الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

تحليل إخباري | قمة شرم الشيخ.. رسائل مباشرة عابرة للقارات

تحليل إخباري | قمة شرم الشيخ..  رسائل مباشرة عابرة للقارات

ولي عهد أبوظبي والرئيس المصري ورئيس الحكومة الإسرائيلية في شرم الشيخ. (وام)

• جدية المواقف أبعدت الاجتماع عن «المظلة السريَّة» بعد تنسيقات لمدة شهرين

• الإمارات قادت إعادة هيكلة العلاقات الإقليمية وبدأتها بالانفتاح على سوريا

• الأسد في الرياض والقاهرة قريباً وموسكو تراقب التطورات من نافذة «الرضا»

تطورات كبيرة فرضت نفسها بقوة على خارطة العلاقات الإقليمية خلال الأيام القليلة الماضية، ولا تنعزل تلك التطورات في مضمونها العام عن إشكالات سياسية وأمنية معقدة، يأتي في طليعتها الاتفاق النووي الإيراني، وتنامي تصعيد الحوثيين ضد السعودية، والحرب الدائرة في أوكرانيا. وفي حين تسعى الدوائر الإقليمية لنزع فتيل الأزمة في تلك الإشكالات، تواصل إدارة بايدن التصعيد؛ فتسكب الوقود على نيران الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتسعى لمنح الحرس الثوري الإيراني غطاءً لتعزيز نفوذه الإقليمي على حساب الأمن الإقليمي، نظير موافقة طهران على توقيع الاتفاق النووي؛ في وقت يسعى معسكر الغرب في المقابل إلى حث دول الخليج، خاصة الإمارات المتحدة والسعودية على زيادة إنتاج النفط لتهدئة أسعاره، وتعويض النفط والغاز الروسي، في تناقض يثير الكثير من الدهشة والاستغراب.

للتعاطي مع الموقف الأمريكي، استدعى الواقع المأزوم إعادة ترتيب الأوراق، وتفادي تفاقم المخاطر الإقليمية؛ فانطلقت من شرم الشيخ قمة إماراتية - مصرية ـ إسرائيلية، ثارت على رتابة التعويل على المظلة الأمريكية، وانكفأت على معالجة الأوضاع بلغة «بيدي لا بيدي عمرو»، وحفَّز على انعقاد القمة تحسُّبات محورية، منها اقتراب واشنطن من الموافقة على طلب طهران رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات الإرهابية، وتعزَّزت التحسُّبات في ظل جنوح البيت الأبيض فعلياً نحو الاستجابة للطلب الإيراني، الذي بات تمرير الاتفاق النووي الإيراني مرهوناً بتنفيذه، حسب صحيفة «وول ستريت جورنال».

إقرأ أيضاً..عاجل | محمد بن زايد والسيسي و بينيت يبحثون التطورات العالمية لأسعار الطاقة

الخلاف الوحيد

ووفقاً لتقرير الصحيفة الأمريكية، اقترحت الولايات المتحدة خلال المحادثات النووية غير المباشرة بين واشنطن وطهران في فيينا، رفع الحرس الثوري الإيراني، الذي يمارس من خلاله ما يُعرف بـ«فيلق القدس» أنشطته العدائية في منطقة الشرق الأوسط من قائمة التنظيمات الإرهابية؛ أو بعبارة أخرى، إطلاق يد «فيلق القدس» لتمويل أذناب إيران بالمال والسلاح في اليمن (الحوثيين) وفي لبنان (حزب الله)، إذا وافقت إيران على كبح جماح الحرس الثوري.

وكانت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب قد أدرجت الحرس الثوري الإيراني في قائمة التنظيمات الإرهابية في 2019؛ وهو ما حدا بإيران خلال محادثات فيينا إلى المطالبة بتراجع الولايات المتحدة عن الإجراء، الذي أفقد الحرس الثوري القدرة على جمع أموال لتمويل أنشطته في المنطقة.

ويرى معدو تقرير «وول ستريت جورنال» أن إدارة بايدن تخشى في الوقت الراهن من انهيار محادثات فيينا التي تستمر منذ عام تقريباً، إذا لم تتجاوب مع الطلب الإيراني، الذي أضحى نقطة الخلاف الوحيدة أمام إحياء الاتفاق النووي المبرم في عام 2015.

وتعزو مصادر استنطقتها الصحيفة الأمريكية انعقاد قمة شرم الشيخ إلى تحسبَّات أخرى ينطوي عليها تمرير الاتفاق النووي؛ فإلى جانب الاقتراب من رفع الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية، يتيح الاتفاق المزمع توقيعه رفع عقوبات الولايات المتحدة عن حكومة طهران، ويفضي إلى فك الحظر المفروض على مليارات الدولارات الإيرانية، ويتيح الفرصة أمام توسيع نطاق التمويل الإيراني لأنشطة إرهابية في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما على الجبهة اليمنية، التي انطلقت منها وما زالت هجمات الحوثيين على السعودية والإمارات المتحدة.

إقرأ أيضاً..«أبو الغيط» يبحث مع المبعوث الصيني للشرق الأوسط الأزمة الروسية- الأوكرانية

استئناف الجهود

وفي حين تؤشر قمة شرم الشيخ إلى آلية إقليمية جديدة لـ«تطويق إيران»، تسعى أيضاً إلى نزع فتيل الأزمة التي باتت تخيِّم على العلاقات الإماراتية– السعودية من جهة، والأمريكية من جهة أخرى، خاصة في أعقاب رفض أبوظبي والرياض استقبال وزير خارجية البيت الأبيض أنتوني بلينكن، لاستئناف الجهود التي فشل فيها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لإقناع البلدين برفع معدل إنتاج النفط.

ويبدو أن الإدارة الأمريكية «استفاقت» على جدية وصرامة الموقف الإقليمي الذي بلورته قمة الشرم الشيخ، حين كشف مسؤولون في البيت الأبيض إمداد السعودية بمنظومات دفاعات جوية من طراز «باتريوت»، لتعزيز كفاءة اعتراض هجمات الحوثيين على المملكة.

رغم ذلك، يعلم القادة المجتمعون في شرم الشيخ أن التصعيد على الجبهة اليمنية مرشح للتفاقم خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ظل هرولة الولايات المتحدة على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، والعمل على رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات الإرهابية، وعزوف الإمارات المتحدة والسعودية على التجاوب مع طلب واشنطن زيادة إنتاج النفط.

لذا، حرصت الإمارات المتحدة وبتنسيق مع الدوائر الإقليمية المعنية على تعزيز انعزال إيران إقليمياً عبر انفتاح أبوظبي على سوريا، واعتزام الرئيس السوري بشار الأسد –بعد زيارة أبوظبي– زيارة الرياض والقاهرة خلال الأيام القليلة المقبلة، حسب موقع «دبكا» العبري، الذي أسهب في تحليل أبعاد زيارة الأسد لأبوظبي قبل انعقاد قمة شرم الشيخ؛ مشيراً إلى أن زيارة الرئيس السوري لأبوظبي، ولقاءه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في 18 مارس تؤشر إلى قرار أبوظبي وحلفائها الإقليميين، لا سيما في منطقة الخليج الرد على سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن حيال إيران.

إقرأ أيضاً..السعودية تخلي مسؤوليتها عن أي نقص في إمدادات البترول للسوق العالمي في ظل هجمات الحوثيين

خرق التفاهمات

وبعد رفض أبوظبي والرياض استقبال اتصالات هاتفية من بايدن خلال الآونة الأخيرة، فليس ثمة شك في أن البلدين وحلفاءهما الإقليميين يعتبران إبرام الاتفاق النووي مع إيران «ليس فقط إهانة»، وفقاً لوصف رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت ووزير خارجيته يائير لابيد، وإنما عملية تتعمَّد فيها الولايات المتحدة التقارب مع إيران، وخرق كل التفاهمات الأمنية بين واشنطن من جهة، والإمارات المتحدة والسعودية من جهة أخرى.

ولا تستبعد دوائر التقرير العبري حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة مع الرئيس السوري خلال الزيارة عن هذا التوجه؛ إذ اقتبس التقرير عن ابن زايد قوله للأسد: «هذه الزيارة بمثابة بداية سلام واستقرار لسوريا والمنطقة بأسرها».

وتشير التقديرات إلى أن عبارة ابن زايد المقتضبة، تعكس إلى حد كبير غيض من فيض الانفتاح الإماراتي والخليجي بشكل عام على سوريا، لا سيما أن القياديتين الإماراتية والسعودية أدركتا بشكل لا يقبل التأويل أن سياسة الإدارة الأمريكية تلقي بظلال كثيفة من الخطورة على بلديهما، خاصة في ظل رفض الحوثيين وظهيرها إيران للحوار الذي دعت إليه الرياض غير ذي مرة لتهدئة الأجواء على صعيد الجبهة اليمنية، وتنامي هجمات الحوثيين على المملكة.

ويؤكد مراقبون في واشنطن تحفيز الخطوة الإماراتية حيال سوريا لكل القوى الإقليمية بما في ذلك إسرائيل على إعادة ترتيب الأوراق مع النظام السوري، وهو ما يحدو بالأخير إلى إعادة النظر في علاقاته مع إيران وأذنابها، ويفضي ذلك في نهاية المطاف إلى عزل إيران عن الجبهة الأهم، التي استثمرت فيها خلال سنوات طوال موارد غير محدودة لتوسيع نطاق نفوذها الإقليمي.

إقرأ أيضاً..تقدير موقف | ارتدادات الحرب الأوكرانية على سوريا والعراق ولبنان

الجبهة الروسية

يفطن المجتمعون في شرم الشيخ، وكذلك الحال لدى دوائر صنع القرار الأمريكي في البيت الأبيض أيضاً إلى أن تطور العلاقات الإقليمية الأخيرة، لا يبعد بحال من الأحوال عن روسيا؛ فرغم أن الأخيرة طرف أصيل في محادثات فيينا، لكنها أقل الراغبين في توقيع اتفاق نووي بين طهران وواشنطن في ضوء تعارضه مع مصالحها، وتعزيزه للتقارب الإيراني مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ولعل تصريحات سفير روسيا لدى بغداد ألبروس كوتراشيف كانت شاهداً على موقف بلاده من الاتفاق النووي الإيراني المزمع توقيعه، حين قال: «موسكو لا تعارض الاتفاق النووي إذا لم يتعارض بالتالي مع مصالحها»؛ وهو التصريح الذي أصاب طهران بالغليان.

ورغم أواصر العلاقات الوطيدة بين موسكو وطهران، إلا أن الأولى ترغب في استغلال الاتفاق للحصول على مكاسب من الولايات المتحدة والغرب بشكل عام في الحرب الدائرة على الساحة الأوكرانية؛ في المقابل تشعر موسكو بالرضا إزاء التحولات المفصلية في علاقات دول منطقة الشرق الأوسط مع الإدارة الأمريكية؛ وربما لم يغب الانفتاح السوري على الإمارات ودول المنطقة عن ناظري الدب الروسي، الأكثر نفوذاً وتأثيراً في سوريا.

المظلة السريَّة

وأولت الدوائر السياسية والأمنية في تل أبيب اهتماماً غير مسبوق بالقمة الثلاثية المنعقدة في شرم الشيخ، وعزت خروج القمة من «المظلة السريَّة» إلى جدية وإصرار المشاركين فيها على توجيه رسالة إلى إدارة بايدن، ترفض سياستها الموالية لإيران على حساب المصالح الأمنية الإقليمية؛ وحسب صحيفة «معاريف»، استبقت فكرة انعقاد القمة الثلاثة تنسيقات إقليمية على أعلى مستوى منذ شهرين، ولم تقتصر التنسيقات على الملف الإيراني فقط، وإنما شملت عديد الإشكاليات الأمنية المترتبة على إطلاق الإدارة الأمريكية يد إيران وأذنابها في المنطقة؛ بالإضافة إلى تنسيق لا يقل أهمية حول انعكاسات تبعات الحرب الأوكرانية على المنطقة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، خاصة أن أية تسوية تلعب فيها واشنطن دوراً محورياً على صعيد أوكرانيا أو إيران، لن تبعد بحال من الأحوال عن سياسة «المقايضة» مع روسيا، وهو ما ينطوي على أثر في الجبهات الساخنة، سواء في سوريا أو اليمن على وجه التحديد.

وبعيداً عن الموقف الإسرائيلي من الأزمة الأوكرانية، ودور الوساطة الذي لعبه رئيس الوزراء نفتالي بينت بين روسيا وأوكرانيا، وما انطوى عليه من تنسيقات مع إدارة جو بايدن، يرى المحلل السياسي الإسرائيلي باراك رافيد، أن موقف إسرائيل «الزئبقي» حيال روسيا لم يغب عن المشهد؛ ففي حين عزف نفتالي بينت عن إدانة روسيا، فعل وزير خارجيته يائير لابيد ذلك؛ أما موقف دول الخليج ومصر، ورغم التحالف مع الولايات المتحدة، لكنه كان أكثر حسماً، إذ عزفت تلك الأطراف عن إدانة موسكو؛ وهو ما عكس إلى حد كبير، موقفاً مناهضاً للبيت الأبيض، أكثر منه دعماً لروسيا، حسب ما نقلته «معاريف» عن المحلل السياسي الإسرائيلي.