أزمة إعلام السيسي بين الوزير والأذرع.. لماذا تتصارع الأجهزة الأمنية بمصر؟

وزير الإعلام المصري أسامة هيكل تعرض لانتقادات حادة من صحفيين تابعين للسلطة (مواقع التواصل)

سادت حالة من الدهشة أوساط المتابعين للشأن المصري، خلال الأيام القليلة الماضية، جراء تلاسن وتراشق متبادل بين وزير الدولة للإعلام أسامه هيكل، وإعلاميين موالين لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك على خلفية تصريحات للوزير قال فيها إن الشباب -الذين هم أغلبية المصريين – لا يشاهدون وسائل الإعلام التقليدية سواء التليفزيون أو الصحف.

واعتاد المصريون إطلاق مصطلح "الأذرع الإعلامية" على المذيعين ووسائل الإعلام المؤيدة للنظام، وذلك في إشارة إلى نفس المصطلح الذي استخدمه السيسي حين كان وزيرا للدفاع، في سياق حديثه عن الرغبة في استعادة سيطرة الجيش على وسائل الإعلام التي كانت قد تحررت بعد ثورة 25 يناير.

وفي تصريحات للجزيرة نت، اعتبر إعلاميون وسياسيون أن الإعلام المصري يفتقد للمصداقية ويتميز بعزوف المشاهدين، بسبب عدم الثقة وسيادة الصوت الواحد المؤيد للسلطات طوال الوقت والمنكِر أو المبرر لكل أخطائها، فضلا عن ضعف المحتوى والأداء الجاذب للمشاهدين، خاصة من الشباب الذين انصرفوا كغيرهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي سياق التلاسن بين الوزير والإعلاميين المصريين، قال بعضهم إن هناك حملة منظمة ضد هيكل تقف وراءها جهة تسعى للإطاحة به، وذلك في إطار صراع جبهات داخل نظام السيسي.

وعين هيكل كأول وزير للإعلام بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، في عهد المجلس العسكري، ثم ترأس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي في سبتمبر/أيلول 2014، قبل أن يعين رئيسا للجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب، وأخيرا تم تعيينه وزير دولة للإعلام في ديسمبر/كانون الأول 2019.

تصريح يشعل الصراع

بدأت الأزمة عندما قال هيكل إن أصحاب "الأعمار أقل من 35 سنة، والذين يمثلون حوالي 60 أو 65% من المجتمع، لا يقرؤون الصحف ولا يشاهدون التلفزيون" وبالتالي من المهم التفكير في نمط حياة هذه الفئات.

هذا التصريح يبدو أنه أزعج العديد من الإعلاميين المؤيدين للسيسي، أبرزهم رئيس تحرير جريدة "اليوم السابع" خالد صلاح، والمذيعان محمد الباز ووائل الإبراشي، فضلا عن صحفيين ومسؤولين في نقابتي الإعلاميين والصحفيين، وطالبه بعضهم بالاستقالة، وقالوا إن الوزير لا يفهم في السياسة أو حتى الإعلام.

ومع تصاعد النقد وتزامنه، جاء رد الوزير بأن هناك أوامر صدرت بشن حملة جديدة على شخصه بعد حملة سابقة منذ شهرين.

وأضاف هيكل في منشور بموقع التواصل فيسبوك "في توقيت واحد، وبنفس الكلمات، شنت أقلام معروف للكافة من يحركها بالتساؤلات نفسها حول ماذا فعلت منذ توليت المسؤولية؟ ولماذا لا أصمت؟ ولماذا لا أبحث عن وظيفة أخرى؟ وأحدهم يتهمني بأنني بتصريحاتي سأتسبب في عدم إقبال المعلنين على الإعلان في الصحف".

لحظة ضمير تنتظر الإطاحة

يرى خالد عاشور العضو السابق بمجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي أن تصريحات هيكل، حول تدني نسب المتابعين للإعلام في مصر، هي لحظة ضمير.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف عاشور أنه تم تقليص دور وزير الإعلام في عهد السيسي، واهتزت صورته ومكانته كثيرا، فأصبح الوزير وكأنه متحدث باسم الحكومة، حيث يخرج فقط ليلقي البيانات الحكومية، ولا يوجد له أي دور تنفيذي أو رقابي على أداء الجهاز الإعلامي.

وأشار إلى أن السيطرة على الإعلام المصري سواء الحكومي أو الخاص من جانب أجهزة المخابرات لم تتوقف يوما، وهناك حالات لعدد من المذيعين أحيلوا للتحقيق بسبب آراء أو تصريحات خارج إطار السياق المفروض لهم.

وأكد عاشور أن خروج الخلاف بين هيكل والأذرع الإعلامية للعلن بمثابة ضوء أخضر من الطرف الذي يصارع وزارة الإعلام، ومن الممكن أن يكون في إطار حملة ممنهجة لإزاحة الوزير.

عزوف يثير أزمة إعلامية

بدوره، قال قطب العربي رئيس المرصد العربي لحرية الإعلام إن عزوف المصريين عن مشاهدة الوسائل الإعلامية سواء التلفزيون أو الصحف الرسمية أو الخاصة الموالية، جاء لكونها لا تقدم جديدا للمواطن ولا تقدم خدمة إخبارية تستحق المشاهدة والقراءة، ولفقدان الثقة في الإعلام الذي يبث من داخل مصر.

وفي حديثه للجزيرة نت، استغرب العربي من الحملة التي شنتها الأذرع الإعلامية على الوزير، مشيرا إلى أنها تشبه الحملات التي تظهر بشكل منسق وموجه من آن لآخر ضد المعارضين للسلطة، وتقف خلفها جهة محددة، ربما هي نفسها التي دفعت هؤلاء لشن الحملة على الوزير.

وأضاف "يبدو الأمر وكأنه محاولة للتخلص من هيكل عبر دفع هؤلاء للهجوم عليه بشكل جماعي وتوقيت واحد، وهو ما أعلنه الوزير نفسه بصراحة، ليؤكد ما نذهب إليه".

وأشار إلى وجود نزاع ومعركة داخلية بين أطراف في السلطة، حيث يمثل هيكل جناحا، وهؤلاء الإعلاميون ومن يقف خلفهم يمثلون جناحا آخر، مضيفا "سننتظر لنرى نتيجة هذه المعركة بين أجنحة النظام".

صراع جبهات

من جانبه، أكد عصام عبد الشافي أستاذ العلوم السياسية ومدير المعهد المصري للدراسات أن العزوف عن برامج التلفزيون المصري ليس وليد اليوم، ولكنه ممتد لسنوات، بسبب انعدام الثقة في الإعلام المصري وبرامجه والقائمين عليه.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف عبد الشافي أن حالة عدم الثقة في الإعلام المصري ترسخت مع أحداث ثورة يناير، ففي الوقت الذي كانت فيه الملايين تحتشد في الميادين، كان التلفزيون المصري يذيع أخبار الدوري العالمي، وينقل صورة شوارع خالية من المصريين فضلا عن المتظاهرين.

وحول كون ما يحدث يعبر عن صراع الأجنحة داخل المؤسسات الإعلامية، قال عبد الشافي "هي مرتبطة بصراع الأجنحة داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، لأن هذه المؤسسات ما هي إلا أدوات أو أذرع لها، تحركها هذه الأجهزة متى شاءت وكيف شاءت، ومعظم الإعلاميين يتلقون الأوامر والمضامين يوميا من هذه الأجهزة".

ورفض الأكاديمي المصري المراهنة كثيرا على صراعاتهم العلنية، لأنها غالبا تهدف إلى الإلهاء وتشتيت التركيز عن قضايا أخرى أكبر، وما إن يتحقق الهدف، يختفي الحديث عن تلك الصراعات. والسوابق في هذا السياق أكثر من أن تُحصى، سواء بين من يطلقون عليهم إعلاميين أو رياضيين أو فنانين أو حتى الدعاة الجدد التابعين للدولة.

حملة تنتهي بإقالة

في المقابل، أرجع محمود عطية منسق "ائتلاف مصر فوق الجميع" عزوف المواطنين عن متابعة الإعلام المصري لعدم إظهار ومناقشة المشاكل الرئيسية للشعب على القنوات المصرية، مما أدى لانصراف الناس إلى مشاهدة ومتابعة القنوات المعادية، على حد قوله.

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد عطية صحة حديث وزير الدولة للإعلام حول تدني نسب المشاهدة، رغم تحفظه على أداء هيكل منذ أن كان وزيرا للإعلام في عهد المجلس العسكري عقب ثورة يناير.

وشدد عطية -المؤيد للسيسي- على أن الهجوم الكاسح والإهانة لوزير في الحكم لابد وأن يكون بتوجيه، لأن هجوم بعض الأشخاص عليه بهذه الطريقة لا يمكن استيعابه، ولا يوجد وزير أهين وتمت الإساءة إليه وهو في منصبه بهذه الطريقة التي تحدث مع هيكل.

ومن الممكن -يقول عطية- أن يكون الغرض من هذه الحملة إلغاء المنصب أو إقالة هيكل نظرا للتضارب الحادث في الملف الإعلامي، فهناك وزارة الدولة للإعلام، والهيئة الوطنية للإعلام.

وطالب عطية بضرورة أن تلغى الهيئة الوطنية للإعلام، وأن تعود وزارة الإعلام مجددا، وذلك لضبط الأداء الإعلامي وإبعاد من وصفهم بالمتحولين، مؤكدا أن "الشارع المصري أصبح لا يتقبل الإعلاميين الحاليين ولا يشاهدهم، بسبب مواقفهم المتحولة المعادية للدولة سابقا".

المصدر : الجزيرة