة عشر بعد، وكأنني قد اخترت أن أكون هنا بين هذه الشوارع لأبحث عن عمل بدل أن أكون على مقاعد الدراسة.

خرجت بوجه بائس وعينان يغمرها الدمع، وجلست على الرصيف، رفعت يداي وقلت يا رب ساعدني، يا رب.

جلست بقربي فتاة طويلة، ذات عينان واسعتان، وملامح جميلة وترتدي ملابس فضفاضة وعلى رأسها حجاب، قدمت لي شطيرة وعلبة عصير ثم قالت: أرجو أن تحب المانجا، إنها تذكرني بأول شيء أكلته بعد أياما من الجوع، فأصبحت شرابي المفضل.

– لم أكن متسولا، لكنني حقا أريد أن أعمل.

– أعلم، لا عليك هيا تناول الآن.

– ليس لدي عائلة، إن كان هذا ما يدور في عقلك، أنا ابن قوارب الموت فقدت عائلتي هناك، وولدت من جديد.

حاولت إكمال الحديث لكنها قاطعتني قائلة:

– إن اعطيتك نقود ستصرفها ولن تفيدك إلا لبضعة أيام، سمعت حديثك مع النادل في المطعم؛ أنت تريد العمل، صحيح؟

– نعم!

– لدي صديق يملك مقهى، على بعد شارعين من هنا. هيا، سنذهب إليه.

ترافقنا وطوال الطريق كانت، تُسبح بالمسبحة الالكترونية ذات اللون الزهري حتى وصلنا. رحب بنا رجل أربعيني قائلا:

– أهلا بالجارة أماني.. كيف حالك؟

– أهلا بالجار عزيز.. بخير والجميع يرسل لك السلام.. أتذكر حين قلت أن أبناء البلد لبعض وأنك تريد رد المعروف! أحتاج أن ترد ذاك المعروف في هذا الشاب.

التفتت، وهي تهمس لي: ما اسمك؟

فقلت: أواب..

– أواب مثابر ويحتاج إلى عمل لكي يستطيع أن يعول نفسه، ويدرس حتى يصبح ما يريد يوما ما!

نظر ضاحكاً وقال: أهلا بأواب بيننا.

ثم قال: لكِ دين الآن في رقبتي، ووجب عليكِ السداد يا جارتي العزيزة.

ابتسمت له ثم قالت مغادرة:

– أراكم بخير

لحقت بها للخارج وقلت: يا أخت أماني كيف سأرد لكِ هذا الجميل؟

ابتسمت ثم قالت:

– سيكون عليك يوما ما أن تفعل خيرا وتساعد أي شخص، وهكذا سيكون الجميل قد عاد لي، تذكر جيداً إنّا في غربة وأبناء دين واحد يحث على الرحمة وفعل الخير، قدوة برسولنا الكريم.

مرت الأيام وكنت أعمل في ذاك المقهى مساءا وأدرس في الصباح، كانت تساعدني الخالة أماني من حين الى آخر حتى استطعت الدخول إلى الجامعة، ثم بدأت العمل في مكان آخر، لكنني أساعد العم عزيز في بعض الأوقات وأقوم بزيارته في العطلات.

انتقلت الخالة أماني الى ميونيخ في سنتي الاخيرة في الطب، ووعدتني أن تكون هنا في حفل التخرج. أصبحت طبيبا جراحاً كما كانت تحلم أمي كنت وحيداً بعد فقدان العائلة. لكن عزيز وأماني اليوم أول الحضور، بفخر تلاحقني عيون العم عزيز وبدموع الفرح عيون الخالة أماني فقد كانوا بمثابة العائلة لي. وعند استلامي للشهادة والتصوير همست لها: قريبا سأرد الجميل!

ثابرت كثيراً، عملت بجد لمدة ثلاث سنوات ليكون لدي عيادتي الخاصة؛ الدكتور أواب إبراهيم، افتتحت قسما مجانيا لمساعدة المرضى وكانت رسالتي الدائمة (افعلوا خيراً تجدوه). ساعد كل من يحتاج، لا ترد سائلا، اترك ارثا من بعدك، صدقة جارية تنفعك.

مقالات ذات علاقة

قصص قصيرة جداً

أحمد يوسف عقيلة

حيان يشرح لوحته

عمر أبوالقاسم الككلي

زيـارة جديـدة للـماضي

اترك تعليق