"جرف الصخر".. مدينة عراقية هُجّر سكانها ومحرّم على الحكومة دخولها

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحديات عدة طرحتها شخصيات سياسية وبرلمانية على وزراء الحكومة العراقية ورئيسها عادل عبدالمهدي، لدخول منطقة "جرف الصخر" شمال محافظة بابل، لكنهم يصمّون الآذان ويلتزمون الصمت، لأنهم على ما يبدو يخشون على أنفسهم من مصير مجهول قد يكون بانتظارهم.

تلك التحديات الهدف من ورائها، هو إطلاع الحكومة على الواقع المأساوي في منطقة "جرف الصخر" التي تسيطر عليها المليشيات الشيعية منذ خمس سنوات، ولا يستطيع ربع مليون نازح -جميعهم من المكّون السني- العودة إليها فضلا عن أنها تحوي معتقلات يغيّب فيها قسريا نحو 3 آلاف معتقل سُني.

أرض محرّمة

المنقطة التي لا يزال سكانها يرزخون في مخيمات النزوح، أصبحت مثار تحدٍ وتندر على هيبة الدولة العراقية ومدى سيطرتها على الأرض، ففي لقاء تلفزيوني تحدى النائب في البرلمان رعد الدهلكي، رئيس الحكومة عادل عبد المهدي من الذهاب إلى "جرف الصخر" وعقد مؤتمر صحفي فيها.

وقال الدهلكي، الأسبوع الماضي، إن رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي ممنوع من دخول منطقة "جرف الصخر"، وزاد مشددا، "أتحداه أن يدخل المنطقة الخضراء للدولة العميقة، وهو لا يستطيع أن يعقد مؤتمرا صحفيا بالقرب منها حتى، وليس دخولها".

تحدى النائب البرلماني رئيس الحكومة أن يذهب إلى "جرف الصخر" ويعيد نازحا واحدا، وقال، "إذا ذهب فأنا مستعد لتقديم الاعتذار الرسمي له على القنوات التلفزيونية، لأن عودة النازحين إلى هذه المنطقة تساوي صفر، لأنه حتى اللحظة من يتحكم بالدولة، هي الدولة العميقة"، في إشارة إلى رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي.

أتى حديث النائب العراقي ليؤكد ما نشرته صحيفة "الاستقلال" في تقرير سابق، حول الوساطة العراقية بين أمريكا وإيران، إذ أوضح المحلل السياسي عدنان التكريتي، لـ"الاستقلال": أن "الحكومة بحاجة إلى استقلالية في قرارها أولا، واستقرار ونهضة شاملة تعيد للعراق قوته ثانيا، ثم حينها يمكن للعراق أن يتحدث عن دور الوساطة".

واستدل على ضعف الحكومة الحالية، بالقول: "أحد السياسيين العراقيين أكد عدم قدرة الحكومة على دخول جرف الصخر لكونها منطقة تحكمها فصائل مسلحة، وأن أحد الوزراء السابقين اعتقل عندما حاول فعل ذلك. ولنا أن ندرك كم قيمة مثل هذه الوساطات مع هذا الحال".

اعتقال وزير

وإذا ما رجعنا إلى الوراء قليلا، فإن الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي، هي الأخرى كانت بكل أجهزتها الأمنية، تخشى الذهاب إلى منطقة جرف الصخر، وما أثار السخرية والاستغراب في الوقت نفسه، هو اعتقال وزير الداخلية الأسبق محمد الغبان حين حاول زيارة المنطقة.

القصة المثيرة كشفها النائب السابق في البرلمان، أحمد المساري على شاشة الفضائيات، حين قال: "التقيت برئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، في منزل رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، وكان مستشار الأمن الوطني فالح الفياض حاضرا إلى جانب قيادات أمنية أخرى، وتحدثت عن مصير آلاف المغيّبين، لأن أهاليهم يريدون معرفة أماكنهم، وقلت: إذا كانوا مذنبين دعوا القانون يأخذ مجراه، وإذا غير ذلك أفرجوا عنهم". وأضاف: "قالوا ليس لدينا أي خبر عنهم، ولا نعرف هم مسؤولية من".

وتابع رئيس حزب "الحق" العراقي، بالقول: "قلنا لهم إن هناك معلومات تفيد بأنهم في جرف الصخر، فهل تستطيعون الدخول إليها للبحث عنهم. الحكومة السابقة والحالية لا تسطيع الدخول إلى هذه المنطقة، لأنها بيد جهات خارج سيطرة الدولة".

وأوضح المساري، أن "فصائل تدّعي انتمائها للحشد الشعبي، متواجدة وتسيطر على جرف الصخر، وهي خارج سيطرة الدولة. لهاذا لا تستطيع الدولة الدخول إلى هذه المنطقة وتفقد المعتقلات، بل حاول وزير الداخلية الأسبق محمد الغبان الدخول واعتقل، وبعد تدخل الدولة كلها، أفرج عنه".

وسبق للنائب السابق أحمد المساري، أن أعلن أن المغيّبين السنة أعدادهم كبيرة، وقد تتجاوز الثلاثة آلاف مختطف، وهؤلاء اختطفوا بالأماكن التالية: العدد الأكبر في منطقة الرزازة ويتجاوز 1800 شخصا، والأعداد الأخرى هي في الصقلاوية وجنوب صلاح الدين، سامراء والدور وحزام بغداد وجرف الصخر، ومناطق في ديالى.

وأشار إلى أن من اختُطفوا هم ليسوا عند الأجهزة الأمنية، والدليل أن الحكومة، تقول: إن لا معلومات لديها حول وجودهم أو مصيرهم، وهذا على أنهم مختطفون عند جهات غير رسمية، حالهم حال المختطفين القطريين (أفرج عنهم في أبريل/نيسان 2017، بعد 16 شهرا من الاختطاف).

من يسيطر عليها؟

وتفرض مليشيات شيعية سيطرتها على المنطقة حاليا، أبرزها كتائب "حزب الله"، و"النجباء"، و"العصائب"، و"الخراساني"، وفصائل أخرى كلها مرتبطة بإيران، وباتت أخيرا تعرّف عن نفسها بعبارة "المقاومة الإسلامية"، ومحليا يطلق عليها اسم "الولائية"، في إشارة الى إيمانهم بمشروع الولي الفقيه الإيراني.

وفي مايو/أيار 2017، قال نائب الرئيس العراقي السابق إياد علاوي، إن قائدين في الحشد الشعبي توجها إلى إيران، لمناقشة موضوع نازحي جرف الصخر في شمال بابل التي استعيدت من تنظيم الدولة في تشرين الأول/ أكتوبر 2014.

وأوضح علاوي في مؤتمر صحفي بمحافظة بابل، أنه تكلم مع قيادات الحشد الشعبي، هادي العامري وأبو مهدي المهندس، وقال لهم: "فلنعتبر جرف الصخر أنموذجا وتجربة ميدانية نحقق بها مصالحة وطنية من خلال إعادة النازحين".

وأضاف: "أخبرت العامري والمهندس بأنه إذا كان هناك إرهابي أو إرهابيان اثنان فهذا لا يعني أن الكل إرهابيون، إذ ينتشر الإرهاب ببغداد وفي كل مكان. وتبين أنهم لا يستطيعون فعل شيء".

وتابع علاوي مبينا، "قال لي أحد القادة الاثنين (لم يسمه) أن إيران أرسلت دعوة له فذهب إلى طهران بخصوص النازحين، والأخيرة حولتهم إلى شخص يعيش في لبنان"، متسائلا: "ما علاقة إيران ولبنان؟".

ما موقف أمريكا؟

على ما يبدو، فإن الموقف الأمريكي لا يزال ضعيفا أمام تغول المليشيات الموالية لإيران على الدولة العراقية، فهي اكتفت عبر نائب السفير الأمريكي في بغداد جوي هود، في توصيف وضع النازحين المأساوي، ورفض مليشيات "حزب الله" و"النجباء" عودتهم إلى جرف الصخر.

وقال الدبلوماسي الأمريكي خلال مقابلة تلفزيونية، في أبريل/نيسان الماضي، إن مليشيات "حزب الله" العراقية و"النجباء"، تقوم بابتزاز الناس وأخذ الأتاوى، وتمنع النازحين من العودة لمنازلهم. وأضاف هود: "كنت في الفلوجة قبل أيام، وشاهدت أوضاع النازحين المأسوية الذين تمنعهم كتائب حزب الله، من العودة إلى مناطقهم في جرف الصخر".

ولم تنتظر المليشيات طويلا في الرد على هود، فقد اعتبرت تصريحاته تدخلا في الشأن العراقي، وقالت مليشيا "النجباء"، التي صنفتها واشنطن أخيرا جماعة إرهابية، على الاتهامات التي وجهها الدبلوماسي الأمريكي، قائلة إن ما وصفتها بـ"فصائل المقاومة" لا تتلقى دعما من إيران، وأن واشنطن تريد أن تسيء وتخلق فتنة جديدة في العراق، وأن الهدف هو إعادة الجماعات الإرهابية إلى المنطقة لتشكل تهديدا على بابل وكربلاء وجميع مدن الجنوب.

كما أن مجلس محافظة بابل، الذي كان قد صوّت في آب/ أغسطس 2017، على قرارٍ يقضي بإقامة دعوى قضائية ضد أي جهة سياسية أو حزبية تطالب بعودة نازحي جرف الصخر إلى منازلهم، رفض تصريحات نائب السفير الأمريكي جوي هود، والتدخل فيما أسموه "شؤون المحافظة".

وقال المجلس في بيانٍ له، إن "ناحية جرف النصر سيئة بسبب خطر الألغام والعبوات التي خلفها تنظيم داعش الإجرامي"، وذلك بعد نحو خمس سنوات على استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة التي فرضتها لأربعة أشهر على أكثر تقدير، إذ أُعلن في أكتوبر/تشرين الأول طرد التنظيم منها.

تغيير ديموغرافي

لا تزال السلطات العراقية تصّر على اعتماد اسم "جرف النصر"، بدلا من "جرف الصخر"، إلا أن السكان يرون ذلك جزءا من مشروع التغيير الديموغرافي بالمدينة، فقد قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية محمد الكربولي، إن أبناء المكون السني في بابل تعرضوا لعملية "تطهير طائفي" تتمثل "بالقتل والخطف والاعتقال التعسفي والتعذيب".

ولم يتغير شيء منذ بيان الكربولي الذي صدر قبل ثلاثة أعوام من الآن، الذي أكد فيه أن وفدا من لجنته زار المحافظة وتأكد من وجود "انتهاكات مؤلمة يندى لها جبين الإنسانية"، واعتبر أن "ما تعرض له أبناء المكون السني في بابل خلال العامين الماضيين لا يقل بشاعة وإجراما عما حدث في محافظة ديالى".

وشدد الكربولي على أن "أبناء هذا المكون تعرضوا لعملية تطهير طائفي تتمثل بالقتل والخطف والاعتقال التعسفي والتعذيب"، لافتا إلى أنه "لقد تم قتل واختطاف آلاف منهم، حيث تم اختطاف من عشيرة الجنابين فقط، 700 شخص مازال مصيرهم مجهولا".

ولفت إلى أنه "تم تجريف وحرق وتفجير أكثر من 70 بالمئة من البنية التحتية والبساتين والمنازل الموجودة فيها وتحديدا مناطق العبدويس والحجير والفارسية"، مطالبا مبعوث الأمم المتحدة في العراق بـ"زيارة المنطقة للاطلاع على حجم التدمير والخراب الذي لحق فيها والضغط على الحكومة لإعادة النازحين إليها، لأنه لا يوجد مبرر على عدم إرجاعهم إلى مساكنهم وخاصة أن المنطقة تقع بين عامرية الفلوجة وقضاء المسيب وكلاهما تحت سيطرة القوات الأمنية".

ذريعة المسؤولين

حكومة بابل المحلية، قررت في عام 2015، إغلاق جرف النصر لثمانية أشهر، وذلك لرفع العبوات الناسفة ومعالجة الدور المفخخة، وكذلك هناك مشاريع لبناء مصفى الجرف وتأهيل البنايات والطرق في القضاء، وقد أعلن أحد أعضاء مجلس محافظة بابل أن عودة الأهالي النازحين ستتم بهد انتهاء المدة المقررة وهي ثمانية أشهر.

وبعد مرور أكثر من ثلاث أعوام على هذه القرار، قال عضو مجلس محافظة بابل علي الكرعاوي، إن "ناحية جرف النصر لا تزال تعاني من مخلفات احتلال داعش الإجرامي، لكون أغلب المنازل مفخخة، فضلا عن انتشار العبوات المعقدة في المدينة"، معتبرا أن "شروط إعادة النازحين ستكون صارمة لضمان عدم عودة العوائل المتورطة مع تنظيم داعش"، بحسب قوله.

وتعدّ "جرف الصخر" أكبر ناحية إدارية في العراق، فهي بمثابة بوابة دخول لمناطق جنوب العراق، إذ تفصل بين العاصمة بغداد وجنوب العراق، وتمرّ من خلالها الطريق الرئيسية، كما تتصل المدينة مع حدود محافظة الأنبار غربي البلاد، وتحديدا عبر بلدة العويسات التابعة لمدينة الفلوجة.

ويصل عدد سكان المدينة إلى نحو ربع مليون نسمة، تشمل سكان البلدة والمناطق المحيطة بها، مثل الجنابيين والفاضلية والفارسية والباج الشمالي والباج الجنوبي وصنيديج وقامشلي والقراغول، وهي بالغالب مناطق ذات طابع زراعي، وكانت خلال التسعينيات، أي خلال فترة الحصار الاقتصادي على العراق، سلّة غذاء سكان بغداد الأولى.