مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حرية صحافة أم صراع حضارات؟

بدا خافيير سولانا، الممثل الأعلى للإتحاد ألوروبي للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة جولة في عدد من البلدان العربية في محاولة لنزع فتيل المواجهة (في الصورة: مع الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو يوم 13 فبراير في جدة) swissinfo.ch

يرى البعض أن أطرافا غربية تخفت في ثوب حرية الصحافة لتبرير نشر رسوم الكارتون الدانماركية المسيئة للرسول الكريم..

ويذهب هؤلاء إلى القول بأن إقدام صحف أوروبية على إعادة نشرها بحجة مساندة حرية الصحافة، يعني أن أطرافا في الغرب قد تكون “رفعت الستار عن الفصل الأول في صراع الحضارات”. سويس إنفو استطلعت آراء خبيرين في واشنطن حول الموضوع.

في محاولة للوقوف على تقييم متوازن لقضية نشر بعض الصحف الأوروبية رسوم الكارتون المسيئة للرسول الكريم حتى بعد أن تسبب نشرها في صحيفة دانماركية في إثارة حنق المسلمين في مشارف الأرض ومغاربها التقت سويس إنفو بالدكتورة شيرين هنتر الاستاذة بمركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورجتاون والدكتور برفيز أحمد رئيس مجلس إدارة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية للتعرف على أسباب الغضب العارم في العالم الإسلامي واحتماء بعص الصحف في الغرب وراء ستار حرية الصحافة لمواصلة الإساءة إلى المسلمين.

وترى الدكتورة شيرين هنترأن الغرب يجب أن يدرك المكانة الرفيعة و العظيمة التي يحتلها النبي محمد في قلوب المسلمين حتى غير المتدينين منهم ولذلك فإن الغضب الذي اجتاح العالم الإسلامي يجب ألا يكون مثار استغراب لدى الغرب بعد نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم، كما أن الغرب الذي احتمى وراء حرية الصحافة يجب أن يتفهم أن الرسول جاء ليقضي على عبادة الأصنام لذلك لم يرد أن تستمر تلك العبادة بتصويره، ومن هنا جاء تحريم تصوير الرسول.

وتعتقد الدكتورة شيرين هنتر أن الغضب في الشارع العربي والإسلامي جاء أيضا تعبيرا عن نفاد صبر شعوب العالم الإسلامي من الأوضاع المهينة التي عانت منها تلك الشعوب وتسبب فيها الغرب على مدى المائتي عام الماضية من خلال الاستعمار والاحتلال وممارسة النفوذ والضغوط المتتالية من الغرب على حكومات وشعوب تلك المنطقة من العالم بالإضافة إلى الصراعات التي أظهرت مشاعر غربية معادية للإسلام سواء في حرب البوسنة أو حرب الشيشان أو الصراع العربي الإسرائيلي أو الغزو الأمريكي للعراق. بل وأدرك المسلمون أن البعض في الغرب لا ينظر إلى الإسلام كدين سماوي يكمل سلسلة الأديان الإبراهيمية الثلاث بل مجرد كتاب وضعه شخص واتبعه من لا زال البعض يسميهم بـ “المحمديون”.

القشة التي قصمت ظهر البعير

ويرى الدكتور برفيز أحمد رئيس مجلس إدارة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية أن رئيس وزراء الدنمارك قد أخطأ حينما لم يتخذ موقفا يعبر فيه على الأقل عن امتعاضه من الإساءة إلى الإسلام في تلك الصحيفة، وبرر الغضب الشعبي الإسلامي من نشر تلك الرسومات بأنها لم تخدم أي غرض سوى الإساءة لمشاعر المسلمين فالرسوم الكاريكاتورية غالبا ما تستهدف تحقيق هدف من اثنين إما الفكاهة بأن تعبر عن مواقف طريفة أوتصوير موقف فيه مفارقة تدعو إلى إثارة الحوار الهام حول قضية ما، أما تلك الرسوم فلم تكن طريفة ولم تدع إلى حوار بل ربطت رمزا رفيعا وعظيما في قلوب المسلمين بالإرهاب والعنف وزرعت بذور الكراهية للإسلام بنشر صور مغلوطة.

ونفى صحة تفسير الغرب للغضب في الشارع الإسلامي بأن المجتمعات الإسلامية لا تتقبل حرية التعبير وقال لسويس إنفو: “لقد تقبل المسلمون حرية التعبير منذ الدولة الإسلامية الأولى في عهد الرسول الكريم، وتعلم المسلمون من القرآن أن الله سمح للشيطان إبليس بحرية التعبير، ولكن مع تلك الحرية دائما تأتي المسئولية”، وبرر اتساع نطاق الاحتجاجات بأن الرسوم جاءت كالقشة التي قضمت ظهر البعير لأنها أعادت للعقل العربي والإسلامي بشكل جلي سلسلة المظالم التي أوقعها الغرب بحق العرب والمسلمين في الماضي والحاضر.

وتضيف الخبيرة الأمريكية في شئون الإسلام والغرب الدكتورة شيرين هنتر عنصرا آخر إلى معادلة الصراع بين الحضارة الغربية والإسلام هو تلك النظرة العنصرية التي تطفو بين الحين والآخر في مجتمعات أوروبا ضد المسلمين الذين يعيشون في الدول الأوروبية واتهامهم بعدم القدرة على الانصهار والتفاعل مع المجتمعات الأوروبية، بالإضافة إلى نزعات التخوف من المسلمين في الغرب وربطهم بالعنف واللجوء إلى الإرهاب حتى قبل وقوع هجمات سبتمبر الإرهابية. وأشارت إلى أن الصحف الأوروبية لا تستطيع نشر رسومات كارتون تعادي السامية أو تنكر وقوع محرقة اليهود في عهد النازية بينما تستبيح الرموز الدينية المقدسة لدى المسلمين بدعوى حرية الصحافة. وأعربت عن اعتقادها بأن حرية الصحافة لا تعني الإساءة البالغة للمعتقدات الدينية للآخرين.

أما الدكتور برفيز أحمد فيرى أن هناك ازدواجية في المعايير التي يستخدمها الغرب في التعامل مع قضية حرية التعبير وضرب مثالا على ذلك بأن ما ردده رجال دين مشهورون في الغرب بل وفي الولايات المتحدة مثل بات روبرتسون والقس جيري فالويل ومسئولون في دول غربية مثل إيطاليا عن الإسلام والمسلمين يشكل إساءة بالغة للديانة الإسلامية ولرسولها بل وإساءة إلى الله سبحانه وتعالى دون أن يتعرض أي منهم للمساءلة بينما لو كان أحد قد وجه إساءات مماثلة إلى الدين المسيحي أو اليهودي لقامت الدنيا في الغرب ولم تقعد. ولذلك يشعر المسلمون بأن حرية التعبير في دول الغرب تعني الإساءة إلى دينهم دون غيرهم بحيث أصبح الإسلام هو القاعدة المستباحة لذلك كان غضبهم عارما هذه المرة.

صراع من مع من؟

وترى الدكتورة شيرين هنترالأستاذة بمركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورجتاون أن استمرار موجة الاحتجاجات بمستوى العنف الحالي يشير إلى أن نشر تلك الرسوم قد أوقد نيران مشاكل أخرى محبطة للشعوب الإسلامية مثل الاستبداد والتخلف بالإضافة إلى نظرة الغرب الاستعلائية للحضارة الإسلامية ورغبة جماعات أيديولوجية في الغرب وفي العالم الإسلامي في تصعيد حدة الصراع بين الحضارات.

وأعربت الدكتورة شيرين هنتر عن اعتقادها بأن العالم دخل بالفعل بطريقة أو بأخرى في صراع بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية ولذلك يتعين على الطرفين التزام الحيطة والحذر لكي لا يفلت زمام الأمور وذلك بالمسارعة إلى الحوار حول نقاط الاختلاف بين منظومة القيم في الحضارتين وتفهم كل جانب للجانب الآخر والتعاون المشترك ضد التطرف واللجوء إلى العنف، بدلا من الوقوع في هوة ازدراء كل طرف لثقافة ومعتقدات الطرف الآخر وتعمد الإساءة إليه والوقوع كذلك في براثن العنف.

وأبدت الخبيرة الأمريكية إعجابها بعدم تورط وسائل الإعلام الأمريكية في إعادة نشر رسوم الكارتون المسيئة للإسلام رغم الإيمان العميق بحرية الصحافة وقالت إن ذلك يظهر أن هناك شعورا بالمسئولية يلازم الشعور بحرية الصحافة وأن المسئولين عن وسائل الإعلام في الغرب يجب أن يستخدموا أيضا معايير الحكم السديد على الأشياء قبل أن يصدروا أحكاما بنشر أشياء لا تخرج عن كونها مجرد إساءة مستفزة للآخرين خاصة الذين يعيشون في نفس المجتمع مثل المسلمين في هذه الحالة.

ويتفق الدكتور برفيز أحمد مع الدكتورة شيرين هنتر على أن الصحافة الأمريكية أظهرت أنها تتسم بالمسئولية حينما رفضت إعادة نشر تلك الرسوم المسيئة للإسلام ودلل على ذلك بأن صحيفة الواشنطن بوست مثلا وازنت بين استخدام حرية التعبير بنشر الرسوم وبين الآثار السلبية التي ستتسبب فيها بالنسبة لقطاع من المجتمع الأمريكي وهو قطاع المسلمين الأمريكيين ناهيك عن أن الرسوم كانت تنقل صورة مغلوطة ونمطية وغير حقيقية عن الدين الإسلامي وتدعو إلى الكراهية.

غير أن الدكتور برفيز أحمد لا يرى في وقوف وسائل الإعلام الأوروبية وراء نشر وإعادة نشر الرسوم المسيئة للإسلام والرسول الكريم ما يشير إلى صراع بين الحضارات وإنما صراع بين وجهتي نظر متطرفتين إحداهما استعلائية ترى أن من حقها استفزاز مئات الملايين من المسلمين بدعوى حرية الصحافة واتهام الطرف المستهدف بعدم تقبل تلك الحرية، ووجهة النظر المتطرفة الأخرى هي التي تدعو إلى الاحتجاج العنيف وتصعيد المجابهة باعتبار أنها حرب ضد الإسلام والمسلمين، وينبغي أن يتذكر المسلمون أن هناك قيما كثيرة في الحضارة الغربية هي أيضا من قيم الإسلام مثل المساواة وحرية التعبير وحرية العقيدة فالقرآن يذكر المسلمين والعالم أجمع بأنه “لا إكراه في الدين”.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية