على خطى "أنا بكره إسرائيل" لشعبان عبد الرحيم.. أغنية مهرجانات مصرية عن فلسطين

كومبو يجمع شعبان عبد الرحيم وحمو بيكا
حمو بيكا (يمين) وشعبان عبد الرحيم (مواقع التواصل)

في سنوات مضت، كان الكثيرون يرون فيما يقدمه المطرب الشعبي الراحل شعبان عبد الرحيم فنا هابطا، لكن عندما غنى أغنية مثل "أنا بكره إسرائيل" أدركوا ساعتها حجم الأثر الذي يمكن أن يحدثه مثل هؤلاء في الأوساط التي تتابعهم وتستمع إليهم وربما لن يصلهم الوعي بقضايا أمتهم بغير هذه الطرق.

وتزامنت أغنية "شعبولا" في ذلك الوقت مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، حيث كان التعاطف العربي والعالمي واسعا، وخصوصا مع أحداث مثل استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة.

ويبدو أن الأمر يتكرر هذه الأيام، فرغم أن الكثيرين ما زالوا لا يستسيغون تلك الموجة الجديدة من الأغاني الشعبية المصرية التي يطلق عليها أصحابها ومحبوها اسم "المهرجانات"؛ فإنهم توقفوا عند صدور أغنية عن فلسطين تتفاعل مع ما تتعرض لها من اعتداءات من جانب الاحتلال الإسرائيلي.

الأغنية تحمل اسم "نفديكي يا فلسطين" ويغنيها المطرب الشعبي الذي ذاع صيته مؤخرا حمو بيكا رفقة زملائه علي قدورة ونور التوت وفيجو الدخلاوي، وحظيت بمئات الآلاف من المشاهدات في فترة قصيرة من صدورها على اليوتيوب ومنصات أخرى.

حمو بيكا يتابعه ما يقرب من مليوني شخص على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وأضعاف ذلك العدد على الأرض، حيث تجري مركبات "التوكتوك" بعشوائية، وتتسابق سيارات الأجرة الشهيرة في مصر بـ "الميكروباص" في الشوارع محطمة قواعد المرور، وسائقوها وركابها هم الجمهور الأهم لأغاني المهرجانات ونجمها الأشهر حمو بيكا.

واجتذبت الأغنية  أكثر من 300 ألف مشاهدة على حساب بيكا وحده في يوتيوب، وكان ملحوظا أنه أرفق بالأغنية وسم #أنقذوا_حي_الشيخ_جراح، كما اجتذبت عشرات الآلاف من المشاهدات والتفاعلات على منصات أخرى.

 

واستبق حمو بيكا طرح الأغنية بمنشور على صفحته في الفيسبوك يقول فيه "وتبقى فلسطين قِبلة المقاومة والنضال، "وما القدس عند الله إلا كـ "مكة"، وهي العبارة التي يشير إلى أنه ينقلها عن الخليفة عمر بن الخطاب، مختتما منشوره بدعاء "اللهم فلسطين".

وحمل المهرجان عبارات صريحة لتضامن المصريين مع الشعب الفلسطيني والهجوم على الاحتلال الإسرائيلي، وجاء في مطلعها "نفديكي يا فلسطين.. قلبي وروح العين.. دمك يا شهيد.. مش هيروح بعيد".

وانتشرت أغاني المهرجانات مؤخرا في الأوساط الشعبية بشكل كاسح، وهي أغان ذات لحن ثابت وصاخب، وكلمات تبدو عفوية ومرتجلة، ومعان بسيطة يجري التعبير عنها أحيانا بمفردات خارجة عن المألوف، وأثارت انتقادات واسعة من قبل ملحنين ومطربين، وقررت نقابة المهن الموسيقية في عام 2019 عدم منح مطربيها تصاريح بالغناء.

وتحدثت الجزيرة نت مع الفنان تامر عبد الشافي الذي أعرب عن اعتقاده بأن ما قدمه حمو بيكا وبقية فرقة المهرجان الأخير لفلسطين سيصل لجمهورهم المحدد، وهو عموما "يحسب لهم" بتقديره، مستبعدا أن يكون للأمر علاقة بتوسيع قاعدة جمهوره لأن له قاعدة جماهيرية تتابع كل ما يقدمه.

واعتبر عبد الشافي أن الجانب الإيجابي في الأمر أن فكرة المهرجان -رغم بساطتها- ستصل لجمهوره البعيد عن الاهتمامات السياسية، وبالتالي فما يقدمونه سيوصل رسالته المختصرة، وعلى الجانب الآخر "لن يضار الفن الهادف بها، لأنه لن يخصم من نصيب الفنانين الآخرين الذين يقدمون ألوانا أخرى من الفن".

أما مسألة "ركوب الترند" فهي أمر لا يمكن الجزم به، فضلا عن أن البحث وراءه لا يهم، وربما يذهب البعض لهذا التفسير على اعتبار أن ما يقدمه حمو بيكا هو حالة غريبة بكل أحوالها، والأهم هو النظر إلى الأغنية الأخيرة باعتبارها جسرا لدفع الاهتمام بالقضايا لدى طائفة من الجمهور لا اهتمام عندها بالقضايا القومية، وهو عموما لن يجذب جمهورا جديدا له.

واختتم عبد الشافي بالقول إنه من الخطأ "التفتيش" في نوايا من يقدم عملا "مخالفا لسياق أعماله"، فربما يكون هناك "خير أو طاقة نور" لديه، تتوارى وراء صخب أعماله وسعيه للانتشار، لكنه يحاول أن يعبر عنها في لحظة انفعال صادق، أو ربما يكون أحد ممن حوله نصحه فاستجاب، والأهم "تشجيع أي عمل يقدم رسالة جيدة حتى لو كان سياقه العام غير جيد".

حفاوة وانتقاد

أما متابعي حمو بيكا فقد جاءت ردود فعلهم متباينة، ورغم أن معظم جمهور تويتر -على سبيل المثال- ليسوا من جمهور مطرب المهرجانات المعروف؛ فإن حالة من الحفاوة بالأغنية سادت بين المغردين، وسط انتقادات من آخرين بأنه يحاول "ركوب الموجة" و"مسايرة الترند"، ليضاعف شعبيته.

وكان من بين أشد منتقديه الملحن المعروف حلمي بكر، الذي قال إن مطرب المهرجانات يريد حصد الإعجابات، ولا تهمه القضية بحال، فـ"هؤلاء لا يفهمون قيمة القضية الفلسطينية، وهي قضية لا يصح تناولها بطريقة سطحية، معتبرا أن مهرجان حمو بيكا الأخير أشبه بـ "مظاهرة شعبية"، لكنها لا تعبر بالضرورة عن قيمة فنية حقيقية تجاه القضية الفلسطينية.

وأكد بكر -الذي اشتهر باعتراضاته على المطربين الشعبيين ودخل معهم في سجالات كثيرة- أن أسباب الاهتمام بالأغنية نبعت من وجود فراغ في الساحة من أغاني المطربين الحقيقيين والكبار، وهو فراغ ملأه مطربو المهرجانات بأغانيهم، مطالبا -في تصريحات صحفية- بأن يتصدى لمثل هذه القضايا مطربون لهم تاريخ وباع في الغناء، وليس مطربو المهرجانات.

 

وقالت المدونة هبة عبد الجواد إن كلمات حمو بيكا في مهرجانه الجديد "قوية جدا"، معربة عن ترحيبها بورود "كلمة فلسطين في مفردات الخطاب الشعبي كقضية أولى، وكذلك وصف إسرائيل بالعدو، وهو أمر مبشر".

ولفتت -في منشور لها بالفيسبوك- إلى أن مغزى قيام مطرب مهرجانات بعمل أغنية بهذا المعنى، هو أنه يدرك مدى سرعة انتشارها، وكما استشعر وجود "ضوء أخضر" من قبل السلطة بعد مشاركة بعض الفنانين بتغريدات على ذات النهج ومنهم الفنان الكوميدي محمد هنيدي.

 

واعتبرت المدونة أن الوعي الجمعي للمصريين لا يزال مدركا بأن "إسرائيل عدو"، ومن لا يدرك ذلك سيتأثر بالشائع عبر الأعمال الفنية، كما يتأثر بالإجابات البسيطة على أسئلته الخاصة بالشأن العام، وهو ما تقدمه الأغنية، علاوة على أن الأغنية بكلماتها "التلقائية" تعبر عما هو طبيعي في ثقافة الشعب المصري بدون حساسية أو خوف، كما تعبر عن "الأكثر جذرية" في ثقافة الناس، وهي "العداوة لإسرائيل".

وأكدت أن تبني مهرجان شعبي للقضية الفلسطينية يعني وصولها لسائقي التكاتك والميكروباصات وزبائنهم، وكثير من أولئك ذوو ثقافة سياسية محدودة، ومثل هذه الأغنية ستُرسّخ لديهم معاني كبرى.

كما رحب مغردون بالمهرجان من زاوية أنه يمثل خطوة شجاعة لم يستطع الإقدام عليها مطربون آخرون ربما يخشون إغضاب السلطة.

 

 

 

 

 

 

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي