لبنان في عهدة الشرعية الدولية

لبنان في عهدة الشرعية الدولية
إعداد: د. شقيق المصري
استاذ القانون الدولي المحاضر في الجامعة الاميركية وفي الجامعة اللبنانية- الاميركية وفي كلية الحقوق - الجامعة اللبنانية

يحظى لبنان برعاية متواصلة من قبل الأمم المتحدة منذ إنشائها(1) تأكيداً، في ذلك، لحرصها على استقلاله السياسي ووحدته الإقليمية. وكانت الأمم المتحدة، لدى أول تجربة خاضها لبنان في حرب فلسطين 1948، قد دعت إلى عقد اتفاقية الهدنة بينه (وبين دول أخرى أيضاً) وإسرائيل، ثم ضمنت هذه الاتفاقية بموجب قرار مستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (2).


وحرصت المنظمة الدولية على أن لا يصار إلى تعديل اتفاقية الهدنة ذاتها في المادتين الأولى والثالثة منها إلا بموافقة مجلس الأمن الدولي لأنهما تتعلَّقان بمسألة السلم الأهلي والأمن الدوليين.


وكان للأمم المتحدة، بعد ذلك، مسيرة طويلة في التأكيد المتواصل على استقلال لبنان ووحدة أراضيه.


ويمكن لنا، في هذا المجال، أن نوزِّع هذه القرارات الدولية الضامنة إلى المجموعات الآتية وفقاً لدورها والمتعلقة بمناسبات متتابعة:

 


1 - المجموعة الأولى: من القرار 262/1968 إلى القرار 374/1974:


تميَّزت هذه المجموعة من القرارات بإرساء الأسس القانونية الدولية الضامنة للبنان ومنها:


أ - إن القرار 262 الذي صدر عن مجلس الأمن في نهاية العام 1968 أكد على أهمية اتفاقية الهدنة وإدانة الاعتداء الإسرائيلي على مطار بيروت الدولي، وأقرَّ للبنان الحق في التعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة الاعتداء الإسرائيلي الذي كان مخططاً له ومعداً بإتقان وذا حجم واسع. وكان هذا القرار مرجعاً قانونياً استند إليه مجلس الأمن تكراراً.

ثم توالت القرارات الدولية ومنها 270/1969 و285/1970 وصولاً إلى القرار 347/1974، وكلها تؤكد على احترام اتفاقية الهدنة والانسحاب من «الأراضي اللبنانية».


ولعل أهمية تلك القرارات تتمثَّل في:


- أنها أصرَّت على الفاعلية القانونية الملزمة لاتفاقية الهدنة، ودحضت بالتالي المزاعم الإسرائيلية التي اعتبرت الاتفاقية لاغية بعد «اتفاق القاهرة» للعام 1969 بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية. فكانت هذه القرارات عاصمة للاتفاقات وحامية لإلزاميتها القانونية.


- أنها حرصت أيضًا على وجوب الانسحاب الإسرائيلي الكامل والفوري وغير المشروط من «الأراضي اللبنانية». وكانت هذه «الأراضي» تشمل مزارع شبعا اللبنانية المحتلة. والواقع أن القرار 347 الذي صدر عشية تنفيذ قرار فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل(3) أكَّد من جديد على وجوب الانسحاب الإسرائيلي من هذه الأراضي اللبنانية المحتلة. وكان يقتضي، بناءً على ذلك، أن توظف الحكومة اللبنانية هذه القرارات في سياق إثبات الهوية اللبنانية لمزارع شبعا المحتلة.

 


2 - المجموعة الثانية: وهي التي بدأت مع القرارين 425 و426 للعام 1978 وتواصلت حتى القرار 520 للعام 1982.


أهمية هذه القرارات الدولية يمكن تلخيصها بالآتي:


أ- إن القرار 425 كان واضحاً في وجوب الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي اللبنانية حتى الحدود المعترف بها دولياً. ولم يكن هذا القرار عادياً وإن جاء تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان UNIFIL من أجل مراقبة الانسحاب الإسرائيلي وفرض مساحة من السلم والأمن الدوليين، وتسليم الحكومة اللبنانية السلطة الكاملة على الأراضي اللبنانية.


ب- أما القرار الثاني الذي لا يقل أهمية في تلك الأثناء فكان القرار 426 الذي أوضح كيفية تطبيق القرار 425 على الأرض، وحرص على وجوب الانسحاب حتى الحدود الدولية(4)، وعلى وجوب إبقاء مراقبي الهدنة بعد انسحاب قوات الأمم المتحدة ذاتها. وهذا يعني التأكيد على الطابع الأمني في كل هذه الإجراءات وعلى العودة، بعد الانسحاب، إلى هذه الهدنة بين لبنان وإسرائيل، والمعروف أن اتفاق الهدنة لا ينهي حالة الحرب بين الدولتين(5).

ج- القرار 467/1980 الذي أكد على مضمون القرارين 425 و426 وأضاف مفهوماً جديداً لحق الدفاع عن النفس، فاعتبر أن حق قوات اليونيفيل في دفاعها عن نفسها يشمل أيضا التصدي لكل محاولة تسعى بالقوة إلى تعطيل المهمة التي انتدبت من أجل تنفيذها. والواقع أن القرار 1701 الذي صدر العام 2006 أكد على هذا المفهوم المتطور للدفاع عن النفس(6).


د- القرار 509/1982 الذي أكد على الأمر ذاته، ولكنه أضاف أيضاً إلى مضمون القرار 425 وجوب الانسحاب الإسرائيلي الفوري وغير المشروط immédiate et inconditionnel من لبنان حتى الحدود المعترف بها دولياً. وعلى أساس هذا القرار 509 كان من المنتظر أن تقوم الحكومة بقراءته ومن ثم التزام القرار 425 في ضوء ما ورد في القرار 426 من جهة والقرار 509 من جهة أخرى.


هـ- القرارات 512 و513 و515 للعام 1982 التي طالبت إسرائيل على أثر محاصرتها بيروت العام 1982 بضرورة التزام اتفاقية جنيف الرابعة (للعام 1949) والمتعلقة بحماية المدنيين (اللبنانيين) الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي آنذاك. وهذه هي المرة الأولى التي يستند فيها مجلس الأمن الدولي تكراراً إلى هذه الاتفاقية ووجوب تطبيقها. وهذا يعني أن لبنان يستطيع لدى تقديم أي شكوى بحق إسرائيل أن يستند - من جملة وسائل الإثبات التي يعتمدها - إلى أحكام هذه الاتفاقية وآثارها القانونية.


و- القرار 520/1982 الذي أخذ المجلس علماً بموجبه بـ «تصميم لبنان على ضمان انسحاب جميع القوات غير اللبنانية من لبنان». ثم أكد المجلس، في هذا القرار، على ضرورة «الاحترام الدقيق لسيادة لبنان وسلامة أراضيه ووحدته واستقلاله السياسي، في ظل السلطة الوحيدة والحصرية للحكومة اللبنانية من خلال الجيش اللبناني في سائر أنحاء لبنان»(7).

وبذلك نلاحظ الاتجاه العام والمؤكد تكراراً من قبل مجلس الأمن الدولي في رعاية الاستقلال اللبناني وحمايته ووحدته الإقليمية. كذلك نلاحظ أن هذا الاتجاه لا يشكل جزءاً من الماضي وإنما ما يزال موضع التأكيد ذاته من قبل مجلس الأمن وصولاً إلى القرار 1701/2006 كما سنرى.

 

3 - المجموعة الثالثة: قرارات الجمعية العامة


إن الرعاية الدولية للبنان لم تقتصر في الواقع على قرارات مجلس الأمن وحده مع العلم بأن هذه القرارات الدولية ملزمة بحد ذاتها وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وإنما شاركت الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذه الرعاية أيضا.

ولعل من المفيد، هنا، التذكير بثلاثة قرارات صدرت عن هذه الجمعية لمصلحة لبنان إما مباشرة أو غير مباشرة. وهذه القرارات الثلاثة ملزمة قانونياً أسوة في ذلك بقرارات مجلس الأمن.


أ - القرار 3314 الذي صدر عن الجمعية العامة في 14/12/1974 وقضى بتعريف العمل العدواني act of aggression الوارد ذكره في المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة. ويمكن اعتبار هذا القرار ملزماً لأنه أتى في الواقع، كتفسير مرجعي authoritative interpretation لمادة ملزمة في القانون الدولي. كذلك فإن محكمة العدل الدولية أعتبرت أن بعض فقرات هذا القرار يشكل مضموناً لقاعدة عرفية تحرص على السيادة الوطنية للدولة.

ولعل أهمية هذا التعريف للعمل العدواني أنه شمل، في رأي القرار ذاته، وبإلاضافة إلى الاعتداء العسكري المباشر وغير المباشر:

- حصار موانئ الدولة وشواطئها من قبل القوات العسكرية لدولة أخرى.

- قيام دولة ما بأي عملية عسكرية وإن كانت مؤقتة أو جزئية ضد دولة أخرى، أو أي احتلال لهذه الدولة أو لأي قسم منها.

- واعتبار مثل هذا العمل جريمة ضد السلم الدولي. وهو عمل يثير المسؤولية الدولية للدول المعتدية(8). وبالتالي فإن لبنان معني بهذا التعريف وإمكان توظيفه لدى تقديم أية شكوى ضد إسرائيل بسبب حصارها المفروض على لبنان طوال أشهر العام 2006، بعد حربها المدمرة ضده.


ب - القرار الرقم 37/123 تاريخ 16/12/1982 المتعلق بـ«إدانة سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة والمطالبة بانسحابها الكامل منها وإدانة مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان والدعوة إلى استعادة السلطة للدولة اللبنانية على أراضيها».

وكانت الجمعية العامة قد قررت، بخلاصة هذا التقرير الجريء، وبعد الاستنتاج «إن إسرائيل ليست دولة عضواً محبة للسلام».

- الامتناع عن إمداد إسرائيل بأي أسلحة وعن اقتناء أي أسلحة منها.

- وقف المساعدات الاقتصادية والمالية والتكنولوجية لها.

- قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والثقافية معها.

- وعزلها عزلاً تاماً في جميع الميادين.

على أن الأكثر أهمية مباشرة بالنسبة إلى لبنان، هو مضمون الفقرة «د» من القرار ذاته حيث:

- تدين (الجمعية العامة) بأشد لهجة المذبحة الكبيرة التي تعرض لها الفلسطينيون المدنيون في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان.

- تقرر أن المذبحة عمل من أعمال إبادة الأجناس Genocide.

ويجدر بالإشارة، هنا، أن هذه الفقرة من القرار حظيت بأكثرية 123 صوتاً مع القرار في مقابل لا أحد ضده.

وإذا ما تقرر رفع أي شكوى لبنانية ضد إسرائيل أمام أي محفل دولي فإن هذا القرار يشكل عنصراً أساسيًا عن وسائل الإثبات لديه سواء لجهة اعتبار إسرائيل دولة غير محبة للسلام، أو لجهة ارتكابها أو مشاركتها أو إمرتها لجريمة الإبادة.

هذا مع العلم إن جريمة إبادة الأجناس من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الدولي. وهي، بالتالي، لا تسقط بمرور الزمن(9).


ج - القرار الرقم 50/22 ج في 25/4/1996 المتعلق بمجزرة قانا، وفيه: «تدين الجمعية العامة الهجمات العسكرية الإسرائيلية على السكان المدنيين في لبنان، لا سيما على قاعدة الأمم المتحدة في قانا، مما يمثل انتهاكاً لقواعد القانون الإنساني الدولي المتعلقة بحماية المدنيين، وتعرب عن قلقها الشديد وعن حزنها لما حدث من خسائر في الأرواح وإصابات بالغة في صفوف الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال...». ثم تابعت الجمعية العامة في القرار ذاته بالتأكيد على أنه «يحق للبنان أن يحصل على التعويض المناسب لما لحقه من دمار، وإن إسرائيل ملزمة دفع ذلك التعويض».

واستناداً لذلك فإن اهتمام الجمعية العامة، بأكثرية أعضائها، لم تكتف بالإدانة والاتهام وحسب وإنما طالبت بإقرار حق لبنان في التعويض عن الأضرار التي لحقت به.

 

4 - المجموعة الرابعة: القرارات 1559 و1680 و1071:


أ- القرار 1559 في 2/9/.2004 وقد تعرَّض، في الحياة السياسية اللبنانية إلى الكثير من الجدل والتجاذب والخلط بين المضمون القانوني والتأويل السياسي. وكانت الحكومة اللبنانية، حيال هذا الخلط، على وضع متأرجح من التردد والرفض(10) ومن ثم القبول.

وبإزاء ذلك كله يمكن إبداء بعض الملاحظات الآتية:

- إن جميع قرارات مجلس الأمن ملزمة وفقاً للمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على أن «يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق، وإذا كانت أي دولة تعلن رفضها الانصياع إلى قرار دولي مستند إلى الفصل السادس من الميثاق (كما هي حال القرار 1559) فإنها لا تضمن عدم وقوعها في قبضة الفصل السابع منه».

- إن مجلس الأمن ليس بحاجة إلى شكوى أي دولة أو إلى نزاع بين دولتين لكي يتحرك. فهو قد يتحرك من تلقاء نفسه إذا شعر أن ثمة وضعاً Situation معيناً يستدعي المعالجة من قبل المجلس قبل أن يتفاقم إلى نزاع خطير. وهذا أمر يقرره المجلس ذاته.

- إن الفرصة أمام الحكومة اللبنانية كانت متاحة خلال الشهر الأول لصدور القرار - أي قبل تحديد كل عباراته من قبل الأمين العام وموافقة المجلس على هذه التحديدات - لكي توضح أن المقصود بالقوات المسلحة غير اللبنانية الجانب السوري وكذلك الإسرائيلي. كذلك كانت الفرصة متاحة لكي تفرق الحكومة اللبنانية بين الميليشيات غير اللبنانية وبين المقاومة اللبنانية المشروعة طالما أن ثمة احتلالاً لبعض الأراضي اللبنانية في شبعا. والفرصة متاحة أيضاً لرفض كلمة تفكيك disbanding حزب الله طالما أنه يمثِّل شريحة كبيرة من اللبنانيين، وله نواب ممثلون في المجلس النيابي اللبناني. ولكن هذه الملاحظات لا تغيِّب الضمانات الأساسية التي وفّرها القرار 1559 للجانب اللبناني ومنها.

- دعمه القوي لسلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي.

- تأكيده على احترام هذه السيادة تحت السلطة الحصرية والوحيدة للحكومة اللبنانية.

- وهذه الضمانة التي لحظها القرار جاءت في الواقع، تأكيداً لما ورد في وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) التي أكدت «بسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً». وقد سبق لوثيقة الطائف هذه أن أكدت على «الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها للدولة اللبنانية»(11).


ب- القرار 1680 في 17/5/2006 وقد تمثلت أهميته بـ:

- أنه، بعد تأكيد سيادة لبنان واستقلاله ووحدته، رحَّب ودعم الحوار الوطني اللبناني الذي كان منعقداً حينذاك. وأبدى ارتياحه للبنود التي تم التوصل إلى إعلانها من قبل المتحاورين ولا سيما تلك المتعلقة بالمحكمة الدولية، والعلاقات الدبلوماسية اللبنانية - السورية، وتحديد ومن ثم ترسيم الحدود عند مزارع شبعا، ونزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. وهذا الأمر يعني أن البنود التي أعلنها مؤتمر الحوار الوطني في حينه باتت مدعومة بهذا القرار الذي منحها منذ ذلك الحين صدقية دولية ملزمة مبدئياً، وليست مجرد اتفاقات داخلية ظرفية.

- أنه شجع الحكومة السورية على التجاوب مع طلب الحكومة اللبنانية في تحديد الحدود المشتركة بينهما ولا سيما في الجنوب. كذلك شجع الجانب السوري على التجاوب مع الطلب اللبناني في إنشاء العلاقات الدبلوماسية بينهما. وكان مجلس الأمن مدركاً تماماً أن هذه العلاقات تنشأ بالقبول المتبادل بين الدولتين(12) ولهذا استخدم «التشجيع» من دون أن يطلب ولا يقرِّر.

- وطالب، من ثمَّ، الحكومتين اللبنانية والسورية بضبط الحدود ووقف عمليات التهريب ... الخ.

المهم أن القرار 1680 جاء في سياق المناخ الحواري الذي كان سائداً وكرّس، لذلك، بنود هذا الحوار دولياً وأعلن حرصه على توطيد علاقات حسن الجوار بين لبنان وسوريا. والمعروف أن هذه العلاقات تستقيم، عادة، بإنشاء علاقات دبلوماسية واحترام الضوابط والحدود التي تسودها.


ج- القرار 1701 في 11/8/.2006

يشكل هذا القرار المرجع الأبرز في تأكيد سيادة لبنان وحماية استقلاله السياسي ضمن حدوده المعترف بها دولياً. وعلى الرغم من بعض النقاط الملتبسة التي تضمنها هذا القرار لجهة إمكان الاستفادة الإسرائيلية منه في وضع حربها على لبنان في سياق الدفاع عن النفس، وعدم حسمه في ضرورة وقف إطلاق النار، فإن لهذا القرار رصيداً كبيراً من النقاط الإيجابية لمصلحة لبنان ومنها:

- حرص القرار 1701 على تأكيد وحدة لبنان الإقليمية واستقلاله السياسي ووحدته الوطنية ضمن حدوده المعترف بها دولياً.

- تأييد القرار للنقاط السبع التي أعلنها رئيس الوزراء اللبناني ولا سيما تلك التي تؤكد على سلطة الحكومة اللبنانية (السياسية والعسكرية) على كامل أراضيها وضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية والمقترحات التي قدمها بصدد مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.

- تعزيز قوات اليونيفيل في عددها وعتادها ومهامها من الليطاني حتى الخط الأزرق، وتكليفها مساعدة السلطات اللبنانية إذا طلبت هذه السلطات ذلك في ضبط حدودها الأخرى لمنع التسلل غير القانوني للأفراد وتهريب الأسلحة(13).

- تأكيد القرار (وهذا من جملة النقاط السبع كذلك) على احترام اتفاق الطائف واتفاق الهدنة وتأييدهما. والمعروف أن هذين الاتفاقين يشكلان الركنين الأساسيين في سياق الاستقرار اللبناني الداخلي من جهة والصراع اللبناني الإسرائيلي من جهة ثانية.

- دعوة المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات فورية لمدِّ الشعب اللبناني بالمساعدة المالية والإنسانية... وإعادة فتح المطارات والموانئ تحت سلطة حكومة لبنانية... ومن ثم تقديم المزيد من المساعدة في المستقبل للإسهام في تعمير لبنان وتنميته.

- التأكيد على أهمية وضرورة تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط استناداً إلى القرارين 242 و338.
 

5- المجموعة الخامسة: القرارات الدولية المتعلقة بالمحكمة ذات الطابع الدولي

كانت حيثيات القضاء الجنائي الدولي مدفوعة بالحرص على الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان وتحقيق العدالة  الجنائية الدولية. واستجابة لهذه الحيثيات صدرت اتفاقية روما العام 1998 التي أسست المحكمة الجنائية الدولية ولحظت صلاحيتها للنظر بأربعة أنواع أو مجموعات من الجرائم الدولية: جريمة الحرب والجريمة ضد الإنسانية وجريمة الإبادة والأعمال العدوانية(14). ومع تأسيس هذه المحكمة الدولية اكتملت مقوِّمات العدالة الجنائية الدولية في قانونها وآليتها.

ولكن هذا الإنجاز كان مسبوقاً، في الواقع، بمحاكم دولية متخصِّصة بمكان وزمان معينين كمحكمة يوغو سلافيا السابقة في العام 1993، ومحكمة رواندا في العام .1994 كذلك تم تشكيل بعض المحاكم المختلطة في كمبوديا وسيراليون.

أما المحكمة ذات الطابع الدولي Tribunal of International Character فقد أنشئت مبدئياً بموجب القرار 1644/2005 الذي صدر بناء على طلب الحكومة اللبنانية واستند إلى الفصل السابع الذاتي الإلزام من ميثاق الأمم المتحدة.

 

الواقع أن مرحلة تأليف هذه المحكمة وردت ضمن العمليات القانونية المتدرجة التي اعتمدها مجلس الأمن وهي:

أ- إن المجلس الدولي أصدر في اليوم التالي لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه بياناً رئاسياً اعتبر فيه أن الجريمة «عمل إرهابي»، وثابر على هذا التوصيف القانوني في المراحل اللاحقة كافة. وكان القراران 1373/2001 و1566/2004 وهما مستندان إلى الفصل السابع أيضا قد اعتبر إن «الإرهاب» يشكل «تهديداً للسلام والأمن الدوليين». والمعروف أن المادة 39 - وهي مدخل الفصل السابع - تفترض أن يتحرَّك مجلس الأمن - ضمن مسؤوليته الرئيسة - لمعالجة حالة تهديد السلام أو انتهاكه وحصول العمل العدواني.

وبذلك، فإن مجلس الأمن أصدر في هذه المرحلة قرارين مستندين إلى الفصل السابع: القرار 1636/2005 الذي عزَّز صلاحية اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق والقرار 1644 الذي أقرّ المحكمة ذات الطابع الدولي(15).

وكان المقصود بهذه التسمية أن المحكمة المطلوبة تحفظ شراكة الجانب اللبناني فيها أي في وجود قضاة لبنانيين من جهة، ومراعاة القوانين اللبنانية من جهة ثانية. ولكنها تكون دولية في مرجعية تشكليها، ومشاركة قضاة دوليين فيها، ومكان وجودها خارج لبنان، وأولوية أحكام القانون الدولي ومعاييره في سياق أعمالها.


ب- وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد رفع تقريره إلى مجلس الأمن بناء على طلب هذا الأخير، وذلك في 21/3/2006 وأوضح عدداً من النقاط الأساسية في هذا الإطار بحيث وافق المجلس عليها من دون أي تحفظ ومنها:

- إن محكمة وطنية (لبنانية) غير قادرة وحدها، على القيام بدراسة هذا الملف المعقد. كما أن إنشاء محكمة دولية بكاملها قد تبعد المسؤولية اللبنانية عن التحقيق والمحاكمة والحكم. لذلك يبدو من المناسب إنشاء محكمة مختلطة تجمع بين المسؤوليتين اللبنانية والدولية. وبذلك يمكن تفعيل هذه المحكمة من خلال اتفاق ثنائي بين لبنان والأمم المتحدة.

- إن الفكرة المحورية، هنا، تتمثل في وجوب احترام الثقافة القانونية اللبنانية من خلال تطبيق بعض القوانين اللبنانية أمام هذه المحكمة. ولكن ذلك لا يحول دون اعتماد أولويات القانون الدولي كما لا يحول دون الإفادة من القواعد الإجرائية وأدوات الإثبات التي اعتمدتها المحاكم الدولية الأخرى.

ولذلك صدر القرار 1757 عن مجلس الأمن مستنداً إلى الفصل السابع ومؤكداً على نظام هذه المحكمة كما ورد في الاتفاقية الثنائية بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة وذلك بعد تعذر إبرامها من قبل السلطة الإشتراعية اللبنانية.

 

ج- ولعل أهمية القرار 1757 في 30/5/2007 تتمثَّل في عدة وجوه واعتبارات أهمها:

- إن هذا القرار لم يتضمن أي بند عقابي من بنود الإجراءات الزاجرة التي يشير إليها عادة الفصل السابع، وإنما فرض إلزامية قانونية كاملة لنظام المحكمة ليس على لبنان وحده وإنما على الدول الأخرى كافة من دون أي استثناء.

- إن هذا القرار (1757) يفسح في المجال أمام المساهمة اللبنانية في إقرار العدالة الجنائية الدولية لأنه أكد على حرفية الاتفاقية الثنائية التي أقرَّت نظام المحكمة من دون أي تعديل.

- إن هذه المحكمة تشكل آلية زاجرة ورادعة بالوقت نفسه. فهي ستُخضِع مرتكبي هذه الجريمة والجرائم الأخرى المرتبطة بها للعقاب المناسب. وهي، من جهة ثانية، ستشكل رادعاً لارتكاب مثل هذه الجرائم وتمنع ارتكابها باسم القانون الدولي في المستقبل. ولهذا السبب يمكن أن تصبح هذه المحكمة نموذجاً مستقبلياً لمحاسبة مرتكبي الإرهاب الدولي في العالم ومعاقبتهم.

- ولعل الأهمية الأخرى -الشاملة- لهذا القرار (1757) أنه أكد، وعلى مستوى الفصل السابع الآن، على «الدعوة إلى الاحترام الصارم لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي تحت السلطة الوحيدة والحصرية لحكومة لبنان».

وإذا كان مجلس الأمن الدولي قد حرص منذ العام 1978، على الأقل، على السيادة والوحدة والاستقلال اللبناني (بموجب القرار 425) ولم ينقطع يوماً عن هذا الحرص المتكرر، إلا أن التأكيد الدولي ذاته ارتقى قانونياً، اليوم، إلى مستوى الفصل السابع الملزم الدول كافة.

وهذا يعني إن هذه «السلطة الوحيدة والحصرية» لحكومة لبنان على كامل إقليمها انتقلت من إطار الدعوة المبدئية إلى الموجب القانوني الملزم. وبذلك يلتقي القرار 1757 مع القرار 1701 حول مزيد من التشديد القانوني الملزم. وإذا كان القرار 1701 قد وفَّر الآلية العملانية - العسكرية لضمان هذا الاستقلال والسيادة من خلال تعزيز اليونيفيل ومساعدتها للجيش اللبناني، فإن القرار 1757 وفرّ الإلزامية القانونية الذاتية والشاملة لهذا الأمر من خلال هذه المشاركة القضائية والحفاظ على صدقية النظام القضائي ومساهمة لبنان في إقرار العدالة الجنائية الدولية.


الهوامش

1. ذلك لأن المادة 87 من ميثاق الأمم المتحدة أكدت على منح لبنان (وغيره من ذوي الأوضاع المشابهة) حق العضوية الكاملة في المنظمة الدولية على الرغم من وجود الجيش الفرنسي فيه آنذاك.

2. وهو القرار 62 الذي صدر في 1948 وأكد على أن تكون الهدنة دائمة لا يجوز تخطيها، وأن تتلاءم القوات المسلحة في حجمها وسلاحها ومهامها الدفاعية معها.

3. كان مجلس الأمن قد رحب بالاتفاق السوري-الإسرائيلي وقرر نشر قوات مراقبة فض الاشتباك بينها في القرار 350 في 31/5/1974 والمعروف أن هذا الإتفاق أدخل مزارع شبعا في دائرة عمليات هذه القوات في حين أن القرار 347 صدر قبل شهر فبط أي في 24/4/1974 وطالب «بإدانة خرق إسرائيل لسيادة لبنان وسلامة أراضيه».

4. نصت المادة الخامسة من اتفاقية الهدنة أن خط وقف إطلاق النار هو خط الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين ذاته. أي أن هذا الخط هو الذي تم الاتفاق عليه من العام 1923 وجرى تأكيده في الدستور للعام 1926، أنظر بصدد حدود لبنان: عصام خليفة، الحدود اللبنانية-السورية.

5. أنظر: Von Glahn, Law among Nations, P 611-613

6. أنظر القرار كاملاً في: قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي-الإسرائيلي، المجلد الثاني: ص 282-283. والواقع أن اليونيفيل لم تقم سابقاً بممارسة هذا الحق المتطور على الرغم من حالات متكررة في منع تنفيذ هذه الجريمة من قبل إسرائيل.

7. أنظر القرارات 509 512 513 و515 520 كاملة في: قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي-الإسرائيلي المجلد الثالث 350 و351 و354 و355.

8. راجع القرار كاملاً في: International Instruments of the U.N  p334-335

9. وذلك بموجب الاتفاقية الدولية الصادرة في 26/11/1968. وهذا يعني أن إسرائيل تبقى مسؤولة عن هذه الجريمة كدولة، كما يبقى الإسرائيليون المتورِّطون بها مسؤولين جزائياً كأفراد، وذلك بصرف النظر عن تاريخ ارتكابها. راجع الاتفاقية الدولية: مجموعة صكوك دولية (الأمم المتحدة) ص 136-141

10. كان الأمين العام للخارجية اللبنانية آنذاك قد طالب بسحب مشروع هذا القرار في حينه لأنه اعتبره تدخلاً في شؤون لبنان الداخلية ولأنه يسيء في رأيه إلى علاقات الصداقة بين لبنان وسوريا. أنظر التفاصيل في وقائع جلسة مجلس الأمن رقم 5028 في 2/9/2004 على الموقع الإلكتروني لمجلس الأمن.

11. راجع النص كاملاً في «وثيقة الوفاق الوطني» منشورات مجلس النواب اللبناني، ص 51-71.

12. تنص المادة الثانية من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية على

"The establishment of diplomatic relations between states of permanent diplomatic missions takes place by mutual consent" see: basic documents in international law world order p 51-55

13. تنص الفقرة 14 من القرار 1701 على أن مجلس الأمن: يطالب حكومة لبنان بتأمين حدوده وغيرها من نقاط الدخول لمنع دخول الأسلحة أو ما يتصل بها من عتاد إلى لبنان من دون موافقتها، ويطلب إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، وفق ما أذنت به الفقرة 11 مساعدة حكومة لبنان لدى طلبها ذلك.

14. تنص المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (في فقرتها الأولى) على أن يقتصر اختصاص المحكمة على أشدّ الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره. وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية:

أ- جريمة الإبادة الجماعية

ب- الجرائم ضد الإنسانية

ج- جرائم الحرب

د- جريمة العدوان

أنظر: محمود شريف البسيوني، وثائق المحكمة الجنائية الدولية، ص10.

15. أنظر هذه القرارات كاملة (مترجمة إلى العربية) في: المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بلبنان، إصدار المركز العربي للمعلومات، العدد 38، ص10 القرار 1373، ص14 القرار 1566، ص21 القرار 1595 (تشكيل لجنة التحقيق)، ص37 القرار 1636 ص48 القرار 1644.

Lebanon in the custody of international legitimacy

The researcher points out in the beginning to the United Nations continuous guardianship for Lebanon and its permanent observance of the Lebanese independence and unity, the thing that manifests itself clearly in the considerable number of resolutions adopted by the international organization concerning Lebanon. The researcher chooses the international resolutions which were adopted concerning Lebanon and divides them to different groups and mentions each group, shedding light on their objectives and targets. The researcher undertakes his review of these resolutions starting with the year 1968 and points out to resolution 262 which confirms the importance of the truce agreement and condemns the Israeli aggression against Beirut International Airport in 1968. Afterwards, he continues his review of the rest of the international resolutions that he chose to justify, with remarkable success, the continuous international guardianship over Lebanon in addition to the international observance of the Lebanese independence and unity and permanently supporting this country in the face of all the aggressions and especially the Israeli enemy’s aggressions.

Le Liban sous la garde de la légitimité internationale

Le chercheur fait allusion au parrainage accordé par l’ONU au Liban, qui tient à son indépendance et à son unité, chose qui apparaît clairement dans les résolutions conclues par l’organisation internationale. Le chercheur choisit les résolutions de l’ONU concernant le Liban, tout en les répartissant en plusieurs groupes; il cite chacune d’elles en mentionnant ses buts. Le chercheur commence par exposer ces résolutions en commençant par l’an 1968, en faisant allusion à la résolution 262 qui insiste sur l’importance de l’accord de l’armistice et condamne l’agression israélienne sur l’aéroport international de Beyrouth (1968). Puis il cite le reste des résolutions internationales qu’il a choisi pour justifier avec un succès remarquable, le parrainage international continu, accordé au Liban, et l’ONU qui tient à l’indépendance et à l’unité du Liban, en l’appuyant contre les différentes agressions auxquelles il est exposé, notamment de la part de l’ennemi israélien.