طرابلس | اختار مجلس النواب الليبي، أمس، فتحي باشاغا رئيساً جديداً للحكومة، خلَفاً لعبد الحميد الدبيبة، في ما أعاد شبح وجود حكومتَين منفصلتَين في البلاد، وسط رفض الدبيبة قرار البرلمان إقصاء حكومته من المشهد، بعد إخفاقها في إجراء الانتخابات، في كانون الأول الماضي. وقبل ساعات من الجلسة التي انعقدت في طبرق، تعرّض الدبيبة لمحاولة اغتيال فاشلة في طرابلس، عبر إطلاق رصاص من سيارات مصفّحة عليه. وفيما لم يُعرف من يَقف خلف هذه العملية، التزمت الأمم المتحدة الصمت الكامل إزاءها.وشهدت جلسة مجلس النواب انسحاب المرشح خالد البيباص، قبل التصويت على اختيار باشاغا بالإجماع. كذلك، صوّت البرلمان على تعديل الإعلان الدستوري، من أجل تشكيل لجنة من 24 شخصاً من الخبراء والمختصّين الذي يمثّلون الأقاليم الثلاثة، على أن يتمّ اختيارهم مناصفة بين مجلس النواب و"المجلس الأعلى للدولة". وتتولّى هذه اللجنة مراجعة النقاط محلّ الخلاف في مشروع الدستور المُنجَز من قِبَل الهيئة التأسيسية، وإجراء التعديلات المكمّلة عليه. ولن تُعتبر اجتماعاتها قائمة إلّا بحضور ثلثي الأعضاء، على أن يكون مقرّها الرئيسي في مدينة البيضاء، ويجوز لها عقد جلساتها في أيّ مدينة أخرى.
وحدّد القرار مدّة 45 يوماً لتنتهي اللجنة مـن إجراء التعديلات، بدءاً من أوّل اجتماع لها خلال أسبوعين من تاريخ صدور التعديل، على أن يُحال مشروع الدستور مباشرة إلى "المفوّضية الوطنية العليا للانتخابات" للاستفتاء عليه. وفي حال تعـذّر إجراء التعديلات، بعد انتهاء المدّة، تتولّى لجنةٌ مشكّلة من مجلسَي النوّاب و"الدولة"، إعداد قاعدة دستورية وقوانين انتخابية ملزِمة للطرفين، لدورة رئاسية وبرلمانية واحدة. ويُحال النظر في مشروع الدستور المُنجَز من قِبَل الهيئة التأسيسية إلى السلطة التشريعية الجديدة، وهو الاحتمال الأقرب للتنفيذ على أرض الواقع. وسيكون على باشاغا، في حال حصول حكومته على ثقة البرلمان، إنجاز الاستحقاقات الانتخابية، في غضون 14 شهراً من إقرار القاعدة الدستورية الجديدة، وهو ما يعني أن الانتخابات لن تُجرى قبل خريف 2023، لو تمّ الالتزام بهذا المسار الذي ترفضه الأمم المتحدة، على اعتبار أنها تسعى لإجراء الانتخابات بحلول الصيف المقبل.
في غضون ذلك، بدا من الواضح أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر يدعم قرارات البرلمان، إذ رحّب باختيار باشاغا رئيساً للحكومة. وكان هذا الأخير قد أجرى تفاهمات مع رئيس البرلمان، عقيلة صالح، وحفتر، تعهّد في إطارها بعدم الترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة، في مقابل وعد باستمراره في رئاسة الحكومة. وبينما لم تُصدِر الأمم المتحدة أيّ تعليقات حاسمة، سوى دعوة الفرقاء الليبيين إلى الحلّ السياسي، ومع انشغال القوى الدولية بالأزمة الأوكرانية، بات الملفّ بيَد أطراف عربية تعكف على نسج سلسلة تفاهمات، ولا سيما مصر والجزائر اللتان اتفقتا على ضرورة أن تشمل الانتخابات الرئاسة والبرلمان، في الوقت ذاته.
تبقى الخطوة المقبلة للبرلمان الليبي، الذي ضمِن نوّابه البقاء لفترة أطول في مناصبهم، هي السعي لإقرار إطار موحّد للقوى الأمنية، يمنع الاشتباك بين الفصائل المختلفة، ويمنح أعضاءها امتيازات. وسيرتهن ذلك، أيضاً، بمدة قدرة فتحي باشاغا، في حال تشكيله الحكومة، على التعامل مع قوّات حفتر التي رفضت أن تأتمر بقرارات الدبيبة، منذ وصوله إلى السلطة.