دراسات أسيويةدراسات اقتصادية

كيف حققت نمور آسيا المعجزة الاقتصادية لها ؟

جامعة محمد لمين دباغين سطيف-2- كلية الحقوق والعلوم السياسية –  قسم العلوم السياسية

من إعداد الطالبين: عامر نوري و  بن دادة أمين تحت اشراف الأستاذ: نبيل بن حمزة
بحث في إطار مقياس ملتقى الأمن و التنمية في آسيا

السنة الدراسية: 2017- 2018

خطة البحث
المقدمة
الفصل الأول: مدخل مفاهيمي
المبحث الأول: تعريف دول النمور الآسيوية
المبحث الثاني: نشأة مصطلح النمور الآسيوية
الفصل الثاني: النماذج التنموية للنمور الأسيوية
المبحث الأول: تايوان ونموذجها الاقتصادي
المبحث الثاني: هونج كونج ونموذجها الاقتصادي
المبحث الثالث: سنغافورة ونموذجها الاقتصادي
المبحث الرابع: سنغافورة ونموذجها الاقتصادي
الفصل الثالث: الظروف و العوامل التي ساعدت التي ساعدت على نجاح تجربة النمور.
المبحث الأول: العوامل الداخلية
المبحث الثاني: العوامل الخارجية
الفصل الرابع: إمكانية تطبيق هذا النموذج في الدول العربية
المبحث الأول: تطبيق نموذج النمور في دول أخرى
المبحث الثاني: شروط تطبيق النموذج التنموي لدول النمور

خاتمة

الإشكالية: 1-هل النماذج الاقتصادية التي اعتمدتها دول النمور الأسيوية نماذج ناجحة؟
2-كيف حققت نمور آسيا المعجزة الاقتصادية لها ؟
الفرضية: لقد كانت ولازالت النماذج التنموية لدول النمور الأسيوية نماذج رائدة أثبتت نجاعتها ونجاحها على الصعيدين القاري والعالمي.

المقدمة:
لقد شكلت دول جنوب شرق آسيا أو ما عرف بالنمور الآسيوية تجربة مهمة أعجب بها العالم بأسره. فقد استطاعت خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 25 سنة أن تحقق نمواً هائلاً وتطوراً كبيراً، وأخذ المديح ينهال عليها من كل دول العالم وخاصة من قبل اقتصاديي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذين رأوا فيها نموذجاً يجب على الدول النامية ودول العالم الثالث أن تستفيد منها وتحذوا حذوها إذا أرادت الخلاص من التخلف.

غير أن هذه الدول تعرضت لنكسة اقتصادية فاجأت العالم في صيف عام 1997 . لقد كانت هذه الأزمة قوية وعنيفة فعصفت باقتصاديات هذه الدول وعرضتها لمآزق اقتصادية واجتماعية خطيرة حيث هوت فيها أسعار الأوراق المالية إلى الحضيض وانهارت أسعار صرف عملاتها بشكل كبير، وانخفضت معدلات النمو الاقتصادي وتراجع أداء الصادرات، وزادت البطالة إلى مستويات عالية، وتعرض مستوى المعيشة للتدهور السريع، واضطرت هذه الدول في مواجهة محنتها أن ترضخ للوصفة المعروفة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي مقابل تقديم القروض العاجلة لها.
غير أنها تمكنت مرت أخرى من مفاجأة العالم وذلك بعد تخلصها من هذه الأزمة وتبعاتها, وارتقائها إلى مصاف كبرى الدول الاقتصادية في العالم بطريقة حيرت أساتذة الاقتصاد في العالم على ضوء الندرة الشديدة للموارد الطبيعية في تلك البلدان،كل دولة من النمور الآسيوية الأربعة قامت باستخدام منهج اقتصادي سليم عمل على تحقيق مثل ذلك التقدم الغير مسبوق اين صار هذا النموذج التنموي يعتد به ويدرس في كبرى الدول.
ومما سبق ذكره ومن أجل أن نتناول موضوع النمور الأسيوية ونماذجها التنموية بغية فهمها أكثر والاستفادة من هذه التجربة الرائدة نصوغ الإشكالية التالية:
هل النماذج الاقتصادية التي اعتمدتها دول النمور الأسيوية نماذج ناجحة؟
كيف حققت نمور آسيا المعجزة الاقتصادية لها ؟
ومن هذه الإشكالية المطروحة ,يمكننا طرح الأسئلة الفرعية التالية:
مالمقصود بدول النمور الأسيوية؟
ماهي النماذج التنموية التي اعتمدتها هذه الدول وكيف حققت نجاحها؟
ماهي الظروف و العوامل التي ساعدت على نجاح تجربة النمور الآسيوية؟
هل يمكننا أن نستفيد ونطبق هذه النماذج في الدول العربية؟
ومن الإشكالية المطروحة نصوغ الفرضية التالية:
لقد كانت ولازالت النماذج التنموية لدول النمور الأسيوية نماذج رائدة أثبتت نجاعتها ونجاحها على الصعيدين القاري والعالمي.

الفصل الأول: مدخل مفاهيمي
المبحث الأول: تعريف دول النمور الأسيوية
نمور آسيا: تعرف نمور آسيا بالنمور الآسيوية الأربعة، هو مصطلح استخدم في مطلع ثمانينات القرن الماضي لوصف 4 من الدول الآسيوية التي حققت طفرة غير مسبوقة في النمو الاقتصادي والصناعي وهي دول تايوان وهونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية والتي تمكنت من تحقيق معدل نمو اقتصادي ضخم، وسرعة عالية في التصنيع خلال الفترة الزمنية المحصورة بين الستينات والتسعينات ، كما تمكنّت هذه الدول من التحول إلى بلدان اقتصادية، وترك أثرٍ في تحقيق نمو اقتصادي لعدد من الدول الآسيوية؛ وتشترك هذه الدول بوجود مشاركة خاصة مع دول آسيوية لها اقتصاد متقدم؛ كاليابان.

المبحث الثاني: نشأة مصطلح النمور الأسيوية
يرجع تاريخ انطلاق مصطلح نمور آسيا إلى أكثر من ثلاثين عاماً، حيث كانت هذه الدول فقيرة ومحطمة قبل ذلك؛ ومع قدوم الستينات قفزت هذه الدول صناعياً واقتصادياً، فحققت تقدماً يقدر بـ10% خلال عام واحد فقط، فضربت كوريا الجنوبية خير مثال في النهضة والانبعاث مجدداً من أمة شبه متلاشية إلى دولة صناعية؛ وجاء ذلك بعد أن قضى أكثر من أربعة ملايين مواطن خلال حرب أهلية نشبت بها؛ حتى أصبحت في عام 2011م الدولة التاسعة من حيث الاقتصاد على مستوى العالم؛ واتسعت مساحتها لتمتد إلى 98.859كم² بعدد سكان يقدر بـ47.000.000 نسمة. أما فيما يتعلق بتايوان فقد كانت منذ حداثة عهدها مجرد جزيرة صغيرة يرتادها الصيادون، وبالرغم من ذلك فقد حققت قفزات اقتصادية جمّة تمكنّت من رفع دخل المواطن على إثر ذلك إلى 13.000 دولار تقريباً؛ واحتلت المرتبة الثالثة والعشرين ضمن قائمة أكبر اقتصاديات في العالم، ومن المتوقع لتايوان أن تنمو اقتصادياً خلال السنوات القليلة القادمة بنسبة 4.65% تقريباً من إجمالي الناتج المحلي. يرجع السبب في تسمية هذه الدول بالنمور الآسيوية إلى مكانة النمور في صدر الثقافة الآسيوية، حيث يتسم النمر الآسيوي بالصفات القدسية والعلاجية، وسرعة الحركة وقدرته على مباغتة الخصوم، واكتسبت دول النمور الآسيوية هذه الصفات من النمور.

الفصل الثاني: النماذج التنموية للنمور الأسيوية
المبحث الأول: تايوان ونموذجها الاقتصادي
أول دول النمور الآسيوية هي تايوان، فيعد اقتصاد دولة تايوان خامس أضخم اقتصاد في قارة آسيا كما يعتبرها صندوق النقد الدولي واحدة من أضخم دول العالم اقتصادياً، ومن منظور المنتدى الاقتصادي العالمي يرى أن الاقتصاد التايواني يحتل المركز الخامس عشر من بين القوى التنافسية الاقتصادية العظمى على مستوى العالم وذلك طبقاً لتقرير التنافس العالمي الذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي كل عام.
2 اتباع سياسة الخصخصة لعل أهم السياسات أو المناهج الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات التايوانية لتنقذ نفسها من أقوى الأزمات الاقتصادية التي حلت بها بعد انقضاء الحروب العالمية كانت سياسة الخصخصة؛ فقد قامت الحكومة التايوانية بعرض أكبر بنوك الدولة التي تمتلكها وكذلك أهم المنشآت الصناعية التي تمثل محور الاقتصاد التايواني للبيع حيث يتملكها الآن رجال أعمال وكيانات اقتصادية كبيرة بشكل رسمي. وعلى قدر ما تحمل سياسة الخصخصة تلك من تبعات اقتصادية سلبية بالأخص على المواطنين أكثر من السلطة نفسها لكنها في نفس الوقت تعطي الفرصة للكيانات الاقتصادية الضخمة والمدربة على النهوض بالمشاريع التجارية المختلفة في تولي أعمدة اقتصاد الدولة وبالتالي العمل على تحسين خدماتها بشكل سريع وكفء وفي نفس الوقت بأقل التكاليف. كانت لسياسة الخصخصة في تايوان أثرها الإيجابي الواضح على الاقتصاد فقد بلغ معدل الإنتاج المحلي في تايوان حوالي 8% في عام 1987 وزادت نسبة الصادرات التايوانية بشكل ملحوظ مما زاد من فرص الاستثمار الصناعي والتجاري في تايوان.
3 الأزمات الاقتصادية الحالية كما هو الحال في دول النمور الآسيوية الأخرى والعديد من الدول المتقدمة صناعياً تواجه الصناعة التايوانية أخطاراً جسيمة قد تلحق ضرراً بالغاً بصناعتها المحلية؛ فوجود منافسين في السوق العالمي يقومون بعرض السلع ذاتها وبسعر أقل نسبياً عن السعر المتعارف عليه يجعل أنظار التجار تتجه إلى تلك الأسواق البديلة بدون حتى الالتفات إلى مدى جودة المنتج المعروض، ففي السنوات الأخيرة نجحت الصين في غزو العالم كله بمنتجات وسلع مختلفة ذات جودة متواضعة ولكن بتكلفة أقل بكثير عن منافسيها مما أضر بمعدلات التصدير عند الكثير من الدول الصناعية وعلى رأسهم تايوان. لذلك عملت الحكومة التايوانية على تطوير الاقتصاد بشكل يفتح للصادرات التايوانية أسواقاً جديدة لم تعمل بها من قبل؛ فبين عامي 1984 و2002 نجحت تايوان في التقليل من حجم صادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية من 49% من نسبة الإنتاج إلى 20% فقط وقامت بالاتجاه عوضاً عن ذلك إلى دول جنوب شرق آسيا والأسواق الأوروبية كما خصصت مصانع عديدة لإنتاج المواد الخام اللازمة للصناعات الخفيفة وتصديرها للصين بأسعار زهيدة، وأخيراً فإن انضمام تايوان إلى منظمة التجارة العالمية وسعيها لأن تكون مركز التجارة في آسيا والمحيط الهادي يحفز حكوماتها على إحراز مزيد من النمو والتطور الاقتصادي.

المبحث الثاني: هونج كونج ونموذجها الاقتصادي
ثاني دول النمور الآسيوية وواحدة من أهم مراكز الاقتصاد العالمي، وربما كان السبب في ذلك هو سياسة التحرر الاقتصادي الذي تتبعه هونج كونج الذي يلغي كافة الرسوم والضرائب المفروضة على حركة التجارة داخل وخارج الدولة؛ فطبقاً لمؤشر الحرية الاقتصادية الذي يصدر كل عام عن جريدة (وول ستريت) تعد هونج كونج أعلى الدول على الإطلاق في درجة التحرر الاقتصادي وذلك منذ عام 1995 أي العام الذي أطلق فيه ذلك المؤشر.
5 سياسة التحرر الاقتصادي من يقرأ في تاريخ الاقتصاد في دولة هونج كونج يعي جيداً أن الحكومة اتبعت أساليب اقتصادية قد تبدو محفوفة بالمخاطر وبها قدر عالي من المجازفة إلا أنه أتت بثمارها بشكل يفوق المتوقع، فكثير من حكومات العالم تحاول دائماً ضبط سوق العملة والاقتصاد المحليين لها خشية أن يستغل ذلك من قبل دولة أخرى مما قد يسبب انهيار الاقتصاد بها على الفور. أما هونج كونج فقد قامت بالعكس تماماً حيث عملت على تحرير سعر صرف عملتها المحلية (الدولار) – أي أن كل بنك أو مؤسسة مالية تحدد سعر العملة داخلها تبعاً لرصيدها الاحتياطي من العملات الأجنبية المختلفة- كما ألغت الضرائب التي عادة ما تفرض على الصادرات والواردات التجارية مما بث روح الحيوية في النشاط التجاري هناك ولا زالت تلك السياسة متبعة حتى ذلك الوقت حتى أن اقتصاد هونج كونج يوصف عالمياً بالاقتصاد الحر أو الاقتصاد خالي الضرائب. في هونج كونج أيضاً لا يوجد بنك مركزي تمتلكه الحكومة بل على النقيض تنتشر البنوك سواء المحلية والأجنبية في الدولة بدون فرض قيود مالية عليها مما ساهم في تسليط الضوء عالمياً على عملة هونج كونج المحلية وربطه دائماً بالدولار الأمريكي. ومن ضمن المنهج الاقتصادي الذي اتبعته حكومة هونج كونج أيضاً هو تحرير قيمة الفائدة على الودائع والقروض المالية للبنوك؛ فكل بنك يقوم بتحديد قيمة الفائدة الخاصة به مما يعمل على خلق روح التنافس بين الكيانات المالية هناك والذي يصب في النهاية في مصلحة الاقتصاد القومي لدولة هونج كونج، وعلى قدر اختلاف المناهج الاقتصادية المتبعة عالمياً إلا أن أفضلها على الإطلاق هو منهج التحرر الاقتصادي وفرض القيود المفروضة على الاستثمار لأن ذلك يشجع المستثمرين على الدخول في مثل تلك الأسواق التي لا يحكمها سوى قانون التنافس وحسب، فلا يوجد مستثمر على وجه الأرض يرغب في التقيد بشروط وقوانين معينة قد تعصف بكيانه الاقتصادي في أي لحظة.

المبحث الثالث: سنغافورة ونموذجها الاقتصادي
يعتبر اقتصاد سنغافورة واحداً من أكثر الكيانات الاقتصادية انفتاحاً على العالم ليس فقط من بين دول النمور الآسيوية الأخرى وإنما على مستوى دول العالم أجمع، حيث يتميز المنهج الاقتصادي الذي تتبعه سنغافورة بالمزج بين أهم العناصر الاقتصادية فعالية وتأثيراً في نظام واحد؛ فيعتبر الاقتصاد السنغافوري في المركز السابع ضمن أقل الأنظمة الاقتصادية العالمية فساداً وأكثرها توفيراً لمزايا العمل والاستثمار به حيث تمنح الحكومة للمستثمرين مزايا اقتصادية عديدة لعل أهمها هو تخفيض نسبة الضريبة العائدة للحكومة من الأنشطة التجارية المختلفة والتي تبلغ تقريباً حوالي 14% من إجمالي الوارد الاقتصادي، كما تعتبر سنغافورة أيضاً ثالث أعلى دول العالم من حيث الناتج المحلي ومعدلات الإقبال على استهلاك ذلك الناتج أما بالتجارة الداخلية أو الخارجية.

المبحث الرابع: كوريا الجنوبية ونموذجها الاقتصادي
كثيراً ما توصف نهضة كوريا الجنوبية بالمعجز الحقيقة حيث انتقل الاقتصاد الكوري من واحد من أفقر الكيانات عالمياً وأكثرها تأزماً إلى واحدة من أهم الدول الاقتصادية العالمية؛ فيعتبر اقتصاد كوريا الجنوبية رابع أهم اقتصاد في قارة آسيا بعد دول النمور الآسيوية الأخرى كما يقع في المركز الحادي عشر ضمن الكيانات الاقتصادية العالمية وذلك بالرغم من إتباعها لسياسة اقتصادية تختلف كلياً عن النمور الآسيوية الأخرى، فالنسبة الأكبر من حجم التجارة في كوريا الجنوبية تمتلكه عائلة واحدة فقط وتسيطر على كافة موارده مما يضع الاقتصاد الكوري في خطر محدق إذا ما فشلت تلك العائلة في الحفاظ على حجم التجارة الذي تديره في الأجيال القادمة.

الفصل الثالث: الظروف و العوامل التي ساعدت التي ساعدت على نجاح تجربة النمور.
المبحث الأول: العوامل الداخلية
تضافرت مجموعة مهمة من العوامل الداخلية لإنجاح تجربة النمو الاقتصادي في دول النمور. بعض هذه العوامل يرجع إلى ظروف الوفرة النسبية للموارد البشرية، وبعضها يرجع إلى السياسات الاقتصادية الكلية التي طبقتها الحكومات في هذه الدول.
بالنسبة للوفرة النسبية في عنصر العمل: فعندما بدأت هذه الدول تجربتها الإنمائية في الخمسينات كانت تعاني من البطالة، حيث كانت أسواق العمل تعج بأعداد هائلة من القادرين على العمل، ومما فاقم معدلات البطالة حالة الركود الذي خيم على هذه الدول آنذاك وارتفاع معدل نموها السكاني، فلجأت الحكومات في هذه الدول إلى استثمار هذه الميزة النسبية في الصناعات التصديرية كثيفة العمالة وذات الأجر الرخيص.
واتخذت هذه الحكومات مجموعة من الإجراءات لضمان استثمار هذه الميزة النسبية لفترة طويلة:
1. توفير الغذاء الضروري بأسعار رخيصة ( باعتباره معيار الدخل ).
2. حرمان العمال من تنظيماتهم النقابية والسياسية التي تدافع عن حقوقهم.
3. تطبيق سياسات مالية ونقدية صارمة لتحاشِ الوقوع في التضخم، من أجل المحافظة على معدل الأجر الحقيقي.
4. عدم وجود قوانين للحد الأدنى للأجور وعدم التشدد في مراعاة ساعات العمل.
وكان من نتيجة هذه السياسات أن أصبح متوسط الأجر في مستوى منخفض جداً مقارنةً مع الأجر في العالم، وبالتالي فإن تكاليف المنتجات التحويلية كثيفة العمالة كانت منخفضة جداً.
وفيما عدا وفرة عنصر العمل كانت هذه الدول تتسم بندرة واضحة في الموارد الطبيعية وبالتالي كان اعتمادها على الخارج يكاد يكون كاملاً في تأمين المواد الغذائية والمواد الخام والطاقة. وفي ضوء هذه الندرة الشديدة اعتمدت على إستراتيجية إنمائية محددة، فحواها الاعتماد على مجموعة معينة من الصناعات التصديرية التي تقوم على استيراد المواد الأولية من الخارج وتصنيعها في الداخل معتمدة على الوفرة النسبية لعنصر العمل.
هذا الأمر أدى إلى ظهور العجز في ميزان مدفوعات هذه الدول في المراحل الأولى من النمو (الخمسينات والستينات )، لكن حكومات هذه الدول أدركت بأنها إذا لم تستطع استدراك هذا الأمر فإنها ستحاصر بأزمات النقد الأجنبي والديون الخارجية وبالتالي تهديد التجربة بكاملها، لذلك وضعت نصب أعينها أن تصل إلى مرحلة تسبق فيها معدلات نمو الصادرات معدلات نمو الوردات، وهي المرحلة التي وصلت إليها جميع هذه الدول في العقد السابع من القرن العشرين.
أما بالنسبة للسياسات الاقتصادية الكلية التي انتقتها حكومات هذه الدول فكانت ذات تأثير ايجابي في خلق البيئة الاقتصادية المحلية المناسبة لدفع قوى النمو والتقدم، أهم هذه السياسات:
1. الدور الذي قامت به الدولة في بناء شبكة البنية التحتية على درجة عالية من التقدم والكفاءة.
2. الاهتمام الكبير الذي أولته الدولة للاستثمار في البشر، من زيادة في مخصصات الإنفاق العام على التعليم والصحة والإسكان والبحث العلمي والتقدم التكنولوجي، وبالتالي فإن ذلك انعكس في نمو إنتاجية العمل من ناحية وفي استيعاب التكنولوجيا المستوردة والدخول في مرحلة التطوير التكنولوجي من ناحية ثانية.
3. الدور الذي لعبته مجموعة السياسات النقدية والمالية لإبعاد شبح التضخم، وكان لذلك أثر ايجابي في النمو الاقتصادي ونمو الصادرات والسيطرة على الأجور.
4. العناية الخاصة بقطاع الصادرات نظراً لمكانته الارتكازية في تجارب هذه الدول. فقد حرصت هذه الدول على استقرار أسعار الصرف وعلى إعفاء المواد الوسيطة والسلع الإنتاجية المستوردة اللازمة للصناعات التصديرية من الرسوم الجمركية، ووفرت التسهيلات المصرفية لتشجيع الصادرات.
5. حرصت الدولة لتتجنب الوقوع في فخ المديونية الخارجية أن تقلل باستمرار وبأسرع وقت ممكن من حجم فجوة الموارد ( أي الفجوة بين معدل الاستثمار المنفذ والادخار المحلي ) وذلك من خلال تشجيع المدخرات المحلية ( سعر فائدة مرتفع – تطوير سوق الأوراق المالية – تنويع أجهزة تعبئة المدخرات ) ونتيجة لهذه السياسات استطاعت هذه الدول أن تحقق أعلى معدلات ادخار في العالم، الأمر الذي جعلها تتحول إلى بلدان مصدرة للاستثمارات الخاصة اعتباراً من الثمانينات. فعلى سبيل المثال: معدل الادخار المحلي في هونج كونج بلغ 33% من الناتج المحلي الإجمالي، 36% في كوريا الجنوبية عام 1995، سنغافورة 40% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي فإن الديون الخارجية ظلت في حدود آمنة، وكان يمكن خدمة أعبائها دون حدوث ضغوط على سعر صرف العملة الوطنية أو على الاحتياطيات الدولية للبلد. ففي حالة سنغافورة لم تتعد خدمة الدين 0.5% من حصيلة الصادرات 1988، بينما كان هذا المعدل يتراوح بين 25-70% في معظم البلدان النامية.
6. عمدت الحكومات في هذه الدول على انتهاج سياسة واعية لتشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها وتهيئة المناخ المناسب لها لكي تحقق معدلات مرتفعة للربح تغريها على المجيء.

المبحث الثاني: العوامل الخارجية
1-الدور الذي لعبته الحرب الباردة بين العملاقين ( الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة ). فنتيجةً لتبعية أنظمة الحكم لهذه النمور للغرب الرأسمالي فإن المعسكر الغربي حرص على مساعدة هذه الدول بسخاء لتسريع نموها الاقتصادي وتحديثها كنموذج رأسمالي بديل للنموذج الاشتراكي المجاور لها. بالإضافة إلى هذه المساعدات والتسهيلات فإنه نتيجة لوجود قواعد عسكرية للغرب الرأسمالي في هذه البلدان وخصوصاً الولايات المتحدة فإن ذلك خفف من عبء الإنفاق العسكري ومصاريف الدفاع.
2. نظام النقد الدولي الذي كان يعمل حتى بداية السبعينات، هذا النظام حقق استقراراً عالمياً في أسعار صرف عملات مختلف بلدان العالم، وبالتالي فإن هذا النظام وفر لها الدخول في صفقات تصدير واستيراد طويلة الأجل وهي مطمئنة لعدم وجود تقلبات فجائية وحادة في أسعار الصرف، كما أن هذا النظام وفر لها موارد السيولة عند الحاجة بأسعار فائدة معقولة.
3. الاستفادة الكبيرة التي حققتها هذه الدول من التخفيضات الجمركية في ضوء النظام العشري للتفضيلات الجمركية التي أقرته الجات في أوائل السبعينات، فلولا إمكانات التصدير غير المعاق إلى البلدان الرأسمالية الصناعية الذي وفرته هذه التخفيضات ما كان من الممكن لتجربة النمور الآسيوية أن تشهد هذا النجاح الذي حققته.

الفصل الرابع: إمكانية تطبيق هذا النموذج في الدول العربية
لا يمكن بأي حال من الأحوال استنساخ تجربة نمو من دولة إلى أخرى، فلكل دولة ميزات وطبائع مختلفة تتعايش معها، ولكل دولة معدلات نمو سكانية وثروات طبيعية مختلفة، ومخاطر أمنية مختلفة أيضًا، ولكن هل يمكن أن يكون هناك نمور جديدة؟
المبحث الأول: تطبيق نموذج النمور في دول أخرى
بلا شك هناك فرصة دائمًا لقيام نمور جديدة في العالم، عبر إتباع نموذج اقتصادي محدد يحقق نهضة حقيقية تعم البلد، وقد حصل هذا بالفعل في بقاع عدة من العالم في السنوات الماضية إذ استطاعت دول عديدة من إيجاد تجربة إنمائية لها، مقتفية نمور آسيا من بينها الهند والصين والمكسيك والبرازيل وتركيا.
لقد أصبحت تلك الدول بحق مدرسة صدرت تجاربها لدول العالم الثالث التي تعمل للتحول إلى دول ناجحة والتخلص من أعباء الفقر والتأخر، ولعل الدول العربية وبالأخص دول الربيع العربي لديها فرصة لدراسة تجارب تلك الدول ونماذج التنمية لديها في محاولة للاستفادة منها وتطبيق ما يمكن تطبيقه.
المبحث الثاني: شروط تطبيق النموذج التنموي لدول النمور
على كل حال يجب توفر شروط بالحد الأدنى لوجود نمور جديدة في العالم في الوقت الحالي، ولعل من أبرز ما يجب التركيز عليه من قبل أي دول تسعى لتكرار تجربة النمور هو الاهتمام بالعنصر البشري والاستثمار فيه ما أمكن، عبر زيادة الإنفاق في التعليم وتوفير الخدمات بأسعار مناسبة للجميع، وهو شرط أساسي لعملية النمو اليوم.
وبدون تعليم يضاهي المعايير العالمية لا يمكن الانخراط بالأعمال الرقمية ومكننة الصناعات والتحول نحو التجارة الإلكترونية والحكومات الإلكترونية. فمجموع هذه الأمور وغيرها من شأنها أن تصعب دخول غمار عملية النمو والتنمية بالأدوات البسيطة المعتادة، فمن دون التعليم والارتقاء بالإنسان في الخدمات كافة لن يكون هناك عملية تنموية قادرة على نقل البلد إلى الرخاء والازدهار.
ومن ثم توجيه الإنفاق إلى المشاريع الاستثمارية بعيدًا عن الإنفاق العسكري الذي يستنزف الكثير من الأموال من الميزانية العامة، وهذا سبب كبير لتأخر الدول العربية في الفترة الماضية التي لم تجد لها موطئ قدم بين الدول المتقدمة والساعية للتقدم حيث وجهت معظم مصارف الميزانية إلى الإنفاق العسكري أكثر من أي أمر آخر.

خاتمة:
مما سبق التطرق إليه ومن ملاحظتنا للوضع الاقتصادي الراهن لدول النمور الأسيوية,وكذا النتائج الباهرة المحققة على جميع الأصعدة والتي جعلت من هذه الدول نموذجا يقتدى بها على الصعيد العالمي يمكننا الجزم بأن النماذج التنموية التي اعتمدتها دول النمور الأسيوية ورغم الانتكاسة الصعبة التي مرت بها هذه الدول سنة 1997 إلى أنها تخطتها ,اثبتت مرة أخرى على أنها نماذج تنموية ناجحة يجب على كل الدول النامية الاقتداء بها بغية تحقيق التنمية والخروج من الأزمات التي تلاحقها.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى