حوار | الهبة الشعبية أثبتت فشل مشاريع الأسرلة وخطاب التأثير

رأى مدير عام مركز مدى الكرمل، د. مهند مصطفى، أن الهبة الشعبية للجماهير الفلسطينية في البلاد، أثبتت فشل مشاريع الأسرلة التي عمدت إسرائيل إلى تنفيذها بشكل عميق بعد هبة القدس والأقصى عام 2000 استخلاصا للعبر التي اتبعتها السلطات الإسرائيلية.

حوار | الهبة الشعبية أثبتت فشل مشاريع الأسرلة وخطاب التأثير

من جنازة الشهيد محمد كيوان بأم الفحم، أمس (عرب 48)

رأى مدير عام مركز مدى الكرمل، د. مهند مصطفى، أن الهبة الشعبية للجماهير الفلسطينية في البلاد، أثبتت فشل مشاريع الأسرلة التي عمدت إسرائيل إلى تنفيذها بشكل عميق بعد هبة القدس والأقصى عام 2000 استخلاصا للعبر التي اتبعتها السلطات الإسرائيلية.

وقال د. مصطفى لـ"عرب 48" إن "الشباب الثائر تجاوز القيادات السياسية في حراكه، وعبر عن رفضه لخطاب الاندماج الذي فشل مرة تلو مرة، وتصرف إسرائيل مع الأقلية القومية الفلسطينية في الداخل لا يختلف عن طرق قمعها للفلسطينيين في الضفة الغربية، وهو نظام واحد في الضفة والداخل مع حقوق مختلفة بين السكان، حتى المواطنين منهم، هذه مميزات نظام أبرتهايد".

"عرب 48": شهدنا في الأسابيع الماضية ما يشبه العصيان المدني للفلسطينيين في الداخل، كيف تقرأ هذه الاحتجاجات؟

مصطفى: جاءت هذه الاحتجاجات لتعبر عن فشل سياسات الأسرلة التي اتبعتها المؤسسة الإسرائيلية في العقدين الماضيين. تبنت إسرائيل إستراتيجيتين في التعامل مع الحالة النضالية منذ العام 2000، وكلا الإستراتيجيتين تصبان في تحقيق هدف واحد، تفكيك المشروع السياسي الجامع والجماعي للفلسطينيين في الداخل. الإستراتيجية الأولى هي تجريم العمل السياسي، وملاحقة حركات وقيادات سياسية تشدد في خطابها على تنظيم الجماهير الفلسطينية، وشكلت ملاحقة الدكتور عزمي بشارة جزءا هاما من هذه الإستراتيجية في العقد الأول بعد الانتفاضة. ثم حظر الحركة الإسلامية عن القانون خلال العقد الثاني بعد الانتفاضة. وعلى فكرة حمّلت لجنة أور الدكتور عزمي بشارة والشيخ رائد صلاح مسؤولية اندلاع الانتفاضة، أي النفس النضالي، وكم نفتقد هذين الرجلين في هذه الأحداث.

د. مهند مصطفى

أما الإستراتيجية الثانية فهي مركبة جدا، تتمثل في دمج الفلسطينيين كأفراد في المجتمع الإسرائيلي، وما ساعد على ذلك هو التوجهات الليبرالية في الاقتصاد الإسرائيلي الذي تتباه الدولة بعد صعود اليمين للحكم. ضمن هذا التوجه عملت مؤسسات الدولة على إفساح المجال لدمج العرب في الاقتصاد كأفراد، دون تمكين العرب من بناء اقتصاد عربي حتى لو كان على نطاق محلي. ينطلق هذه التوجه من أن الأدوات الاقتصادية الليبرالية تفكك المجتمع إلى أفراد، صحيح أنهم أفراد متميزين وناجحين، ولكننا نعلم أن التميز الفردي لا يلغي التمييز الجماعي، هذه قاعدة تعلمناها من كل تجارب المجموعات المقموعة في العالم. وكل سياسات اقتصادية ليبرالية، ليس هنا فقط، تؤدي إلى تفكيك المجتمع بما هو مجتمع متضامن، لديه مشروع جماعي، حيث يتفكك إلى مشاريع فردية. والمشاريع الفردية هي مشاريع مشروعة طبعا، ولكنها لا تصب في مشروع جماعي، وهذه النقطة التي تهمنا، غير أن كل محاولات الأسرلة التي يسميها بشارة أسرلة الوعي قد فشلت، لأنه في لحظات معينة يعود الناس إلى انتمائهم، وهويتهم. وهذا ما فاجأ إسرائيل في هذه الهبة الشعبية، أنه في ذروة الأسرلة يكسرها الناس ويعودون إلى هويتهم وانتمائهم، لأن إسرائيل لا يمكن أن تدمج أحدا بشكل متساو إلا اليهودي. ولأن الفلسطينيين لم يتخلوا عن وعيهم بأنهم مجموعة وطنية، يواجهون مشروعا استعماريا عنيدا وعنيفا، لكنه لم يتمكن من إخضاعهم. لذلك فإن الاحتجاج هو تعبير عن رفض سياسات الدولة، وكان المسجد الأقصى والقدس الدافع المركزي في ذلك، ولكن لا يمكن فصل الهبة عن مجمل الحالة السياسية الفلسطينية، فهي هبة ضد ممارسات الشرطة القمعية في المسجد الأقصى، ولكنها ضد ممارسات النظام السياسي الذي يعبر عن نفسه ومنطقه بتعامل الشرطة معنا، وتواطئها وتخاذلها في موضوع الجريمة ولنغرق فيها، ومثابرتها وقمعها للعمل السياسي والاحتجاجي. هذا هو جوهر النظام السياسي الذي خرجت الهبة الشعبية ضده. خذ مثلا قضية الشيخ جراح هي نفس الحالة الاستيطانية في يافا واللد والرملة، نفس المنطق استجلاب مستوطنين متطرفين إلى المناطق العربية في هذه المدن لتضييق الحيز عليهم ودفعهم للهجرة، أي تهجيرهم، هو نفس منطق حي الشيخ جراح، فلم يعد هناك حدود فاصلة في الممارسات السياسية ضد القدس والداخل، وهذا يفسر بتصوري معنى وجوهر الهبة الشعبية في الداخل.

"عرب 48": قبل أسابيع صدر تقرير "هيومن رايتس ووتش" يصنف سياسات إسرائيل بشكل من أشكال الأبرتهايد في الحدود التاريخية لفلسطين، أعني من البحر إلى النهر، هل تراكم هذه الممارسات لها دور في الاحتجاج أم هي احتجاجات على قضية مقدسة هي المسجد الأقصى المبارك؟

مصطفى: أثبت التعامل الإسرائيلي مع الهبة الشعبية في الداخل أنه شطب الخط الأخضر. إسرائيل تتعامل معنا، الآن، كشعب فلسطيني واحد. وهذا يكشف طبيعة النظام الإسرائيلي، وفي نفس الوقت يثبت لنا أن قضايا العرب في إسرائيل هي جزء من القضية الفلسطينية، فالتعامل مع الهبة كان عبر أدوات القمع في الضفة الغربية، وضع الحواجز، إغلاق بلدات، دخول "حرس الحدود" للبلدات العربية، اعتقالات تعسفية بالمئات، تقديم لوائح اتهام بمسارات سريعة غير مسبوقة، قمع شرطي عنيف على كل احتجاج سلمي بسيط، تخويف الناس ومعاقبتهم بشكل يومي، وطبعا ذروة ذلك ظهر في تنظم مليشيات يهودية مسلحة بحماية من الشرطة في أغلب الأحيان، ورأينا الكثير من المشاهد كيف أن الشرطة تحميهم أو تغض الطرف عنهم، وتتجول هذه المليشيات مسلحة حول الشرطة دون أن تقوم الأخيرة بعمل شيء. هذا يدل أن هناك نظاما واحدا في وحقوقا مختلفة بين السكان، حتى المواطنين منهم، هذه مميزات نظام أبرتهايد.

"عرب 48": تقوم الشرطة، مؤخرا، بقمع حتى التظاهرات السلمية، وتنفذ حملات اعتقال واسعة، وهذا لا يردع الشباب العربي، هل تجاوزنا مرحلة الخوف من أذرع الدولة الأمنية، أعني كأقلية قومية؟

مصطفى: منذ انتفاضة القدس والأقصى عام 2000 ظهر جيل جديد حمل معه توقعات كبيرة في ظل السياسات الاقتصادية الليبرالية في إسرائيل، وكان يبدو أن هذا الجيل قد خضع لواقعه الدوني في تراتبية المواطنة والحقوق. لم يشهد هذا الجيل القمع الذي كان في عام 2000، وراهن على الاندماج السياسي والاقتصادي في الخروج من حالة المآزق التي وصل إليها، غير أن السياسات الإسرائيلية كانت في كل مرة توصل له رسالة أنه مواطن منقوص الحقوق مهما فعل وعمل. جيل ما بعد تشرين الأول/ أكتوبر عام 2000 هو صاحب هذه الانتفاضة والذي راكم سياسات الغضب تجاه سياسات المؤسسة الإسرائيلية، وهو جيل قرر قبل عام الخروج من صمته وبدأ ينظم حراكات شبابية واحتجاجات شعبية سلمية تجاوزت القيادات الحالية. صحيح أن الحراك الشبابي كان ضد الجريمة والعنف، ولكنه كان ضد النظام في سياساته في هذا الملف، وهي سياسات تدل على جوهره، لذلك الشباب الذي شارك في هذه الهبة هو شباب كسر حاجز الخوف، كما أنه لم يعش قمع أكتوبر 2000. لذلك تحاول الحكومة إخافتهم من جديد، أي تجديد حالة الخوف والردع، وهو نفس منطق التعامل مع الانتفاضات الفلسطينية وقمعها من أجل ردعها.

"عرب 48": كيف تقدر تصرف القائمتين العربيتين في المرحلة المقبلة، هل تعتقد أن خطاب التأثير لا زال ممكنا أو حاضرا؟

مصطفى: في هذا الصدد لا بد من ذكر تشريع "قانون القومية"، ومع وجود القانون بقي رهان السياسة العربية رهان الاندماج في السياسة الإسرائيلية من أجل تغيير سياسات الحكومة، غير أن هذا الرهان فشل مرة تلو الأخرى. لذلك الخطاب السياسي الذي أحدث قطيعة عن الخطاب السياسي الذي يتعامل معنا كأقلية وطنية، كشفت هذه الهبة عن فشله، وكشف رد الفعل الإسرائيلي عن فشله، وكشف خطأ رهان قيادة تعتقد أن المجتمع مؤسرل فتأسرله أكثر، من أجل مكاسب انتخابية وإرضاء للنخب الإسرائيلية، وذلك بدل أن تنتج وعيا وطنيا وتسيّس الناس حتى عندما يحدث عزوف عن السياسة.

التعليقات