تونس.. نسبة المشاركة في الاستفتاء تثير جدلاً بين المعارضة والموالاة

time reading iconدقائق القراءة - 8
بدء عمليات فرز الأصوات في أعقاب الانتهاء من الاستفتاء على دستور جديد في تونس. 26 يوليو 2022. - AFP
بدء عمليات فرز الأصوات في أعقاب الانتهاء من الاستفتاء على دستور جديد في تونس. 26 يوليو 2022. - AFP
تونس -عزيز عليلو

فجَّرت التقديرات الأولية لنسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد في تونس جدلاً سياسياً واسعاً بين المعارضة التي رأت النتيجة بمثابة "خيبة سياسية كبرى" للرئيس قيس سعيّد، في حين رأت الموالاة أنها جاءت "في حدود المنتظر قياساً إلى نسب المشاركة في الانتخابات الأخيرة".

وبينما احتفى الرئيس التونسي بالنتيجة وسط أنصاره في العاصمة تونس، مساء الاثنين، معتبراً أن "الاستفتاء جاء تعبيراً عن إرادة الأغلبية"، قالت جبهة الخلاص الوطني المعارضة، الثلاثاء، إن "نحو 75% من التونسيين قاطعوا الاستفتاء" على الدستور، وطالبته بالتنحي، داعيةً إلى "حوار وطني".

وبلغت نسبة التصويت في الاقتراع  27.54% على الأقل من أصل 9.3 مليون ناخب مسجل، بحسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي أقرت باحتمال تأثير المقاطعة على المشاركة في الاستفتاء.

"تشكيك في نسبة المشاركة"

رئيس جبهة الخلاص، أحمد نجيب الشابي، شكّك خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة تونس، الثلاثاء، في صحة الأرقام التي أعلنتها هيئة الانتخابات بشأن نسبة المشاركة، قائلاً إن "الأرقام مضخمة، ولا تتفق مع كل ما عاينه المواطنون والمراقبون من خلو لمكاتب الاقتراع طيلة يوم الاثنين في كل ربوع البلاد".

واعتبر أن الاستفتاء "مسرحية" سعى الرئيس قيس سعيد من خلالها إلى "إضفاء الشرعية على اغتصابه للسلطة، وعلى دستوره الاستبدادي"، حسب تعبيره.

وترفض معظم أحزاب المعارضة في تونس مشروع الدستور الجديد، الذي يغيّر النظام السياسي في البلاد من شبه برلماني إلى رئاسي، ودعت إلى مقاطعة الاستفتاء، لعدم إضفاء الشرعية عليه. فيما دعت أحزاب قليلة أخرى في المعارضة للتصويت بـ"لا".

دعوة للتنحي

وأشاد رئيس جبهة الخلاص بـ"نجاح" حملة المقاطعة، قائلاً إن "الرئيس قيس سعيد خاب في مسعاه"، مضيفاً أن الجبهة تستخلص أن هذا الاستفتاء "خيبة سياسية كبرى" للرئيس، وعليه أن يخلي المكان، وإفساح المجال لإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية، لكي يعود الأمان والاستقرار إلى البلاد.

واعتبر رئيس جبهة الخلاص أن "المرجع الوحيد للشرعية الدستورية في البلاد يظل دستور 2014"، موضحاً أنه "إذا ما كان هناك إصلاحات يمكن إدخالها عليه، فيجب أن تكون بالتوافق مع مكونات المجتمع المدني والسياسي".

ودعا رئيس جبهة الخلاص كل القوى الوطنية السياسية والمدنية إلى أن تبادر للتشاور حول تهيئة "حوار وطني جامع لا يقصي أحداً"، باستثناء الرئيس سعيد، الذي "أقصى نفسه"، على حد قوله.

وأضاف الشابي أن "الرئيس قيس سعيد بما أقدم عليه منذ عام من الزمن، وما أقدم عليه من تزوير للإرادة الشعبية البارحة، وبما فعله من انفراد بتحريف وصياغة الدستور الذي عرضه للاستفتاء رغم إقصاء كل المكونات السياسية والاجتماعية من مناقشته، أقصى نفسه بذلك من الحوار الوطني".

وتابع: "ندعو القوى الوطنية إلى عقد هيئة تحضيرية لانعقاد مؤتمر وطني يتفق على الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، وعلى اختيار حكومة إنقاذ تدير المرحلة الانتقالية، بما في ذلك الإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية".

"استفتاء ناجح"

في المقابل، اعتبر محسن النابتي، الناطق الرسمي باسم "التيار الشعبي" الذي يدعم الرئيس سعيد، أن "الاستفتاء كان ناجحاً، والشعب التونسي عبر بسلام من هذه المرحلة".

وقال النابتي لـ"الشرق"، إن "الناخبين لم يستجيبوا لدعوة المعارضة لمقاطعة الاستفتاء، ونسب المشاركة كانت في حدود ما كان منتظراً، بالقياس مع نسب المشاركة في الانتخابات الأخيرة".

وذكر محسن النابتي أن "هروب المعارضة من الاستفتاء" بدعوتها إلى المقاطعة "جعل الناخبين يصلون إلى خلاصة مفادها بأن نتيجة التصويت محسومةً بالفعل"، و"أن الدستور سيمر، ما شجعهم على عدم القدوم لمراكز التصويت، خصوصاً أن الاستفتاء لم يحدد حداً أدنى للأصوات من أجل تمريره".

وأشار إلى أن "الدستور الفرنسي حين تم تعديله عام 2000، لم تتجاوز نسبة المشاركة 30%، لكن النخبة الفرنسية لم تقل إن 70% من الفرنسيين قاطعوا الاستفتاء على الدستور، بل احترمت النتائج وقالت إن الشعب اختار تعديل الدستور".

وتابع الناطق الرسمي باسم "التيار الشعبي": "إذا كان بالفعل 75% يستجيبون لدعوات المعارضة، فما عليها إلا أن تخرج بهم إلى الشارع، فذلك كفيل بإسقاط الرئيس"، على حد تعبيره، مشدداً على أن المعارضة لا "تحظى بالتأييد الشعبي".

ولفت إلى أنه يجب التركيز الآن "في المرحلة القادمة، خصوصاً ملف محاسبة بعض المسؤولين في أجهزة الدولة، المحسوبين على الأطراف التي كانت في السلطة خلال السنوات الماضية، والذين ارتكبوا جرائم التخريب الممنهج في عدة قطاعات، ومارسوا التحريض على الدولة التونسية، وساهموا بذلك في تعثر التنمية".

تطور نسب المشاركة في تونس

وشهدت تونس منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، 5 محطات انتخابية كبرى وهي انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011 والاستحقاقين التشريعي والرئاسي في 2014 والانتخابات الرئاسية المبكرة والتشريعية عام 2019، وصولاً إلى استفتاء 25 يوليو 2022 على الدستور الجديد.

وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011، نحو 54,1% من إجمالي المصوتين. وخلال المحطة الانتخابية الثانية المتمثلة في الانتخابات التشريعية التي نظمت في 26 أكتوبر 2014، ارتفعت نسبة المشاركة إلى نحو 62%.

كما بلغت نسبة المشاركة في الدور الأول من الاستحقاق الرئاسي في العام نفسه، 62,9%، في حين تراجعت هذه النسبة بشكل طفيف خلال الدور الثاني إلى 60,11% لتفرز آنذاك عن فوز الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

وواصلت نسبة المشاركة المسجلة في المحطّات الانتخابية تراجعها لتصل في الاستحقاق التشريعي الذي جرى تنظيمه في 6 أكتوبر 2019 إلى 41,3% علماً بأن عدد الناخبين المسجّلين تجاوز 7 ملايين.

في المقابل، بلغت نسبة المشاركة في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي انعقدت في 15 سبتمبر من العام ذاته 49% لترتفع في الدور الثاني إلى 55%.

أما فيما يتعلق باستفتاء 25 يوليو 2022 حول مشروع الدستور الجديد، فبلغت النسبة التقريبية للمشاركة في الاستفتاء 27,54%.

سعيد: "إرادة الأغلبية" 

وفي حين يُنتظر الإعلان عن النتائج الأولية الرسمية في وقت لاحق الثلاثاء، خرج الرئيس قيس سعيد إلى الاحتفال وسط أنصاره في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس، مساء الاثنين، بالتزامن مع إغلاق مكاتب الاقتراع.

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة "سيجما كونساي"، ونشره التلفزيون الرسمي، أن الناخبين في الاستفتاء وافقوا بنسبة 92.3% على الدستور الجديد.

وفي خطاب ألقاه أمام المئات من مؤيديه، قال سعيد إن "الاستفتاء تعبير عن إرادة الأغلبية.. ومن اختار المقاطعة حر، لكن كان بإمكانه المشاركة والتصويت بلا".

واعتبر سعيّد أن "ما قام به الشعب درس، أبدع التونسيون في توجيهه للعالم"، وأضاف: "اليوم عبرنا من ضفة إلى أخرى.. من ضفة اليأس والإحباط إلى ضفة الأمل والعمل وسنحقق هذا بفضل إرادة الشعب والتشريعات التي ستوضع لخدمته".

ويمنح الدستور الجديد الرئيس سلطة على الحكومة والقضاء، كما يزيل القيود على سلطته ويضعف البرلمان. وتقول المعارضة إن الدستور "مشروع شخصي" للرئيس تمت صياغته "على مقاسه"، من أجل حكم استبدادي.

في المقابل، يرفض سعيد هذه الاتهامات، إذ قال لـ"الشرق" عقب الإدلاء بصوته الاثنين، إن "الدستور الجديد لا يفتح المجال أمام الديكتاتورية، متهماً معارضيه بـ"الكذب" في ظل تضمين كافة الحريات في مشروع الدستور.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات