كريم صبحي علي يكتب | الثانوية العامة بوابة عبور وليست محطة وصول

0

تُعد منظومة (( الثانوية العامة )) في مصر من أكثر الأشياء التي تُثير القلق والخوف والريبة لدى كل أُسرة مصرية لديها أبناء في مراحل التعليم الأساسية أو ما يُعرف بالتعليم ما قبل الجامعي ، ولن أُبالغ أبداً إذا قُلت بأن الثانوية العامة وللأسف الشديد أصبحت كفزاعة مُخيفة جداً لدى كُل الطُلاب الذين يمرون بتلك المرحلة التعليمية سواء كانت بشُعبتها الأدبية أو العلمية .
ومن أخطر الموروثات الفكرية السلبية والتي ترسخت في عقل ووجدان المُجتمع المصري على مدار سنوات وعقود طويلة جداً هي تلك الفكرة التي تُصور الثانوية العامة على أنها عام الحسم وسنة تحديد المصير وكأن الطالب المصري ذاهب إلى معركة حربية إستراتيجية إما يعود منها مُنتصراً وفاتحاً لأرضه أو يعود منها مهزوماً ومُنكسراً يجُر أذيال الخيبة والهزيمة من ورائه فيُلاحقه العار هو وعائلتُه لبقية حياته لأنه لم يتمكن من تحقيق النصر والعبور بنسبة نجاح عالية تُمكنه من الإلتحاق بكُلية من كُليات القمة ، وبالتأكيد تلك الأفكار الخاطئة والكارثية جعلت من الثانوية العامة عملية فدائية صعبة جداً تُستنزف فيها جميع الموارد المالية والمادية للأُسرة المصرية في سبيل إعداد مُحارب أو مُقاتل ذاهب إلى معركة حياته الكُبرى وليست مُجرد عملية تعليمية يختبر فيها الطالب قُدراته الذهنية ومهاراتُه الفكرية والعقلية والتي ستُشكل له ملامح ومعالِم مُستقبله العلمي والعملي في سنوات حياته القادمة .
وعلى الجميع أن يُدركوا جيداً بأن الثانوية العامة هي مُجرد بوابة للعبور نحو المُستقبل وليست أبداً محطة للوصول أو نهاية حتمية لما هو قادم في الحياة ، وأنا أعلم جيداً بأن مهنة الطب والهندسة من أشرف وأنبل وأهم المهن الموجودة بالمُجتمع ولذلك يسعى دائماً كُل الطُلاب للوصول إلى كُليات القمة ولكننا اليوم أيضاً أصبحنا في عالم كبير ومفتوح تتحكم فيه التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي والتسويق الرقمي والشبكي على كافة وسائل التواصل الإجتماعي مما يجعل من تلك التخصُصات مطلوبة وبكثرة في سوق العمل وناهيكم أيضاً عن الحاجة الكبيرة والمُلحة لمصر والدول الخارجية إلى المهن الحرفية والصناعية وهذا بالتأكيد يُعطي أهمية كبيرة جداً للمعاهد والمدارس الفنية والصناعية في سوق العمل سواء كان المحلي أو الخارجي ويجب أن لا ننسى أبداً بأن دول كثيرة مثل المانيا والصين واليابان وغيرها من الدول التي تقدمت بالتعليم الفني والمهني والصناعي أصبحت اليوم قوة إقتصادية وإنتاجية وتصديرية ضخمة وهائلة جداً وكان ذلك نتيجة للإهتمام بالتعليم الفني والصناعي من أجل إخراج عُمال (( صنايعية )) مُحترفين ولهم أوزانُهم وثقلهم في كافة المجالات الخاصة بهم في سوق العمل .
ومن المُتعارف عليه دائماً بأن الضغط الشديد حتماً ولابُد أن يولد الإنفجار ولذلك نُشاهد في كل عام وللأسف الشديد أخبار عن طالب أو طالبة قد إنتحروا في يوم ظهور النتائج النهائية للثانوية العامة بالرغم من أنهم لم يرسبوا وقد نجحوا بالفعل في الإمتحانات ولكنهم لم يحصلوا على نسبة النجاح أو مجموع الدرجات الذين أرادوه لدخول كُلية مُعينة كانوا يحلمون بها وللهروب من توبيخ الأهل والمُجتمع لهُم فلا يجدون سبيلاً إلا الإنتحار ولو كانوا وجدوا تشجيعاً من عائلاتهم على تكملة حياتهم العلمية مهما كان التخصص الذين سيذهبون إليه في الجامعة لما لجأوا إلى ذلك الفعل الشنيع أبداً .
الشباب المصري هُم ثروتنا القومية فحافظوا عليها ولتكُن الثانوية العامة مُجرد بوابة عبور للمُستقبل وليست أبداً نهاية المطاف .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.