«حزب الله» حصان طروادة طهران في لبنان

توم حرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في معرض مساعيها لتغيير الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة بما يصب في صالح تحقيق حلم الإمبراطورية الفارسية، سعت إيران من خلال تدخلاتها المختلفة في شؤون دول المنطقة إلى السيطرة على مفاصل اتخاذ القرار في تلك الدول، ونجحت في تحقيق ذلك في بيروت على سبيل المثال من خلال ذراعها السياسية والعسكرية الممثلة في «حزب الله» الذي يعتبر حزبًا إيرانيًا على الأراضي اللبنانية.

وهو اللاعب الأبرز في المعادلة السياسية بلبنان ويرتهن للقرار الإيراني بصورة مباشرة، وكان لذلك العديد من التداعيات الخطيرة على المشهد اللبناني الداخلي، أفضت إلى حالات من الفوضى الأمنية وكذا تخبط سياسي واسع أسهم في زعزعة استقرار البلد على مر السنين منذ الثمانينيات.

وشهدت العلاقات الإيرانية اللبنانية تقاربًا واسعًا في الخمسينيات بالتزامن مع تأسيس «حلف بغداد»، تم توّج ذلك التقارب بزيارة شاه إيران في العام 1957 إلى لبنان، ثم مجيء موسى الصدر إلى بيروت في 1958 وإمامته لمسجد «الصفاء» الذي أسسه شاه إيران في رأس النبع في بيروت.

وتمكن الصدر آنذاك من أن يرتبط بعلاقات قوية مع الدوائر السياسية في المجتمع اللبناني وأن يكون له دور في اللعبة السياسية في لبنان، وهو دور ناشئ آنذاك لم يكن بحجم التدخلات الإيرانية في لبنان في فترات تالية بعد تأسيس حزب الله اللبناني بتمويل ورعاية إيرانية.

ثورة 79

يقول السياسي الأميركي اللبناني مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي توم حرب لـ«البيان»: إن الدور الإيراني بدأ في لبنان بوضوح منذ أوائل الثمانينيات عقب ثورة 1979، ساعد في ذلك أن هنالك جزءًا من المجتمع اللبناني من يلتقي مع إيران طائفياً، استغلت طهران ذلك فأخذت تستقطب العديد من المجموعات لتحقيق أهدافها المختلفة، ومن بينها تصدير الثورة.

ومثّل الاجتياح الإسرائيلي إلى لبنان في صيف 1982، فرصة لإيران التي لعبت دورًا أكبر داخل لبنان عبر الحرس الثوري الإيراني (ظل موجودًا داخل لبنان حتى مطلع التسعينيات) وإبان ذلك تشكل حزب الله برعاية إيران، إذ هو جزء من التحركات الإيرانية آنذاك من أجل تجميع الجماعات المسلّحة.

ويعمل حزب الله بالوكالة عن إيران داخل لبنان ويرتهن لقراراتها. فرغم أن الحرس الثوري خرج عسكريًا من طهران في بداية التسعينيات إلا أنه بقي ممثلًا من خلال حزب الله الذي لعب أدوارًا ساهمت في زعزعة استقرار لبنان بدعم إيراني..

ويعترف حزب الله في بيان تعريفه بنفسه وهويته في العام 1985: أنه يلتزم بأوامر الولي الفقيه في إيران. وتحت هذا التوصيف لعب الحزب دور الوكيل لإيران داخل لبنان وكأنه حزب إيراني، وقد بايعت قيادات الحزب جميعهم إيران. ودعمت إيران حزب الله في شتى المحطات والمعارك السياسية التي خاضها حتى خروج الاحتلال الإسرائيلي في العام 2000 وأيضًا في الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان حتى العام 2006. ويعتبر قادة إيران أن «دعم حزب الله ومساندته سياسيًّا واجب مذهبيّ وثوري»، كما قال علي خامنئي في تصريحات سابقة له.

إضعاف الدولة

وفي ذلك الإطار يلفت مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي إلى أولى العمليات الأبرز لحزب الله والمتعلقة باستهدافه مقر القوات الأميركية والفرنسية في لبنان عام 1983 ما أسفر عن مقتل 300 جندي أميركي وفرنسي، الأمر الذي أكد أنه أضعف الدولة اللبنانية أمام المجتمع الدولي، ودفع العديد من شركات الطيران الأميركية والأوروبية لوقف الملاحة الجوية إلى لبنان، وصار الشعب اللبناني رهينة لحزب الله في تلك الفترة في الثمانينيات.

وكما استغلت طهران بعثتها الدبلوماسية في الكويت كبؤرة للتجسس وأيضًا كما تم رصد حركات «مريبة» لدبلوماسيين إيرانيين في مصر، فإن طهران استخدمت سفارتها في بيروت طيلة تلك الفترة كبؤرة للتجسس، ذلك في الوقت الذي سعت فيه إلى استقطاب العناصر المتطرفة في لبنان، في خطٍ متوازٍ مع جهود إيران في تجنيد عناصر تتبع المذهب الشيعي من لبنان للعمل معها. ويشير حرب إلى تورط إيراني في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005.

ويلفت السياسي اللبناني الأميركي في معرض تصريحاته لـ«البيان» إلى المحاولات الإيرانية المعتادة من أجل مغازلة الأقليات، واستخدام تلك الورقة كوسيلة للتغلغل داخل بعض المجتمعات، فقد حاولت إيران مغازلة المسيحيين في لبنان تحت ذريعة حماية الأقليات.

ووفق توم حرب، فإنه بعد العام 2008 وبعد إحكام سيطرة حزب الله فرض نفسه على الساحة اللبنانية أكثر وأكثر وعلى مدار 8 سنوات، وعندما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض يتفاوض مع الإيرانيين حول الاتفاق النووي، كان حزب الله أخذ مجده في لبنان، وسمح ذلك لإيران أن تواصل دورها بقوة ودعم أيضًا جميع أهدافها في لبنان.

ويختتم السياسي اللبناني الأميركي تصريحاته بالإشارة إلى خوف الكثير من اللبنانيين من أن يعترضوا على الوجود الإيراني في بيروت ووجود حزب الله في الحياة السياسية، ذلك أن سلاح الاغتيالات الذي سلط خلال سنوات ماضية على رقاب المعارضين قد يوجه إليهم من جديد.

Email