اخفاء القائمة الجانبية من الموضوع

الجزء التاني: قصة تغيّرت أختي بفضل...


 

لكنّ الحياة لا تسيرُ في خطّ مُستقيم والاحتمالات لا تُحصى، وهذا ما حدَثَ أخيرًا لحنان، فتزعزَعَ كلّ الذي عمِلَت على بنائه. هل تدخَّلَ القدَر أم أنّ الصّدف وحدها إجتمعت لِخلق هذا الواقع الجديد؟ لستُ أدري تمامًا.

بعد ولادة ابني الثاني، عُرِضَ على زوجي السفَر إلى الخليج بداعي العمَل، وهو طلَبَ منّي العَيش عند أهلي ليطمئنَّ باله. تمنَّيتُ لو أنّ حماتي كانت تسكنُ بالقرب منّي لألجأ إليها، إلا أنّ بيتها كان يقَع في أقصى الجنوب وفي قرية معزولة. حاولتُ إقناع زوجي بأنّني أستطيع تدبّر نفسي وولدَيَّ لوحدي، إلا أنّه هدّدَني بِرفض فرصة العمَل والبقاء معي على حالنا، أي بدخل بالكاد يكفينا. رضختُ للأمر الواقع، وحملتُ أمتعتنا وولدَينا لأسكن في "وكر الشيطان" كما أسمَيتُه، بعد أن ودّعتُ نصفي الآخر وتمنَّيتُ منه استدعاءنا إليه حين يتسنّى له ذلك.

وكما توقّعتُ، كان استقبال حنان لنا بشعًا للغاية بعد أن عمِلَت جهدها لِخلق المُناخ الذي أرادَته في البيت، وبعد أن صارَ والدايَ راضخَين تمامًا لها. ماذا جئتُ أفعل "عندها" مع مخلوقَين صغيرَين يُحدثان الضجة في كلّ دقيقة مِن النهار والليل؟ لَم أعِرها أيّ أهميّة، على الأقل ظاهريًّا، وعزمتُ على التصرّف بشكل طبيعيّ. حدَّدَت لنا أختي القواعد التي عليّ وعائلتي إتّباعها، ورفضتُ طبعًا الانصياع لتلك القوانين، فلَم نكن في مدرسة داخليّة أو مُعسكر! وهي، بدورها، قرّرَت أن تفعل جهدها لِحملنا على الرحيل، وقد كانت بارعة في ذلك.

الأشهر الأولى التي كانت بمثابة العَيش في الجحيم، قضيتُ وقتي خلالها أبكي سرًّا وأدعوا الله لانتشالي مِن ذلك المكان الرهيب... إلى حين... وقعَت حنان في الحبّ! أجل، لقد قرأتم جيّدًا، فلقد كان لتلك الشرّيرة قلبٌ! لَم أتصوّر أبدًا أنّها قادرة على الشعور بأيّ شيء سوى الكره والبغض، وإذ بها تستسلِم أخيرًا لِمشاعر جميلة ونبيلة.

الحقيقة أنّ حنان تعرّفَت صدفة إلى رجل وفي ظروف قريبة جدًّا مِن طباعها. فذات يوم، دخلَت أختي مرآب المجمَّع التجاريّ بسيّارتها باحثةً عن مكان للركن. ولكثرة السيّارات، دارت مرّات عديدة في المرآب لتجد أخيرًا المكان الوحيد الخالي. لكن في تلك اللحظة بالذات، ركَنَ محلّها شخصٌ وأطفأَ المُحرّك وترجّلَ، ليجِد أمامه امرأة غاضبة لأقصى حدّ وتقولُ له أشياءً رهيبة للغاية. هو حاوَلَ تهدئتها، إلا أنّها زادَت غضبًا فابتسَمَ لها قائلاً: "لن أُزيل سيّارتي مِن مكانها، لكنّني سأدعوكِ لشرب فنجان قهوة في المكان الذي تختارينَه. ما رأيكِ يا جميلة؟". خرِسَت حنان فجأة، فكانت تلك أوّل مرّة في حياتها تسمعُ فيها إطراءً مِن أيّ كان. فابتسمَت بدورها وأجابتَه: "لكن، أين سأركنُ سيّارتي لأشرب معكَ القهوة؟". وفجأةً، خرجَت سيّارة مِن مكانها واستطاعَت حنان الركن محلّها.

لاحظتُ على أختي تغيّرًا ملحوظًا في شكلها وتصرّفاتها، وأعترفُ أنّني خفتُ عليها إذ أنّني لَم أرَها يومًا سعيدة. هل كانت قد فقدَت عقلها يوم اقتربَت مِن ولدَيّ وبدأَت تُلاعبُهما وهي تبتسِم، أم أنّها أعدَّت لنا خطّة شرّيرة؟ كنتُ بعيدة كلّ البعد عن تخيّلها مُغرمة برجُل! لكن بعد أسابيع، زفَّت لنا حنان خبَر زواجها القريب، وكيف أنها تعرّفَت إليه وصارا ثنائيًّا سعيدًا في فترة قصيرة. عانقتُها بقوّة لأنّني بالفعل سعدتُ مِن أجلها، وتنفَّسَ والدايَ الصعداء بعد أن عانا منها مدّة تُقارب الثلاثين سنة. فكانت حنان ستُغادرُ البيت أخيرًا! تحضّرنا لاستقبال العريس وأهله لعقد القران... لكنّ الرجل غيّرَ رأيه في آخر لحظة. مسكينة يا حنان!

لن تتصوّروا أبدًا مدى حزن أختي وضياعها. فبعد أن رأَت بعَينَيها أنّ الحياة يُمكنُها أن تكون جميلة، سُلِبَ منها كلّ ذلك فجأة. أنا مُتأكّدة مِن أنّها ندِمَت على تخلّيها، ولو لفترة، عن طباعها البشع وحبّها للتسلّط والطغيان، لكنّها أسِفَت أكثر على عدَم تمكّنها من استعادة تلك الشخصيّة الفظّة والشرّيرة.

لكن بفضل دخول الحبّ قلبها، وبالرغم مِن ترك حبيبها لها، صارَت حنان غير قادرة على فعل الشرّ بالرغم مِن مُحاولاتها العديدة. كان المشهد مُحزنًا للغاية، صدّقوني، فهي كانت تصرخُ فينا عاليًا ومِن ثمّ تجهش بالبكاء. للصراحة، كنتُ أفضُّلها كما كانت سابقًا، كما عرفتُها دائمًا. لكنّ "حنان الجديدة" كانت غريبة عنّا تمامًا واحترنا كيف نتعاملُ معها. حتى في عملها، بدأَت أختي تقترفُ الأخطاء الواحد تلوَ الآخر، وباتَ مركزها في خطر بعد أن أحسَّ الموظّفون بأنّها ضعُفَت وبدأوا يستغلّون الظرف للانتقام منها. وكيف ألومهم؟


 

0 تعليقات ل "الجزء التاني: قصة تغيّرت أختي بفضل..."

إرسال تعليق